أوباما هو صاحب الخط الأحمر، وإن تجاوز الأسد لهذا الخط هو ما دفع الرئيس الاميركي للتهديد والوعد برد quot; تأديبيquot;، واضعا وزير خارجيته في الخط الأمامي من التصريحات اليومية، ذات الطابع العسكري، مع تقديم المبررات. وأوباما هو من عاد للكونغرس مع أنه غير ملزم بذلك، ولكن كخط للتراجع عن تنفيذ نهديده. ثم، وفجأة، استدارة تامة بقصة وضع السلاح الكيميائي السوري تحت الرقابة كبديل للضربة التي كثر الحديث عنها خلال الأيام الأخيرة.

أسئلة كثيرة تراودني في كل هذا الضجيج:
أين كان المجتمع الدولي من هذا المخزون الذي استخدم منه النظام السوري مرارا ضد شعبه؟ في عراق صدام كانت قرارات مجلس الأمن الكثيرة، وبالإجماع، تطالبه بالبرهنة على إتلاف أسلحته للدمار الشامل، وفي مقدمتها الكيميائي، الذي جرى استعماله فعلا قبل الأسد. فلماذا صمت مجلس الأمن عن سورية؟ هل لمجرد أنها غير موقعة على المعاهدة الخاصة بالحظر الكيميائي؟
وإذا تركنا هذه التساؤلات، فإن محصلة كل ما حدث في الفترة الأخيرة، من تهديدات ومناورات سياسية روسية وخطب أميركية وتصريحات للامين العام للأمم المتحدة، وانتهاء بالصفقة المقترحة بين لافروف وكيري، والمقبولة سوريا، لا تعني، حسب فهمي، غير أمر واضح: إن من حق الطغاة إبادة مئات الآلاف، بل والملايين، بشرط عدم استخدام السلاح الكيميائي. هل أخطأت الفهم؟ لا أعتقد. فلو تمت الصفقة إياها، [ علما بأن التنفيذ يتطلب وقتا طويلا جدا من المراقبة والتفتيش، كما أنه مفتوح على التلاعب من جانب النظام السوري أسوة بما كان يفعل صدام]، فمعنى ذلك أن المجتمع الدولي لم يأبه لقتل 120000 سوري بلا كميائي و13000 بالكميائي، وكأنما النظام السوري لم يقترف جرائم ضد الإنسانية وتستحق العقاب الدولي. بل هو مخول بأن يستمر في مجازره بلا حساب، وأن يواصل تشريد الملايين من شعبه، ولاسيما الأطفال.
إنه نفس الموقف المخزي الذي وقفه مجلس الأمن من مذابح رواندا وكمبوديا ودارفور. واستمر الموقف نفسه في البلقان لولا تدخل الأطلسي بالقوة لإنقاذ مسلميها من التطهير الديني والعرقي.
إن فقهاء الشرعية الدولية يفسرونها بصدور قرار من مجلس الأمن، وهو المرتهن كليا لبوتين، بينما الشرعية الحقيقية هي في استلهام روح ميثاق الأمم المتحدة وهي في مبدأ quot; الحق في الحمايةquot;، الذي أصبح معترفا به دوليا وإن كان بلا نص رسمي- أي التدخل الدولي لأسباب إنسانية لحماية شعب ما من القتل الجماعي المستمر.
لقد كان من واجب مجلس الأمن التدخل في المراحل الأولى من الأزمة السورية وبداية المجازر لفرض حل سلمي معقول بمعزل عن الطاغية وفريقه الدموي، ولكن مجلس الأمن لم ينهض بواجباته، لا هنا، ولا في مناسبات أخرى، لأنه ليس هيئة دولية محايدة، أي كحكومة عالمية، بل هم مجلس مصالح سياسية للدول، ولا يزال يأخذ بحق الفيتو. وها هي الأم المتحدة تقف بلا مبالاة أمام سلسلة المذابح التي تعرض لها، ويتعرض، اللاجئون من المعارضة الإيرانية في معسكري أشرف وليبرتي بالعراق، بل وإن مبعوثها، كوبلر، لعب دورا مدانا في التستر على المجرمين وفي تبرير الجرائم.
لقد وافق النظام السوري حالا على مشروع الصفقة -[ أي المناورة الخبيثة]- الروسي إياه، وعاد اوباما ليتنبأ مسبقا بأنه لن يحظى بموافقة الكونغرس. ومعنى كل هذه التحركات المتقلبة وشبه المسرحية أن الأسد سوف يمضي في التقتيل الجماعي بلا رادع، وأن روسيا بوتين ربحت دبلوماسيا، وأن إيران تعلمت الدرس جيدا وهو أن الطريق مفتوح أمامها للإمعان في سياساتها التخريبية والعدوانية في المنطقة وفي نشاطها النووي ما دام المجتمع الدولي ضعيفا ومشتتا لهذا الحد، وإلى أن تعلن يوما أن قنبلتها جاهزة، فيكون لكل حادث حديث!