المفكر الفلسطيني عدنان إبراهيم ظاهرة لافتة برزت مؤخرا، يستحق المتابعة والإهتمام نظرا لما يتمتع به من ذكاء خارق، وذاكرة شديدة القوة، مع شخصية جذابة لها سحرها على الحضور بفضل إمتلاكها موهبة الخطابة التي تتصف بصدق الإيمان بما يقول، وهو واحد من كبار المثقفين الموسوعيين العرب ومن الإسلاميين القلائل المطلعين على الفكر الغربي الحديث بشمولية وعمق حيث يقرأ باللغتين الإنكليزية والألمانية، وواضح ان الرجل يعد نفسه إعدادا جيدا كي يصبح أحد المفكرين العظام. أمام هذه القدرات العقلية الهائلة.. يصطدمك حينما تطرق الى ضرب المرأة في الإسلام حيث وهو جالس في قلب الحضارة الأوربية - في بلد إقامته النمسا.. أخذ يبرر هذا التشريع ويحاول التخفيف منه، وكذلك عندما مر على قضية ملك اليمين وإباحة السبايا وشراء النساء وممارسة الجنس معهن رغما عن إرادتهن من دون عقد زواج.. مر عابرا بسرعة على هذه المثلبة الكبيرة ولم يتوقف عندها ويحاكمها فق معيار عدالة اللة في المساواة بين البشر: المرأة والرجل. وتجاوز معايير الكرامة الإنسانية والقيم الأخلاقية التي ترى مجرد ذكر مفردات ضرب، وملك اليمين والسبي.. فيها إهانة شنيعة للمرأة غير قابلة للنقاش والتأويل. لأن معتقده الديني سوف ينهار لو واجهها بوعي نقدي مجرد وسيعيش أزمة الصراع مابين الوعي ومخزون اللاشعور والطمأنينة الروحية التي يوفرها الديني له، وبين تعارض الدين مع العقل ومبدأ العدالة الإلهية، ومصالح الإنسان، وسيصل الى مرحلة التساؤل : هل الأديان منزلة من الله.. أم هي من صنع البشر؟! فشخصيته الدينية مثل جميع البشر تبلورت في مرحلة الطفولة (ماقبل العقل النقدي ) حيث يتشرب الفكر والروح بالعقائد والأحكام ويصبح الدين هوية للفرد يدافع عنها ويعززها بالمزيد من (القراءات الدفاعية التبريرية ) التي تهدف الى تكريس المعتقد بقوة أكبر في ذاته، وتصبح سطوة اللاشعور هي الحاكمة وليس العقل والثقافة. طبعا عملية غربلة المعتقد الديني والتحرر منه والفصل مابين الإيمان بالله، وبين الدين.. ليست قرارا سهلة أو خيارا متاحا لكل إنسان حتى لو كان ذكيا ومثقفا، فسطوة المعتقد وقيود اللاشعور أكبر من الوعي والإرادة، وقبل إتخاذ خطوة إجراء مراجعة نقدية للدين، يجب القيام بعملية تحليل اللاشعور وإخراجه والصعود به الى الشعور والوعي به كي تحدث عملية الإتصال بين كلية الذات ويختفي التمزق مابين الشعور واللاشعور بحسب شروحات بيير داكو للتحليل النفسي، وبعدها سوف تسهل مهمة التحرر من موروثات الطفولة والتربية والمجتمع. رغم كل هذا لابد من الإشادة بالجهد الفكري الموسوعي الضخم للدكتور عدنان إبراهيم، فالرجل يعد تنويريا، مفيدا للناس حتى داخل دائرة الفكر الديني التقليدي، والكلام أعلاه ليس إنتقاصا منه، وانما تحليل لحالة سطوة المعتقد على الذكاء والثقافة.
لماذا لم يُحاكم مفكر بحجم عدنان إبراهيم المطلع بعمق على الفكر الغربي والثقافة الحديثة هذه النصوص من منظور عدالة الله؟
- آخر تحديث :
التعليقات