بين الحين والآخر تخرج في بعض المدن السورية مسيرات مؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد ولسياسته quot;الإصلاحيةquot; ويركز الإعلام السوري، وخاصة وكالة سانا السورية للأنباء، على نقلها وتضخيمها والتركيز عليها بوصفها تعبيرا عن تمسك الشعب السوري بالنظام الحالي ودعم السوريين له، في حين تتجنب وسائل الإعلام الرسمية ذاتها وهي التي تخضع للسلطة نقل أي خبر عن مظاهرة معارضة للنظام بل تعمد إلى التضليل بشأن التظاهرات التي تعم البلاد، ويجري قمعها بكل أشكال القتل والعسف التي تواجه المتظاهرين في كل الأنحاء السورية بل إنها تنسب للمتظاهرين القيام بأعمال جرمية أو إرهابية وتتنكر لسقوط ضحايا بريئة بين صفوفهم نتيجة لاستخدام الأمن السوري الرصاص الحي في مواجهتهم. هذا أحد الأسباب الذي سيجعل الثورة منتصرة حتما أيا تكن مخاضات هذه المرحلة صعبة و أيا يصل التعقد في مسارات الأحداث المرافقة للثورة في سورية. كاتب سوري
المظاهرات المؤيدة للنظام، المفتعلة والمبرمجة والممولة والمرعية من قبل مؤسسات السلطة، لها حاجات وظيفية يحرص النظام على استثمارها في معركته مع شعبه الثائر. الأبعاد الوظيفية لهذه المظاهرات تتبدى على أكثر من صعيد، لكنها تؤدي في مجملها مهاما تضليلية. بعض التضليل الذي تنجزه ذاتي تستدعيه دائرة النظام ذاتها وبشار الأسد نفسه، إذ يحتاج هذا الأخير إلى هذه التظاهرات quot;المؤيدةquot; كي تحفظ توازنه النفسي وتخفف من آثار الصدمة التي سببتها له التظاهرات المنادية بعدم شرعيته وإسقاطه و مؤخرا بإعدامه، هي ضرورية من هذه الزاوية حتى تؤمن لهذا النظام تماسكا في ذروته وتمنع ما أمكن انكشاف رعبه وتداعي وضعه المعنوي. أما أشكال التضليل الأخرى فهي المعول عليها تدعيم حالة التردد بين الفئات التي لم تلتحق بالثورة ولجهة وضع العوائق المتزايدة أمامها منعا لها من إدراك واقع الحال الذي يجري في سورية، وهي تقوم أيضا بتجميل وجه السلطة البشع و اللاشرعي أمام الرأي العام العربي والدولي بالادعاء أن النظام لا يزال يحظى بدعم كبير بين صفوف السوريين.
إلا أن استثمار هذه التظاهرات وتوظيفها غالبا ما يعطي نتائج مؤقتة وضعيفة، على الصعد كافة الذاتية والموضوعية، المحلية والدولية، فسرعان ما ينكشف زيف رسائلها وتهافت وظيفتها، ليظهر الرئيس السوري في نهاية الأمر مضللا ومكشوفا تماما كالإمبراطور العاري. والإمبراطور العاري بطل في قصة تروى لأخذ الحكمة منها، تدور أحداث هذه القصة حول إمبراطور كان يحب الملابس الجديدة، و قد أتاه يوما خياطان محتالان وعرضا عليه ثيابا جديدة، وأقنعاه أنها لا تليق إلا به وأنهما سيصنعاها من أجله فقط. وإمعانا في تميز هذه الثياب وتفردها، فلن يكون بمقدور الأناس العاديين رؤيتها وسيختص بمرآها الأذكياء و المميزون منهم فقط. المحصلة التي تخلص إليها هذه القصة تفيد بأن الإمبراطور الذي وقع ضحية لاحتيال وتضليل البعض له يظن نفسه و هو عاري انه يلبس أجمل الثياب، في الوقت الذي يراه الناس على حقيقته التي يشير إليها الشجعان منهم فيدرك متأخرا عريه ويفهم انه تعرض لخديعة لم تنطل إلا عليه وعلى المخدوعين أمثاله من أصحاب العقلية ذاتها، العقلية التي تنتجها الهيمنة والسلطة.
ما يمكن الركون إليه ختاما أن نظام بشار الأسد لن يستطيع أن يخفي الشمس بغربال ولن تستطيع كل الاجراءات التجميلية والتضليلية أن تحرز الأثر المطلوب منها أن تحدثه في الواقع السوري، حتى و لو أتت النتائج الآنية على العكس من ذلك، سيخسر بشار الأسد نفسه من تسيير هذه التظاهرات المؤيدة و فبركتها قدرته على استكناه الواقع على هيئته الحقيقية بما يجعله يزداد انفصالا عنه وبما يجعل وعيه متكلسا ومعاقا على مجاراة حركة الأحداث والعمل بمقتضياتها، سيفوته التعاطي المثمر مع متطلبات اللحظة التاريخية على الشاكلة التي تنجيه من مكر التاريخ و لعنته.
- آخر تحديث :
التعليقات