ليس وضوحاً ولا شفافية ولا مقاربة واقعية للحدث، كلام حسن نصر الله في ذكرى عيد المقاومة، هو بداية رحلة للشرق صوب الإفتراق الناجز والنهائي.
لم يكن ينقص المأساة السورية الحاضرة، ومأساة المشرق الموعودة، كل حزمة المحفزات الصراعية التي أطلقها نصر في طيات خطابه الحربي، كان يعلن البلاغ رقم واحد في حفلة إطلاق كل ثعابين الحرب الخبيثة من مخابئها، والأكثر من ذلك هي دعوة إلى حرب الحارات والأزقة والمنازل. قبلها كانت الحرب في مجال القناعات والرؤى وربما المصالح، صارت حرباً بيولوجية، ذلك أن السيد شرعنها، وإن خارج المكان اللبناني، تعالوا نتقاتل في سورية ودعوا لبنان!. وهل الحقد عندما يتعمم يملك رفاهية إختيار أمكنة تصريفه؟

ثمة إنحدار وإنزلاق رهيب صوب مسارات الإنحطاط لم يعد بالإمكان إخفاءه ولا التستر عليه، يمكن تزويقه وإخراجه بطرق مختلفة من السقوط والبذاءة، لكن لم يعد ممكناً كبته، إنحطاط تفجر على حقد هائل، صار يتم التعبير عنه في أكثر مناطق الوجدان حساسية، إرسال الأبناء إلى ساحات القتال ليقتلوا ما استطاعوا...ويقتلون هم أنفسهم!

لم يكن في جعبة السيد، في خطاب التحرير هذا، كثيراً من الحجج والمبررات والذرائع يقنع بها جمهوره، ولم يكن يحتاج أي منها، لأن طبيعة المعركة وقدسيتها قد تفسدها حالة اللجوء إلى مبررات، ولأنه قابض بيديه على عقد وقعه أهالي شبان الموت يمنحه صلاحية إمتلاك أدوات الحرب والتصرف بها كيفما يشاءquot; فدا إجر المقاومةquot;.

ربما يحتاج الخطاب إلى شيئ من البهارات، للزينة وليست للنكهة، لتشكيل خريطة الحدث وجيبوليتيكيته، فيصبح سقوط حكم أل الأسد وعداً لليتم والضياع في المنطقة، تضيع غزة والضفة الغربية ولبنان والجولان، من دون شرح علاقة عائلة الأسد بكل هذه الأقانيم، فإذا لم تكن هذه العائلة حاضنة وأهلاً للجولان الملاصقة كيف ستكون ذلك لفلسطين ولبنان وغيرهما.

ومن عدة الزينة التي نثرها السيد على خريطة الخراب التي يؤسسها للمشرق، إستحضار بدعة حماية لبنان بكل مكوناته من الخطر الجاثم على الحدود، التكفيريين الذين يشكلون عنوان مرحلة الحرب القادمة. دون توضيح من هم التكفيريين هؤلاء وكم يشكلون من السوريين؟ وهل هم كل بيئة الثورة السورية أم أن الحزب سينيقهم من الجسد السوري كما ينقى الثوب الأبيض من البرد؟، ولم يحدد السيد، وكان الأجدر به أن يوضح، ماذا بعد القضاء على التكفيريين، هل يترك السوريين ليحددوا شكل العلاقة مع نظامهم السياسي، أم ان ذلك محرم عليهم، طالما هو نظام مقاوم، بالمعايير التي يحددهاquot; حزب اللهquot; فهل يبقى سقف طموحات السوريين في حدود الإصلاح او ما يتيحه الحزب، أما التغيير فهو غير ممكن ومتاح ومستحيل؟، ثم ماذا عن كل ذلك الدم والخراب، هل نصب السيد نفسه ولياً لدماء السوريين، ام انه صادر حتى هذا الحق منهم؟

تنطوي إدعاءات السيد بحماية اللبانيين، على تسخبف مكثف لعقول مخاطبيه، إذ على مدار عقود جسّد النظام السوري خطراً على وجود لبنان نفسه، وليس عند حدوده فقط، إستباح البلاد تلاعب بمكوناتها الإجتماعية وسلمها الأهلي، إغتال الكثير من رجالاتها في وضح النهار، وكان quot; حزب اللهquot; إما صامتاً داعماً أو شريكاً سنداً، وإنتهى شاكراً لنظام أل الأسد على كل ما أنجزته عبقريته التخريبية في لبنانquot; شكراً سورية في 8 أذارquot;.

قبل خطاب السيد كانت سورية تغرق بحرب يشنها نظام طاغية، بعده، إنفتحت كل أبواب المشرق لحرب طاحنة، لن تفيد الدعوة إلى حصرها في سورية، الحروب لا تلتزم كثيراً بالخطوط والحدود.