أثارت الأحداث التي جرت في المنطقة في الآونة الأخيرة، أسئلة كثيرة ومنها احتمال تغيير مسار ما يجري من نزاع في سوريا ونقلها إلى جبهات أخرى، وعن تدخل دولي بوجه جديد وسيناريو كان متوقعاً من قبل روسيا والولايات المتحدة، خاصة بعد تحول الصراع السوري إلى صراع اقليمي دولي يقف صانعيه وراء أبواب موصدة مغلقة مفاتيحها بيد القطبين الغربي والشرقي، والانتفاضة الشعبية التي قامت في تركيا بأسباب عديدة والتي تعتبر بشكل ما أمتدادً للأزمة السورية، ستغير وجه المنطقة بالكامل، وستضع الشرق الأوسط على مفرق الطرق إن استمر الوضع في التصعيد، هذا كله بالتزامن مع تصريح قوات حفظ السلام النمساوية التابعة للأمم المتحدة انسحابها من الجولان في هذا الوقت بالتحديد بعد المعارك الأخيرة التي جرت فيها..

أسئلة كثيرة، غامضة للبعض وواضحة للبعض الآخر ستحدد مصير الشرق الأوسط..

إذن سوريا، تعتبر النقطة المفصلية المحورية لأي تحول وأي تغيير أو توازن في المنطقة، نقطة الارتكاز.. وستكون نقطة الفصل والبوابة لدخول الحقبة الجديدة ورسم الخارطة الجديدة ووضع نظام عالمي جديد تسير عليه جميع الدول في الشرق الأوسط، فهي مرتبطة بشكل أو بآخر مع جميع الدول في المنطقة..

ميدانياً، الأمور تتجه نحو التعقيد أكثر فأكثر، فمازال النظام مستمراً بالحل الأمني وفرض السيطرة على مناطق استراتيجية معينة على أرض الواقع في سوريا، وقلب موازين القوى لطرفه من خلال التغيرات التكتيكية العسكرية والمعارك الجارية، كمعركة القصير والجولان والمعارك الأخرى المستمرة في باقي المناطق، في حين لا تزال quot;المعارضة السياسيةquot; تترنح، أما المعارضين، فهم منشغلين بنهش لحوم بعضهم البعض، وبالقتال على المناصب، ومن سيفرض وجوده في المعارضة، ومن هو الأقوى، ومن سيمثل سوريا، كل هذا مستمر..

ومن طرف آخر، الجماعات الجهادية والمتطرفين، أيضاً مستمرون في فرض سيطرتهم على مناطق معينة أخرى من الاراضي السورية، كما يفرضون سيطرتهم على المعارضة المسلحة أيضاً في تلك المناطق، فهم الحلقة الأقوى، ومن يملكون المال والسلاح، وعناصر مدربون على هذا النوع من القتال وخوض المعارك في مثل هذه الجبهات، وعدم سيطرة المعارضة على هذه الجماعات، تخرجهم وتبعدهم بشكل مباشر أو غير مباشر من مراكز اتخاذ القرار على أرض الواقع في سوريا، ويصبحون خاضعين بشكل أو بآخر لأوامر هذه الجماعات، ومنهم من له مصالح خاصة ويهمه تأجيج الوضع والتصعيد، هذه بعض الأسباب الرئيسية في تمزق المعارضة وعدم قدرتها على خلق جسد وقرار واحد و حقيقي يمثل إرادة الشعب السوري بجميع مكوناته واطيافه..

فهل خرج الشعب السوري لتـأتي حَفنة من quot;المصلحجيةquot; لتمثله؟.. ضاربين عرض الحائط كل الشعب وحقه في تقرير مصيره.. فالشعب السوري قادر على أن يمثل نفسه بنفسه، وهذا ليس موضع جدال ونقاش، وقد أثبت ذلك.. حالة من الوهم والجنون واللامبالاة بمصير السوريين الذين يذبحون ويقتلون في كل لحظة، تعيشه جميع الأطراف السورية المسيرة..

عودة لروسيا.. فلم تكن مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتصريحه الناري عن استعداده لإرسال قوات روسية أممية مكان نظيرتها النمساوية في عملية لحفظ السلام في المنطقة عن عبث ولم تأتي من فراغ، والمثير للبعض أن الأمم المتحدة تدرس هذه المبادرة وشرعيتها.. وما يترتب من شروط على روسيا كدولة دائمة العضوية في الأمم المتحدة للمشاركة بقواتها في عملية حفظ السلام، فحسب الأمم المتحدة، في البداية، يجب على سوريا واسرائيل قبول هذا التدخل، ما بيّن ان هناك تغيير واضح في القرارات السياسية، وتوجه نحو سيناريو جديد، وهذا سيمهد وسيساعد فيما بعد على عقد أتفاق روسي أمريكي لإنشاء قوات عسكرية مشتركة فيما بينهم، ومن الممكن أن تشارك أوروبا أيضاً في هذه الجوقة، للتدخل في سوريا بموافقة جميع الأطراف، النظام وتوابعه، والمعارضة ومن أمامها ومن خلفها، طبعاً لحفظ المصالح تحت مسمى حفظ السلام..

في رأيي الشخصي أن هناك تمهيدا من الطرف الروسي والأمريكي، ولا أذكر هنا الطرف الأوروبي، لأنهم لا يؤخرون ولا يقدمون، فهم مثل العرب تبعيون، ولكنهم في الصفوف الأولى في التبعية، ودورهم يبقى شكلي وغير ثابت في القرار السياسي، وبالأخص بما يتعلق بالشرق الأوسط، فالأولية هنا للولايات المتحدة ولروسيا، ولكنهم يبقوا متقدمين بعدة مراحل ودرجات عن أصدقائهم العرب.. إذن كما ذكرت هناك تمهيد بالتدخل العسكري باتفاق الأقطاب، للسيطرة على المنطقة بقوات مشتركة لحفظ السلام، لأن الحسم غير وارد لأي طرف من أطراف النزاع، والحرائق والشظايا وصلت إلى جميع دول الجوار من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، والتصعيد مستمر، والحرب الطائفية بلغت ذروتها، والتقسيم على الأبواب..

فهل من مصلحة هذه الدول إنهاء الصراع في سوريا أو في المنطقة؟..

أم من مصلحتهم استمرار النزاع وتدمير ما يمكن تدميره وتقسيم ما يمكن تقسيمه..

هنا يكمن السر، وفي هذا السؤال نجد مفتاح الحل والفرج.. والحديث ذو شجون...


بروكسل