ونحن في منتصف سنة 2012 تقريباً، يبدو أننا وصلنا الى حلِ نصف أزمات العراق بذكاء فطري وتجربة سياسية ووصفات عشائرية مذهبية. وصفات الحلول هذه، لم تصل الى 10% مما توصل أليه زعماء أمم أخرى بنضجهم السياسي وقوانينهم وأنظمتهم الدستورية.

قد يرى بعض القراء في عنوان المقال تهكماً وسخرية من جانب، وبعداً أجتماعياً وسياسياً وجغرافياً جاداً من جانب آخر، وخاصةً للعارفين بأوضاع العراق وأزماته المزمنة التي هي في متناول أيدي من مارسوا العمل السياسي وفق مبدأ كل شيئ ممكن بالتجربة والمعارضة حتى لو كان تغيير العاصمة، العَلم، والدستور، والأنقلاب عليه.

قبل أيام من أجتماع مؤتمر القمة العربية الثالثة والعشرين في بغداد (29 مارس 2012 ). تناقل مراقبون في تركيا والعراق وسوريا أخبار ردود فعل عنصرية وقومية من رجل تركيا الحالي أوردغان ورؤيته لدوره المميز في المنطقة خاصة بعد أحداث سوريا وهروب نائب الرئيس العراقي الى أسطنبول. وفي نفس الوقت نقل بعضهم حكايات عن أمتعاض السيد بارزاني رئيس أقليم كردستان من مطالبة بغداد تسليم الهاشمي للسلطة القضائية، الذي أنتهى به الأمر في تركيا. وبدا أمتعاض وسخط بارزاني من خلاف مصطنع مع المالكي وعدم أكتراثه للقمة العربية التي عُقدت في العاصمة بغداد حيث لامكان فيها أِلا لمن يمثل العراق quot;رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية quot;.

والرؤية التاريخية العامة للمنطقة، تكشف لنا النقاب بأن كل مايحتاجه الشخص في مراحل العنف الفكري الأرهابي المذهبي والقومي هو تبرير التصرف الخاطئ وقلب الموائد بكلمة أو تصرف يتقبله الجاهل والمثقف. وأنا أعني أن قادة العراق الذين أنحازوا الى عواصم تركيا أو أيران أو قاموا بتفضيل قومية على أخرى أو مذهب على مذهب آخر أساءوا الى شعب العراق وتاريخه وحضارته ومستقبل أجياله. والدعوة لألغاء الوطن وأستبداله بوطن القوميات هي دعوة للتمزق والكراهية والعداء قادها البعض بنشاط قبل وبعد أجتماع القمة العربي الأخير. وقد جاءت زيارة رئيس أقليم كردستان لأوردوغان في أسطنبول وقبلها للرئيس الأمريكي في واشنطن، ناقصة مبتورة ومهيجة وأستدعت الاستنكار من أوساط الاتحادات الكردية و العربية. وللتخفيف من شدة الحدث أبدى الطالباني بصفته الرسمية كرئيس للجمهورية تحفظاً على تلك اللقاءات، وبدا أكثر تعقلاً وألتصاقاً بعاصمة العراق الدستورية وماتحقق للقومية الكردية من مكاسب رغم الفساد والسرقات وتهريب الثروات، ووقف من حيث المبدأ مع المالكي في تسّير مرحلة أصلاح الحال ومراجعة الأخطاء وتحسين أوضاع أفكار أجتماعية وبناء ثقافة التألف الوطني ببطء وحذر.

مرحلة مراجعة الأخطاء تأخذنا الى الكتل السياسية العراقية التي تتعامى عن معرفة عاصمة الدولة ومقر حكومتها الرسمي الأداري المعترف به دستورياً ودولياً. أنها بغداد حيث تجلس فيها الحكومة الأتحادية ومجلس نوابها ومقر سفارات الدول الأجنبية وممثليها. ولكن وفق مبدأ quot; خالف تُعرف quot; هرول بعض المسؤولين الى أربيل لأدارة حوار quot; تفعيل آليات الديمقراطية ونصوص الدستورquot; بنقاط حملها مع الأخرين، الى السيد بارزاني السيد مقتدى الصدر وظهوره بمظهر المُصلح بين المالكي وبارزاني. وما يتداوله العراقيون شعبياً بينهم هو أوجه التشابه التي جمعتْ بين مقتدى وبارزاني في تفسير نصوص الدستور العراقي لأن أيّ منهما لم يقرأه لفهم مسؤوليات أِنجاح الدولة ورفع شأنها بالعلم وليس بمن يمتلك مليشيات يحظر وجودها الدستور. فكيف سنضع ثقلنا مع من لم يتفحص نصوص الدستور للوصول الى أتفاق وطني ومشاركة ناجحة؟ وسأسمح لنفسي هنا ذكر quot;بعضquot; المخالفات الدستورية التي يتجاوزها الأخوة المسوؤلون عند الحديث عن تفعيل أليات الديمقراطية.

