أكره الشعارات الرنانة.. أعيش معاناة الإنسان العربي وإنتفاضته يوميا كنت أؤمن بان العروبة تعني الأخوة وتعني تقاسم اللقمة والمشاركة... وتعني أنني كإنسانة عربية أستطيع الإنتقال والتنقل والعيش بحرية وكرامة في أي دولة عربية. إلى أن واجهتني الحقيقة المرة.. وتعلمت من خلالها بأن هذه الشعارات ورغم عذوبتها إلا انها لا تنتمي إلى الواقع المعاش للإنسان العربي لأن الحدود أكبر من أن يتخطاها.. وحرس الأنظمة على هذه الحدود وخاصة بعد الغزو العراقي للكويت جعلت من كل إنسان عربي خطرا على الدولة الأخرى.. بل هو خطر على نظام دولتة إن حاول السؤال أو التساؤل عن حقوقه في العدالة والكرامة.. ويحرم من التمتع بمواطنته حتى في دولته الأم إذا كان ينتمي لأقلية.. وما ثورتي على ما يحدث للمرأة العربية هناك إلا من منطلق أنني عايشت العديد من صور معاناة المرأة وأؤمن إيمانا قاطعا بأن الطريق الوحيد للتغيير الإنساني هناك يمر عبر بوابة الحقوق.. حقوق المواطنة والمساواة والعدالة الإجتماعية للرجل والمرأة.. للمسلم والمسيحي.للسني والشيعي.. ولكل من يعتنق ديانة أخرى في وطن واحد.. ولن تتحقق إلا من خلال ديمقراطية لا ترتبط بأي أيدلوجيات أعيد إنتاجها بصورة مقدسات.. أصبحت عبئا على المواطن.. وشوّهت صورة الأديان.. لأنها بدل أن تؤسس للإحترام المتبادل.. جذّرت للتفرقة..والإستعلاء والحقد والضغية.

قد لا يصدقني القارىء العربي حين أقول بأن غصة وقفت في حلقي بعد مشاهدتي لمسرحية.. quot;quot; متى نستطيع التحدث بهذاquot;quot;. نعم هذا هو عنوان المسرحية التي تعرض في أحد أهم المسارح في لندن.. المسرح القومي والذي منوط به مسؤولية أي تغيير ثقافي.. ولا يعرض سوى المسرحيات الهادفة.. المسرحية
When can we talk about thisبدأ عرضها في التاسع من هذا الشهر.. وينتهي في 28 منه.. مع صعوبة الحصول على التذاكر نظرا لأنها بيعت مقدما.
كنت قد كتبت سابقا عن حضوري لحوار نظمته جريدةevening standard قبل 4 سنوات للحوار حول ما هو الأهم في المعادلة البريطانية.. هل هي تحجيم حرية التعبير والقبض على المتطرفين المتأسلمين.. أم الحفاظ عليها آملين أن يحترم هؤلاء مواطنتهم في الدولة ويكفوا عن التصريحات الإستفزازية وحمل اللافتات مثل quot;quot;سينتصر الإسلام في أوروباquot;quot; و quot;quot;لا لحرية التعبيرquot;quot; وquot;quot; نعم لأسلمة اوروباquot; وquot;quot;يجب تطبيق أحكام الشريعهquot;quot; وغيرها من الشعارات التي تعمّق جدار الفصل بين الأقليات المسلمة وبين مواطنيه الأصليين برغم حصولهم على كل مميزات المواطنة.. وبالتالي النظر إليهم كجاحدي نعمة مما يؤسس لثقافة الكراهية بين المواطنين.. وكانت النتيجة هي إنتصار حرية التعبير مهما كان الثمن.

