مصر التي في خاطري وفي فمي
أحبها من كل روحي ودمي
رحم الله أحمد رامي
رحم الله أم كلثوم
وليت هؤلاء وأولئك من الذين يتباهون ليل نهار بحب مصر فيما يتناحرون ويتآمرون ويدسون لبعضهم البعض للحصول على السلطة، السلطة الذي التي غيبتهم وأعمت بصائرهم وأبصارهم عن الأم العظيمة الجليلة quot;مصرناquot;، ليتهم يسمعون أم كلثوم وهي تشدو بكل خلجة حب وعشق في جسدها وروحها كلمات الشاعر الجميل رامي، رغم أنها قيلت في الاستعمار الذي أزاحته ثورة يوليو 52 لتطهر مصر، إلا أنها تليق بشهوة السلطة باعتباره هذه الشهوة استعمارا أشد وطأة من كل أنواع الاستعمار الأخرى :
أحبها للموقف الجليل
من جيشها وشعبها النبيل
دعا إلى حق الحياة
لكل من في أرضها
وثار في وجه الطغاة
مناديا بحقها
وقال في تاريخه المجيد
يا دولة الظلم انمحي وبيدي
صونوا حماها وانصروا من يحتمي
ودافعوا عنها تعش وتسلم
ليتهم يسمعون لربما تحن قلوبهم وتضيء أبصارهم وبصائرهم، فيرون quot;مصرناquot; تنادي مستجيرة مما يجري لأبنائها، وبين أبنائها، فيما يتربص المتربصون بها من كل جانب، لا يريدون لها أن تستفيق لترى الطريق وتعلو وتقود وتصبح قبلة الحكمة والسلام والعدل والنور.

إننا نعاني من خواء الرؤية وعتمة الضمير، بعد أن تم قسرا اقصاء وتهميش منابر التنوير فكرا وفلسفة وإبداعا ممثلة في كتاب ومثقفين ومبدعين وسياسيين شرفاء مشهود لهم بحب مصر، وتصدير الأبواق والوجوه البائسة التي أكل عليها الدهر وشرب بعد أن باعت كل ما لديها لهذا ثم لذاك دون وازع من ضمير أو أخلاق من أجل منصب أو حفنة من المال، ودخلت معها أبواق التشدق والتشدد والتزمت لأصاحب السمع والطاعة والولاء من أتباع هذا الشيخ أو ذاك.
ما معنى أن تظل جماعة الإخوان المسلمين على مدار الأشهر الماضية تتلاعب بمسألة مرشحها للرئاسة، تقريبا لم يمر أسبوعا وربما يوما على مدار هذه الأشهر دون تصريح لقيادي أخواني عن احتمالات تأييد هذا المرشح أو ذاك، ثم تحول الأمر خلال الشهر الماضي إلى طرح مرشح عن الجماعة والحزب حزب الحرية والعدالة لنظل على مدار الساعة نتابع اللهو بعقولنا، يوميا هناك طرح لهذا أو ذاك، ثم بعد أن وجدوا أن quot;العملية مَسِختْquot; كما يقول العامة خرجوا بالمهندس خيرت الشاطر، ثم خوفا على الشاطر خرجوا بمحمد مرسي.

وبعد يومين من هذا الترشيح فوجئنا بالأخبار تتواتر عن طلبات تقدم للمجلس العسكري تطلب ترشح المشير محمد حسين طنطاوي، وأن الطلبات في تزايد، وأن بعض هذه الطلبات تقدمت بها أحزاب.

ثم بعدها بأيام يترشح عمر سليمان رئيس جهاز الاستخبارات السابق ونائب الرئيس السابق، وتتراجع طلبات مطالبة المشير بالترشح وينسى الناس المشير ويرون في سليمان بديلا عنه، أي مرشحا عن المجلس العسكري، ورغم نفي الأخير لكن أحدا لا يصدق نفيه خاصة بعد أن ذهب لتقديم أوراق ترشيحه تحت حماية الشرطة العسكرية وقائدها عضو المجلس العسكري اللواء حمدي بدين.

هؤلاء يرشحون وهؤلاء يرشحون متلاعبين بالغلابة أبناء من الشعب المصري، الذين عليهم وفقا لما يجري أن يقعوا مكرهين أو مضطرين أو مستسلمين خاضعين بين شقي رحى الخيارين، العسكري أو الديني، لأنهما الخياران الأقوى والأكثر قدرة على التحدي والمواجهة ومن ثم الفوز، مهما كانت قوة مرشح أو اثنين أو ثلاثة من المرشحين الآخرين المستقلين، وأياً ما سيكون عليه الدستور، وأياً ما كانت الوعود بدولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة الكاملة، لذا الأمر صعب.
إن الخيار العسكري سوف يعيد أركان نظام مبارك الذي قامت الثورة لإزاحته إلى سدة الحكم مرة أخرى، وهو ما يتطلب تضحيات تتجاوز الألف شهيد الذين سقطوا خلال عام 2011 لإسقاطه مرة أخرى، أما الخيار الديني فسوف يهدم الدولة المصرية ويعيد بناءها وفقا لرؤية دينية قد تطيح بالكثير من الثوابت والمكتسبات الخاصة بحقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها.

يضاف إلى ذلك مسألة مهمة تتمثل في نظام تصفية الحسابات الذي اعتادته الأنظمة المصرية الثلاثة التي حكمت مصر منذ 23 يوليو 1952 مع بعضها البعض، فإن فاز العسكري وعاد النظام البائد لن يهدأ له بال قبل تصفية كل من شارك في ثورة 25 يناير لبراليين أو اشتراكيين أو إسلاميين، وسوف تتحول حكم مصر إلى حكم ديكتاتوري بالمعني والمفهوم الأكثر عمقا.

وإن فاز الديني لن يفلت أنصار مبارك العسكري ومن والاه من المحاكمات، ولربما فعل بهم كما فعل عبد الناصر بأركان نظام الملك فاروق من خلال محكمة الثورة ثم بالإخوان المسلمين بعد ذلك.

على الرغم من الخيار المر الذي سيقع فيه المصريون، والنتائج الذي سوف تترتب عليه، إلا إنني متفائل لأن ما شهدته مصر خلال العقود الماضية مضى ولن يعود بل لن يسمح بعودته وليعلم كلا الفريقين العسكري والديني أن المرحلة انتقالية وستظل انتقالية ربما لسنوات طويلة أو قليلة الله أعلم وأن فريقا جديدا تتبلور ملامحه الآن هنا وهناك بيننا سيظهر ليضيء طريق مصر المستقبل.