تنشر من وقت لآخر، في صحف ومواقع عراقية وعربية [منها الشرق الأوسط] مقالات وتصريحات تحاول مقارنة المؤامرات التي انقضت على ثورة 14 تموز والزعيم عبد الكريم قاسم بمساعي سحب الثقة من السيد نوري المالكي! وتقترن هذه الاجتهادات بالتركيز على الأخطاء المنسوبة لمسعود البرزاني، ما صح منها فعلا وما ليس صحيحا أو مبالغا فيها. كما تقترن بمناورات المالكي نفسه لأن يظهر بوجه جديد، quot;مدنيquot; عابر للانتماءات الطائفية والدينية والعرقيةquot;، كما قال احد المسؤولين الشيوعيين، بعد مقابلة وفد حزبه مع المالكي. ويذكر أنه سبق للسيد رئيس مجلس الوزراء تأسيس قائمة انتخابية باسم quot; دولة القانونquot; عشية الانتخابات الأخيرة، فإذا به، بعد عودته لمنصبه خلافا لنتائج الانتخابات، يتصرف وحكومته بما ينتهك القانون والدستور، كفرض الحجاب على الطالبات واليتيمات الصغيرات، وملاحقة وتقتيل شباب الإيمو، والتنكيل بالمظاهرات السلمية، وحظر الغناء والموسيقى، وتحويل البلاد إلى دولة الشعائر المذهبية وإلى حسينية كبرى.
الظاهر لنا أن هناك مخططا لعزل السيد رئيس إقليم كردستان الأخ مسعود البرزاني، تساهم فيه إيران بنشاط، مقترنا بقطع المحروقات عن الإقليم ومغازلة حلفاء البرزاني من شيوعيين ورئيس البرلمان ومن أطراف كردستانية. وكل ما نخشاه أن يكون مجمل هذه التحركات مقدمة لصدام مسلح سيكون كارثة للجميع وللعراق كله، ما لم يجر تدارك الأمور بحصافة ومرونة من كل الأطراف.
في البداية، لقد سيق لي شخصيا، كمواطن وكاتب سياسي عراقي كردي، أن نصحت الأطراف الكردستانية قبل حوالي ست سنوات بعدم التسرع في موضوع كركوك، وبالمرونة وانتظار تحسن الظروف السياسية والأمنية وترميم الثقة بين الأطراف السياسية الحاكمة، وهذا برغم أن الدستور الدائم نفسه قد جاء بالمادة 140 حول كركوك، والتي حددت سقفا زمنيا لتنفيذها لم تحترمها الحكومة الاتحادية، والتي يتمسك بها السيد رئيس الإقليم والأطراف الكردية الأخرى. كما نصحت مع آخرين بعدم تأييد الطرف الكردي لمشروع إقليم الوسط والجنوب المذهبي، وذهبنا إلى أن رفضه لا يمس بشرعية قيام إقليم كردستان الفيدرالي الذي له مقوماته التاريخية والعرقية واللغوية والجغرافية والنضالية الطويلة. وانتقدت باستمرار ما سمته الاطراف الكردستانية بتحالفها quot; الإستراتيجي مع الشيعةquot;، قاصدين أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، لا لان التعاون معها محرم، بل لأن مركز الثقل يجب أن يكون التحالف مع القوى والتيارات الديمقراطية واللبرالية والعلمانية العراقية، ولأن وجود حكومة اتحادية في بغداد تكون مدنية ديمقراطية وعلمانية هو الشرط الحاسم لضمان حماية وتوسيع مكتسبات شعب الإقليم. ونعلمأن هذه الأحزاب لا تمثل جميع شيعة العراق وما بينهم من اتجاهات وتيارات فكرية وسياسية. كما أن التحارب برهنت على أن جميع الأحزاب الدينية في المنطقة لا تؤمن حقا بالديمقراطية رغم دخولها اللعبة الانتحابية للوصول تدريجيا لغاياتها المحسومة سلفا [ الإسلام هو الحل]. كما أن مفهوم quot;كردي- شيعيquot; غير ديمقراطي لأنه يناقض مبدأ المواطنة العراقية، ولأنه يتضمن تحيزا وتمييزا ضد الآخرين، فالعراق ليس مجرد كرد وشيعة.
المؤسف أن الأمور سارت بالعكس، وتتالت المطالب الكردستانية بتصعيد، ولعب الأكراد دورا حاسما في عودة المالكي لمنصبه برغم أنه لم يكن الفائز الأول في الانتخابات الأخيرة.
أن تكون حكومة الإقليم قد تصرفت أكثر من مرة بحدة وتوتر فهذا صحيح، وخصوصا التصريحات المتتالية عن الاستفتاء وحق تقرير المصير التي فسرت بنية الانفصال مع أن الأخ البرزاني نفسه نفى ذلك، ومع أن حق تقرير المصير كاملا مشروع من الناحية المبدئية. كما استمرت المساعي المتسرعة لحل مشكلة الأراضي المتنازع عليها مع أن في بعض المطالب الكردية ما هو مشروع ومبرر. غير أن الملاحظ، قبل كل هذا، هو سياسات ومواقف السيد المالكي الذي هو حاكم العراق وليس مسعود البرزاني. فالسيد رئيس مجلس الوزراء يتقلب من موقف لآخر ومن مناورة لغيرها، وراح يشدد مع حكومة الإقليم حول المشكلة النفطية وقطع المحروقات عن الإقليم، وراح يحرض واشنطن والإمارات وتركيا على مقاطعة الإقليم- أي إنه لم يتصرف كمن هو من يحكم العراق ويجب أن يتصف بالصبر والحكمة والمرونة لحل المسائل الشائكة. وقد انتهى، مع تصاعد مطلب سحب الثقة منه، إلى مواقف أكثر توترا وكأن سحب الثقة منه يعني عدوانا على العراق نفسه، مع أن ممارسة الاستجواب أو سحب الثقة أمر اعتيادي في الحياة الديمقراطية السليمة! وهذا أيضا، [ أي كون مطلب سحب الثقة منه يعني مؤامرة على كل العراق]، ما يقصده بالضبط الذين يريدون إقناعنا بان محاولة سحب الثقة منه تعادل المؤامرات على عبد الكريم قاسم، والتي انتهت باغتيال ثورة وزعيم ثورة حققت منجزات كبرى لشعب العراق. فالمؤامرات كانت على منجزات فعلية غيرت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعراق؛ فما هي منجزات حكومتي المالكي غير استشراء الفساد، والزيارات المليونية، وتلويث التعليم طائفيا، ومحاربة الفنون، والاعتداء على حقوق المرأة وعلى الحريات العامة، وغير تداعي الأمن، ودعم جزار الشام، والاعتماد على الحسابات الإيرانية؟؟!! وإذ نقول هذا، فإننا نتوجه أيضا لحكومة الإقليم لتكون على بينة من كل جوانب الوضع المحفوف بالمخاطر وأن تسعى لإيجاد مخارج سلمية مرنة من الأزمة الملتهبة بما لا يضر بالحقوق والمكاسب الكردستانية، وبما يعزز الشراكة والتحالفات الوطنية العراقية.