المسرحية بعنوان quot; هل نستطيع التحدث بهذا quot; تدور مرة ثانية في التساؤل حول هذه الأقلية المتطرفة مواجها التساؤل الأهم في هذه الحقبة بالذات.. وهو.. هل التعددية الثقافية التي في بريطانيا من وجود الأقليات من ثقافات أخرى هددت أو ستهدد الحريات الفردية والمجتمعية وعلى رأسها حرية التعبير؟؟؟ وهل القبول بهذه التعددية الثقافية أعطى رخصة لهذه الأقليات للإستقلال والتفرد وعدم الإندماج في المجتمع البريطاني؟؟ وأدى بدوره لخوف كل أقلية من جرح مشاعر الأخرى على حساب التضحية بحرية التعبير؟؟ بينما إستغل متطرفي المتأسلمين هذه الحرية والتعددية بفرض لباسهم وعاداتهم وكل ما يمت لثقافتهم المستمدة من الإسلام لخنق مفهوم الحريات كما هو معروف ومرسّخ في القوانين البريطانية خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة بالتحديد والتي هي وقبل كل شيء مواطنة بريطانية؟

تسلسل المسرحية إعتمد على التذكير بالمواقف التي واجهتها بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى مع المتطرفين المسلمين بدءا من تكفير سلمان رشدي وفتوى القتل التي صدرت بحقه من إيران.. مارة بالرسوم الكرتونية الدانماركية المسيئه لنبي الإسلام..وقتل المخرج الهولندي الذي أخرج فيلم إستسلامSubmissionثم ملاحقة النائب الهولندي جيرت فيلدرز لأنه أنتج فيلم quot;فتنةquot; ورفض دخوله بريطانيا خوفا من غضب وهيجان الأقلية المسلمة والذي نجح في إستصدار قرار من المحكمة الأوروبية بحقه في الدخول وعرض فيلمه لاحقا...

ثم قتل العديد من المسلمين من مختلفي الرأي في مواطنهم الأصلية في تركيا.. ومصر والجزائر وبنغلاديش والصومال وإيران والسودان وغيرها من الدول الإسلامية.. ثم إنتقل إلى التساؤل عن مدى تعارض الإسلام مع المواثيق العالمية للحقوق وبالتحديد حقوق المرأة كما في جرائم قتل الشرف والزواج القسري وعدم الحرية في إختيار الشريك وحتى زواج المغتصبة من مغتصبها.. الخ. ألخ. وبرغم أني كتبت في كل هذه المواضيع منادية بحقوق المرأة وبالحاجة الملحّة لفصل الدين عن الدولة حتى لا نتعرض للسخرية من العالم من حولنا والذي لم تعد تخفى خافية عليه.. إلا أنني شاهدت المسرحية كمن يتعرض لعملية إعتداء متواصل على كرامته..

لم أستطع الكتابة عن الموضوع إلا بعد مشاهدتي للمسرحية لأكثر من مرة.. لتحجيم مشاعري ضدها.. و توخيا للموضوعية.. وبالفعل فقد شاهدتها مرتين..
وبرغم تيقّني بان هدف الكاتب كان حث البريطانيين المسلمين أنفسهم على تحدي ومواجهة هؤلاء المتطرفين بوصفهم خطر على الجميع.. وحث الحكومة على عدم التعرض للصحفيين ووضعهم تحت طائلة المحاسبة القانونية بتسميتهم كعنصريين بينما لا يتوانى المتطرفين المسلمين عن إستعمال هذه الحرية بأقسى العبارات.. وإعتقاد الكاتب بتآمر الحكومة البريطانية في سكوتها خوفا من أحداث الشغب بينما يستمر تعديهم على هذه الحرية..

وبرغم سياقه لكل الأمثله التي أدافع عنها.. إلا أنني شعرت بسياط اللهجة التي إستعملها وفشله في إيصال تنبيهه للمسلمين إلى خطر هؤلاء المتطرفين..

رسالته ركّزت على نقد الإسلام المتطرف. وهو تطرف لا يقل هدما للقيم الإنسانية والمجتمعية عن التطرف اليهودي الذي نرى صوره في أعمال مشابهة لأعمال متطرفي المتأسلمين من تعدي على الحريات الشخصية وموقفها من المرأة.. وكلاهما يهدم قيمة الحرية الفردية وحرية المجتمعات.. وفي عالم تسقط فيه الحدود.. وتسقط فيه الهويات فإن كل تطرف ديني يهوي بنا إلى الهاوية..

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان