اليوم هو عيد الحب.. يوم فالنتاين الجميل..
يوم القلوب الخافقة..
وهو ليس عيداً جديداً. فالسومريون (أقدم حضارات الأرض)، والبابليون، واليونان، والعرب، وغيرهم، احتفلوا على مدار أيام السنة بعيد الحب. فلم يكن هناك يوماً واحداً فقط للحب، بقدر ما كانت أيام السنة كلها أعياد حب ووفاء.
والمحبون اليوم بيننا كثيرون شباباً وشابات يخشوننا ويخشون الآخرين، ولو عاشوا في عصر غير عصرنا المالح المُر الرديء لما خشوا.
فلا تخافوا، وأعشقوا..
اعشقوا
اعشقوا،
فإن العشق يُطلق لسان العيي، ويفتح حيلة البليد، ويبعث على التنظيف، وحسن اللباس، وتطييب المطعم، ويدعو الى الحركة والذكاء، وتشرف الهمة. وإياكم والحرام. كما يقول أبو محمد السرّاج، في كتابه (مصارع العشاق)، ج2، ص 21-22.
الحب رغبة
والحب رغبة ودية تطلب التقرب من المحبوب، ومشاركته، والأخذ منه، وإعطاؤه.
الحب رغبة، تتولد في أشياء كثيرة مادية، ومعنوية بشرية.
لكن الحب المتولد عن الجنس، يتميز بأنه من أقوى أنواع الحب، وأعظمها أثراً في الحياة الاجتماعية. فالآخر الإنسان الحي الشريك الذي يبادل الحاجة، ويسبب المتعة، يصبح موضوعاً للرغبة في ذاته، ويضفي على الحب درجة أخرى من الأهمية، مما ينتج عنه توليد الحياة وتجديدها.
الآخر الشريك الذي يتم معه اشباع حاجة هامة، يصبح شيئاً محبوباً مرغوباً بوجوده. وغيابه يثير القلق والضجر والشوق.
الحب رغبة، تكونت على هامش ومحيط الحاجة الجنسية. من ذكريات الصورة، والصوت، والفعل، وهو رابط يتعزز بالتكرار بين المتعة والشريك، ويصبح الشريك بذاته موضوع رغبة.
الحب القائم على المعاشرة والتجربة، حب يدوم، حتى ولو زالت الحاجة وانقطعت المعاشرة، كما يقول محمد كمال اللبواني في كتابه (الحب والجنس ، ص 86-88).
الحب الحقيقي
الحب الحقيقي يتولد بعد الزواج والعشرة، وما عدا ذلك فهو نزوات.
الحب يتجاوز الجنس كثيراً، وقد يبتعد عنه. وقد تتحقق الحاجة الجنسية مع شريك آخر، فلا يلغي هذا الحب. فلا خيانة في الأمر.
الحب لا يشترط أحادية العلاقة. ولا يشترط الالتزام بمؤسسة الزواج.
الحب الذي يقوم على الجنس، لا يلبث أن يتجاوزه، ويغطي بأغصانه، وأوراقه، مساحة أكبر منه كثيراً.
الحب الذي هو رغبة، في شريك جنسي، يقوم بإشباع الحاجة، ويتكون بعد النضوج الجسدي والعقلي، والعاطفي.
الحب والطفولة
يقول الشاعر اللبناني أُنسي الحاج في تغريده الشجي (حب7):
الطفلة التي تكون في الفتاة الصغيرة، تبقى في الصبيّة، وفي المرأة.
وفي هذا رباطٌ أكيد بين المرأة والشاعر: كلاهما يكبر على طفولة.
لا تَعِد طفلاً، وتخلف بوعدك.
ليت المعشوقة تأخذ من كلام الحبّ رحيقه، وتنسى الباقي. شَهْدُ التوقِ، ولا تحاسب على الأطباق. لكنّ ذلك صعب.
أرض الميعاد بالنسبة إلى المرأة تقع في الغالب على حدود الكلام. وراءه لا أمامه. جهاز دفاعها عن هذه الخيبة يكمن في القناعة.
من علامات الحب
من علامات الحب، أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان ممتنعاً قبل ذلك.
فكم من بخيل جاد، وقطوب تطلَّق، وجبان شجع، وغليظ طبعِ تطرف، وجاهل تأدب، وكل ذلك بفضل الحب. كما يقول الإمام الفقيه الأندلسي ابن حزم في كتابه الذي تُرجم الى معظم لغات العالم (طوق الحمامة في الألفة والآلاف، ص 21) قبل أن نعرفه.
شعراء الحب المجنون
ويتابع الشاعر أُنسي الحاج تغريده الشجي في عيد الحب (حب 5)، ويقول:
شعراءُ الحبّ المجنون يقيمون في النقص، مُشْبَعين ومحرومين.
اسمعْ شعر شعراء الأعماق، شعراء الطفولة والطبيعة.
اسمع أغاني النشوة بالحياة، أغاني المرح والحزن، أغاني الحناجر المطلّة على أرواحنا من الذُرى، الطالعةِ من هيولى المشاعر الغامضة.
اسمعْ أناشيد الكون، الرقص والسَهَر، الدعاء والتحيّة.
اسمع ما يُطعّمك بالحبّ، ما يضع روحك كاللحم الحيّ على مَلْمس الجمال.
ويُسأل الشاعر:
مَن صَنَعَ هذه الأشعار، تلك الأغاني، تلك الموسيقى؟
فيجيب:
صنعها جبابرة بمِزَقِ قلوبهم. وُصنعت بقسوة الوحيد الموحَش الذي، رغم محكوميّته البشريّة البائسة، أراد أن يساعِد.. أراد أن يخلق أُنساً وبشارةً لهذه القوافل المشلوحة، في عراء الوجود.
قد نحبّ ذاتنا في الحبيب، غير أنّنا نحبّ أكثرَ منها ذاته، ذاته الضبابيّة، الناصعة الضبابيّة، الغامضة الحارقة، ذاته الحاملة أحلامنا، القابلة مستحيل أمانينا.
ذاته الغائبة غياباً نلقي عليه بآلامِ الشوقِ تباعاً، كأنفاسٍ كلّما قاربت الرمق الأخير تجدَّدَ شهيقها من زفيرها.
أحبوا
أحبوا ..
اعشقوا..
وغنوا..
وارقصوا حتى صياح الديك، في هذا اليوم الجميل، ودعوا الفاسدين، ومطبلي الأنظمة السياسية الفاسدة، والعتيقة، و(السحيجة)، في غيهم يعمهون.
السلام عليكم
التعليقات