ينص الدستور العراقي في الباب الأول في المادة 11 ( بغداد عاصمة جمهورية العراق) وفي المادة 12 الفقرة 1 ( ينظم بقانونٍ، عَلمُ العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز الى مكونات الشعب العراقي). و المادة 9 اولاً تنص:

(أـ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ او اقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون اداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة.

ب يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة. و تشير المادة المادة 14(العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي).

لذلك تزداد الألغاز المُحيّرة بأسراع السادة الطالباني رئيس الجمهورية العراقية والنجيفي رئيس مجلس النواب وعلاوي رئيس وزراء أسبق، والصدر ممثل كتلة برلمانية، الى أربيل بدلاً من دعوة السيد بارزاني الى العاصمة الأدارية بغداد لتسوية خلافه الدستوري مع رئيس الحكومة المالكي بالحوار الودي. فماذا تمخض عنه لُغز لقاء أربيل؟ الحقيقة، لاشيئ.
ففي أعقاب التصريحات التهديدية للبارزاني من أسطنبول وتناسيه للجرائم اللأنسانية التي أرتكبها الترك ضد القوميات، جاءت زيارات تقديم النصائح والأستماع الى تحدي بارزاني ومطالبته بحجب الثقة عن المالكي والحكومة الحالية من عاصمة الأقليم أربيل. وجاء دور المشتركين في ذلك اللقاء مراهنة سخيفة لدبلوماسية الحديث بالوصفات اللاديمقراطية وتبادل الأماني وأعتراف ضمني لتسيّد بارزاني على أمور الأمن القومي والتحكم بمقدرات شعب العراق بطريقته الخاصة ومسكه بخناق رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة العراقية. وتعتقد المصادر المُقربة أن أي من الزائرين الخمسة لم يؤكد على السيد بارزاني النقاط الدستورية المشار أليها وموقع بغداد في خريطة الدولة الأتحادية.
والنقطة الأساسية هنا هي أنه لم يخطر على بال العراقيين من العرب والأكراد أن كسر قيود الدكتاتورية وتحرير العراق من الاستبداد تمر عن طريق أوردغان التركي بلقائه السيد بارزاني في أسطنبول!

في العراق الجديد، وبأبتعاد الأعلام الحر المستقل عن السلطة، نكاد لانستطيع أن نَعدُ أو نَحصى مايُخفى عن عدد الاضطرابات السياسية ومايرافقها من أضطراب فكري وقومي ودستوري للذين لايميزون بين فرضية العلاقة بين السلطات وعملية الأجراءات والتشريعات التي تُتخذ بالأجماع وتنفذها سلطة حكومة أتحادية فدرالية دون تضليل الشعب بالأجتماعات الجانبية الخارجة عن السلطة النيابية والخروج عن المبادئ لتحقيق رغبات رئيس أقليم كردستان. وكان الأجدر بالزائرين الخمسة في زيارة النصائح هذه، تذكير السيد بارزاني بأن في أستطاعته أبداء ملاحظاته وأنتقاداته للمالكي وغيرهم في العاصمة الأتحادية بغداد وليس واشنطن، أستانبول أو أربيل ليسمعه الجميع.

وكما أن هناك ألية حكومية وطرق قانونية في توقيع عقود نفطية مع دول وشركات أجنبية لاتتم بطرق الهيمنة والتهديد، فأن التقاليد المتبعة في حالة أي خلاف دستوري أن تُسرع الجهة الأقليمية الى الجهة الأتحادية لتقديم ملاحظاتها وأرائها ومشاريع العمل الدستورية كي تكون هناك مناقشة برلمانية حرة لها وتعديل فقرات دستورية أذا تطلب الأمر. والمهلة التي حددها السيد بارزاني للحكومة حتى شهر أيار لكي يصدر مجلس النواب قانون النفط والغاز، وإلا فإن الأكراد laquo; سيستخرجون النفط رغماً عن الحكومة، وسيسيرون نحو انفصال كلي عن بغدادraquo;، فهو تهديد قد يودي بأنقلاب الكتل العربية والكردية على هذا الطراز من الدكتاتورية الجديدة.


كاتب وباحث سياسي