عندما تم التوقيع على مذکرة التفاهم الخاصة بحل مشکلة معسکر أشرف بطريقة سلمية بين منظمة الامم المتحدة و الحکومة العراقية في اواخر عام 2011، فقد کان ذلك الامر بمثابة إعلان صريح بمنح البعد و العمق الدولي لقضية أشرف، و قد کان في نفس الوقت إيذان ببدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع المصيري الذي تخوضه منظمة مجاهدي خلق من أجل قضية الحرية في إيران.
ان القاء نظرة سريعة على مراحل النضال التحرري الذي خاضتها منظمة مجاهدي خلق منذ تأسيسها، تبين لنا بوضوح انها قد إجتازت العديد من المراحل الصعبة و المعقدة المتباينة، فهي قد خاضت مرحلة النضال ضد نظام الشاه الذي کان يمتلك خامس اقوى جيش في العالم و اقوى و أمنع الاجهزة الامنية و الاستخبارية في المنطقة على وجه الاطلاق، کما انها خاضت مرحلة 30 خرداد ضد الخميني عندما قامت منظمة مجاهدي خلق بإلقاء الحجة على الخميني بأن تظاهر أعضاء المنظمة و أنصارها و جابه النظام ذلك الامر بمنتهى القسوة و العنف، وهي خاضت أيضا مرحلة جيش التحرير الوطني و التغيير النوعي الذي فرضه دخول هذا الجيش الى ساحة الحرب العراقية الايرانية و دفعها بإتجاه النهاية، وانها خاضت أيضا مرحلة إلقاء السلاح و النضال بأيادي عزل، و خاضت و بصورة ملفتة للنظر مرحلة تحويل أشرف من معسکر قتالي الى مدينة حضارية تبعث برسائل ذات مضامين و بعد إنساني للشعب الايراني بشکل خاص و لشعوب المنطقة و العالم بشکل عام، وکما أسلفنا فإن مجرد توقيع مذکرة التفاهم بين الامم المتحدة و الحکومة العراقية قد أذنت لمرحلة جديدة و بالغة الاهمية في النضال السياسي و الفکري الذي تخوضه منظمة مجاهدي خلق من أجل تغيير النظام الاستبدادي القمعي في طهران و تحقيق أماني الشعب الايراني بالحصول على الحرية الحقيقية التي سلبها منهم الملالي بعد أن صادروا ثورة الشعب الايراني في 11 شباط 1979، هذه المرحلة الجديدة ليست کأي مرحلة أخرى، فهي قد جاءت على أساس التراکم العددي الذي قاد و أدى الى هذا التحول و الإنعطاف الاستثنائي المهم و الحساس في تأريخ المنظمة و في تأريخ النضال من أجل الحرية لدى الشعب الايراني برمته، ولذلك فمن الممکن جدا تسمية هذه المرحلة الجديدة بأنهاquot;محصلة و خلاصةquot;کافة المراحل السابقة التي تلتها.
هذه المرحلة التي کانت قد بدأت منذ سقوط النظام العراقي السابق و الاحتلال الامريکي للعراق، دفعت الکثير من الاوساط السياسية و المحللين و المتابعين للشأن الايراني(من أولئك الذين لم يعرفوا المعدن المبدأي لمنظمة مجاهدي خلق و قدرتهم الفائقة على التکيف مع الظروف و الاستمرار في النضال)، بأن يتصوروا بأن منظمة مجاهدي خلق قد صارت بحکم المنتهية وانها لم تعد ذات شأن على الساحة السياسية في إيران، وهکذا تصور لم يأت إعتباطا او عبثا وانما کان أيضا مبنيا على أساس ثمة نقاط مهمة جدا يمکن تحديدها بما يلي:
ـ في اواخر التسعينيات من القرن الماضي، قامت وزارة الخارجية الامريکية بإدراج منظمة مجاهدي خلق ضمن قائمة المنظمات الارهابية.
ـ في بداية الالفية الثالثة تعرضت مقرات منظمة مجاهدي الرئيسية في باريس لعملات مداهمة غير مسبوقة و تم إعتقال قادتها الکبار و على رأسهم السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية.
ـ في بدايات تأسيس مجلس الحکم في العراق أثناء الاحتلال الامريکي المباشر، فقد أصدر المجلس المذکور إنذارا لسکان أشرف بمغادرة العراق خلال ثلاثة أسابيع.
ولذلك فقد کان من حق هٶلاء و غيرهم أن يکون لديهم مثل ذلك التصور السلبي حن منظمة مجاهدي خلق، ولاسيما وانهم کانوا ينظرون للمنظمة کما ينظرون لأي تنظيم سياسي آخر عندما يحاصر و تغلق عليه کافة الابواب و المنافذ کما کان حال منظمة مجاهدي خلق في فرنسا و العراق وقتئذ، لکن فات هٶلاء ان لمنظمة مجاهدي خلق تأريخ نضالي خاص تتميز به دوما عن کافة الاحزاب و التنظيمات السياسية و الفکرية الاخرى ولها ميزة فريدة من نوعها و هو قدرتها الفائقة و الاستثنائية في إمتصاص الضربات و الصدمات و النکسات و تحويلها و تغييرها الى أرضيات و قواعد لإنطلاقات جديدة تفرض دورهم و وجودهم على الارض للجميع، ومن هنا يجب النظر الى مسألة التوقيع على مذکرة التفاهم تلك و کيف أن منظمة مجاهدي خلق و بعد أن کانت ضمن قائمة الارهاب و تتعرض لهجمات شرسة من جانب الحکومة الفرنسية و يوجه إليها إنذار بمغادرة العراق خلال ثلاثة اسابيع، و من ثم تتعرض لکل تلك الهجمات و المضايقات في معسکر أشرف من جانب النظام الايراني من جهة و من جانب الحکومة العراقية من جهة أخرى، لکنها وعلى الرغم من کل ذلك تصمد و تقاوم و تنهض بثبات على قدميها لتکسر کل تلك الاطواق و لتٶسس لطريق جديد تبني من خلاله تأريخا جديدا لها، ويقينا أن أکثر جهة فهمت و تفهم منظمة مجاهدي خلق و إمکانياتها غير المحدودة في الصمود و المقاومة و التکيف و تجاوز المحن، هي النظام الايراني ذاته، ولذلك فقد قام و لا يزال يقوم برصد مختلف إمکانياته من أجل مواجهة هذه المنظمة و القضاء عليها بأية صورة من الصور، لکن من دون جدوى إذ أن المنظمة تقوم دائما بتغيير تکتيکاتها و طرح إستراتيجية جديدة للعمل و النضال و هي قبل ذلك تتميز أيضا بروح المبادرة و المناورة السياسية الذکية، وللموضوع صلة.