شاع الكذب بين النخب السياسية خاصة، مسؤولة وغير مسؤولة وما دونها، وأصبح وباء يرعي بعفنه في ألسنة وأفئدة الكبار والصغار إلا من رحم وحفظ ربي، وذلك بفضل بعض ممن كنا نظن أنهم من أولي الأمر وأهل القدوة والأسوة الحسنة، لم يتورعوا من أجل منافعهم الدنيوية الزائلة وسعيهم الشهواني المقيت للسلطة والنفوذ دون مؤهل وسند واضحين أن يكذبوا ويحلوا كذبهم مستغفلين من الاستغفال أو مستغبين من الاستغباء المواطنين البسطاء من أبناء مصر، فترتفع أصوات هؤلاء المواطنين هاتفة بالتأييد لهم في السرادقات والشوادر والشوارع بطول مصر وعرضها وهلم جرا.

يرتكب هؤلاء الأكاذيب واعين ومدركين تارة بالتزوير وتارة بالتلفيق وتارة بالإدعاء والتفخيم والتفاخر، يرتكبون ذلك مع سبق الإصرار والترصد وسط دعم إعلامي فج وغبي وجاهل، ويتلقى البسطاء منهم ذلك غير منتبهين أو ناسين أو quot;مطنشينquot; تحت وطأة فوضى وعبثية المتاجرة واللهو بمصائرهم وأرواحهم وأقواتهم ومعايشهم واستقرارهم والأخطار المحدقة بمستقبلهم، وهكذا تمضي الأمور، لكن الصمت والنفاق والهوى يدفع هؤلاء الكذابين إلى أن يصدقوا أكاذيبهم بل يعتبرونها آيات منزلة وتاريخا ينبغي أن يدرس، ويظلون على غيهم يبنون ويشيدون صروح الكذب والظلام والضلال إلى درجة الكبر والغرور والعمى، وما نشهده الآن على المسرح السياسي المصري على اختلاف أطياف خير دليل على ذلك.

كيف يمكن للمرء أن يعيش تحت سقف وطن يعرف أن رئيسه القادم يغير أقواله بسرعة؟ كيف له أن يأمن على مستقبله ومستقبل أسرته ووطنه، ألا يكفى ما عشناه من عمر حتى 11 فبراير 2011 لنطيح أول ما نطيح بزمرة من الكذابين فاستحلوا به كل شيء، كل شيء في هذا الوطن العزيز.

يا لهول ما جرى ويجري في السباق الرئاسي على مدار الأشهر الماضية وحتى اللحظة، لو حللنا ما قاله كل مسئول وكل مرشح محتمل لربما قررنا بمحض إرادتنا وعن طيب خاطر استدعاء مستشفى الأمراض النفسية والعصبية quot;الخانكةquot; وارتضينا بغرف فيها لمعالجة الخلل بل الفساد العقلي الذي أصابنا جراء ذلك، فنحن لن نجرؤ على مطالبة هذه النخب التي ترى في ذواتها تفوقا وقدرة وقدوة تليق بحكم مصر، أن تفعل هذا، لذا ينبغي أن نضحي ونجن ونطالب بعزلنا كمجانين ليحكموا هم.

لن نضرب أمثلة، فما أكثرها وأكثر تنوعها وثرائها، والحمد الله الذي وهبنا العقل الذي اخترع الانترنت ليسجل كل كبيرة وصغيرة يتم تداولها عليه سواء من خلال المواقع الالكترونية أو صفحات التواصل الاجتماعي أو المدونات وغير ذلك، ومن ثم يمكن الرجوع إلى كل ما قيل مكتوبا أو مرئيا أو مسموعا.

إن بلاءنا عظيم ومصابنا جلل يحمل أخطارا بدأت بوادرها تلوح في الأفق، متمثلة في انقسامات ومصالح وأهواء تهدد بصدام بين المتناحرين على السلطة وما أكثرهم، يجني وسوف يجني عواقبه الوخيمة بل الكارثية بسطاء هذا الشعب، باعتبارهم وقودا لأكاذيب هذا الفريق أو ذاك.

أين موقع ومكانة مصر والخوف على مستقبلها من هذا الفريق أو ذاك؟ هل من أحد يراه؟ شخصيا لم أره، ففتن الكذب أصبحت كقطع الليل المظلمة، وليس معنى قول هذا أو ذاك أنه ترشح للرئاسة استجابة وتلبية لنداء مصر وشعبها أو أنه مبعوث العناية الإلهية، إلا أكبر فتن الأكاذيب، يخرج هذا أو ذاك باسم مصر والوطنية والولاء، باسم مصلحة المصريين ومستقبلهم، وهو لا يبحث إلا عن إرضاء غروره وكبريائه والحفاظ على ما في حوزته من مكاسب.

لا نطعن لكن هذا ما نراه ونسمعه ونستشعره وتحمله نبرات ورسائل هذا وذاك.
ما الحل إذن؟ الحل هو الحرية والحرية فقط لا غير.. أن يستفيق الشعب ويقف بحزم ضد استغفاله واستغبائه، وأن يطوي صفحة المرحلة الانتقالية بجرائمها واضراباتها واعتصاماتها وانفلاتاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية، مستعيدا وعيه وأهدافه ومطالبه quot;العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانيةquot;، قابضا على رمح الحرية ومصرا على تحقيقها مهما كان الثمن غاليا.

أما مصدرو الأكاذيب ومشعلو الفتن، الملوثون بدمائنا وسرقة أقواتنا وحرق مقدراتنا، فنقول لهم: لقد انكشفتم وبدت الفضائح من أفواهكم ووجوهكم وأيديكم فلملموا شرورها، واستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله حتى يرى الشعب حريته ويختار مستقبله.