وفقا لما نشرته وكالة الانباء الكوردية (Payamner )، فمن المفروض ان تكون المباحثات السرية بين ممثلي الحكومة التركية وحزب العمال الكوردستاني قد بدأت إعتبارا من يوم امس 26/01/2012، نقلا عن صحيفة ( ايدنلك ) المقربة من الحكومة التركية التي نشرت ما مفاده : أن جهاز المخابرات التركي قدم صيغة خطية الى قيادة العمال الكوردستاني، اتفق على مضمونها من قبل مسؤولي الحكومة التركية والزعيم الكوردي السجين عبدالله اوجلان، حول حل المسالة الكوردية في تركيا سلميا، وإنهاء الصراع الدامي الدائر منذ عام 1984 والذي خلف ورائه اكثر من 40 الف ضحية، إضافة الى الدمار الهائل الذي الحقه بكوردستان تركيا وكلفة الحرب التي وصلت الى أرقام فلكية، تركت اثار خطيره على المجتمع والاقتصاد التركي وسمعة تركيا في المحافل الدولية.

تأتي هذه الخطوة التركية لتؤكد ما قلته في مقالتي (رياح التغيير في تركيا ndash; ايلاف 26/12/2011 ) حول الاعتذار الجريء الذي قدمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردوغان للشعب الكوردي عن المجازر التي قامت بها الدولة التركية الحديثة في منطقة ديرسيم 1937-1938 وايضا ما تبع هذا الاعتذار من تصريحات لنائبه السيد بولنت ارينش حول أهمية الاعتراف بالهوية الكوردية وعدم إمكانية إنكار وجودهم.

المواقف السابقة وما اعلن حاليا عن وجود مباحثات سرية للوصول الى حل سلمي للقضية الكوردية، تبدو لأي متابع محايد من تواصلها وإستمراريتها، نابعة من موقف ثابت وسياسة جديدة كليا لحكومة اوردوغان، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها حزب العدالة والحرية من اليمين التركي وبقايا الفكر العنصري المتزمت الذي إعتبر الكورد على مدى ثمانية عقود (اتراك الجبال )،وتسبب في عرقلة النمو والتطور الطبيعي المتوازن للمجتمع والدولة وقضايا حقوق الانسان في تركيا.

ان توجه تركيا اوردوغان نحو الحل السلمي للقضية الكوردية، سيعزز ولاشك من قوة ونفوذ وسمعة تركيا، داخليا وإقليميا ودوليا، ويؤكد مصداقية مواقفها في الدفاع عن حقوق الانسان وعن الشعب السوري وعن وحدة العراق وما الى ذلك، هذا بالاضافة الى انه سيفتح افاقا رحبة أمام تطور وإزدهار الحياة الديموقراطية ونجاح التجربة الجديدة التي يقودها حزب العدالة والحرية في المنطقة، وأثر كل ذلك على تعزيز موقفها من مسألة الانظام الى الاتحاد الاوربي إذا رغبت في ذلك.

غني عن القول انه بدون الاتفاق مع حزب العمال الكوردستاني، القائد الفعلي، الميداني للحركة الوطنية الكوردية في تركيا، لا يمكن تحقيق أي تقدم على المسارات الاساسية لترسيخ حل سلمي قابل للحياة والاستمرار، وعلى الحزب ايضا ان لا يترك هذه الفرصة تمر دون نتائج ايجابية والوصول الى اتفاق جدي وسلام حقيقي، فالحزب يعرف ولاشك أكثر من غيره مدى أهمية السلام والمصالحة الوطنية وبدأ مرحلة جديدة في العلاقات الوطنية الاخوية بين الكورد والترك.

ان ما تقوم به حكومة اوردوغان، مع الاخذ بنظر الاعتبار سياسة الحكومات التركية المتعاقبة خلال الثمانون عاما الماضية، هي قطعا خطوة كبيرة في الطريق السليم.
صحيح انه بدون النضال المشروع والطويل الامد والشاق لحزب العمال لم يكن من الممكن الوصول الى هذا المنعطف التاريخي المهم في سياسة وتوجهات الدولة التركية، ولكن ايضا لم يكن هذا ممكنا بدون حزب العدالة والحرية وسياسة اوردوغان وانفتاحه على المسألة الكوردية.

ان ابناء الشعب الكوردي واصدقاؤه وكل محبي تركيا ودورها البارز في السلام واستقرار المنطقة، يتطلعون بكثير من الامل الى نجاح هذه المفاوضات والمباحثات الجارية حتى وان حققت الحد الادنى الممكن اليوم مما يريده الطرفين التركي والكوردي.

bull;كاتب عراقي
bull; [email protected]