في ضَوء ما يَجري على أرض العراق مِن أحداث في هذا الأيام، لم يَعُد صَعباً التكهّن بشكل السيناريوهات التي مِن المُمكن أن يَمضي اليها العراق، والتي سَتُحَدّد مَصيره كدَولة مُستقبلاً، هذا طبعاً اذا لم تحَصل مُعجزة لمَنعه مِن المُضي لهذا المَصير المُظلم المَحتوم. لو عَرفنا هذه السيناريوهات لوجَدنا أن أحلاها مُر، فهي تتَراوَح بَين الفوضى، والحَرب الأهلية، والتقسيم، والفَدرلة التي تمَثل السيناريو الأقل خَسارةً والأكثر حِفظاً لماء وَجه العراق والعراقيين، ولكن في بَلد جَفّت أرضه وجَفّت نفوس أبنائه رَغم أن أغلبهم يَتوَضّأ خَمس مَرات يَومياً، ليسَ غريباً أن يَجف ماء الوَجه ليَبقى مُتفرّجاً على خَراب الوطن!
وفي الوَقت الذي يتظاهر بَعض العراقيين اليوم بالوطنية ويُزايدون على شُركائهم في الوطن بخُطب رَنانة وشِعارات طَنّانة أدمَنوا نظمَها وتلحينها والرَقص عليها أكثر مِن التفكير العَقلاني المَنطقي والفعل الإنساني الجاد، فإن ما يَفعلونه على أرض العراق مِن تَهجير ونزوح وتغيير ديموغرافي وتعبئة طائفية، وما تعيشه مُدنه التي باتت تفصلها حُدود وحَواجز نفسية أكثر مِنها جغرافية وكونكريتية حتى الآن، هو واقع مُختلف جداً وبَعيد كل البُعد عَن النفاق الذي تبطنه الشِعارات والخُطَب، خصوصاً في ظل سَيطرة باتَت شُبه مُطلقة لمليشيات طائفية على أغلب مُدن العراق ومِنها العاصِمة التي لم تعُد خاضِعة لسُلطة الدولة الغير مَوجودة أصلاً، والتي لضُعفها وتواطُئِها لم تعُد قادِرة على كَبح ملشيات باتَ نفوذها وتسليحها وعَديد مُرتزقتها أكبر مِن نفوذ الدولة وتسليحها وعَديد جَيشها، وباتَت تقرر شكل الحياة وطَبيعَتها ومَلبَس الناس ومَأكلهم في هذه المُدن، وتحَدّد مَن يَحِق له الدخول لها وسُكناها والبَيع والشِراء فيها مِن عَدَمه، كما حَصل مَع شَريحة أبناء المحافظات الغربية الذين هَجّرهم الإرهاب ونزحوا مِن مُدنهم وناموا في العَراء، ومُنعوا بِنائاً على أعذار واهية إدّعَتها المليشيات وإرتآها زَعمائها مِن دخول عاصِمة بلادهم، وفُتح لهُم بَدَلاً مِن ذلك مَمَر الى مَطار بغداد ليُغادروا عِبره الى إقليم كوردستان! تبِعه قرار يمَنع المُتواجدين بالعاصِمة مِن أبناء هذه الشَريحة مِن البَيع والشِراء ونقل الملكية! كما تصاعَدت بالآونة الأخيرة أصوات نَزِقة ليسَت قليلة تُطالِب بحَرق مُدُنهم وإبادتهم بَل ونُظِّمَت حَمَلات تَتبَنّى هذه المَطالب! كل هذا يَحدُث والعراق الواحد المُوَحّد لا يَزال مَوجودا عَلى الوَرق عَلى الاقل، ولازال عِلكة تلوكُها أفواه المنافقين، فكيف إذا جُزِّء أو تفَدرَل!&
لذا لو تَفَدرَل العراق، وهذا أفضل ما يُمكن أن يَحدُث له اليوم لو تمَتّعَت نُخبَه وعَوامه بِذرّة عَقل بَعيداً عَن الشِعارات والمُزايدات الفارغة التي تسيل دونها أرواح الأبرياء أنهاراً! أو لو جُزِّء لا سَمح الله، كما يَسعى البَعض حَثيثاً وبخُبث لفِعل ذلك بالباطن على عَكس ما يَدّعي ويُظهِر! فأتوقع والله أعلم بأن الإقليم والجُزء الوحيد الذي سَيكون صالِحاً لعَيش كل العراقيين، والذي سَنَجدُهم فيه بمُختلف مُكوناتهم لأنه سَيَبقى مُحتفِظاً بأصالة العراق الذي نعرِف، وبتَلوّنه وتَسامُحه وبَساطتِه وتَمَدّنه، وببَعض مِن عَبَقـه وعِطره وعبير نسماته، والذي سَيَقصده العراقي الطبيعي والبَغدادي الأصيل المُتمَدّن الذي لم تُلّوثه الطائفية ليَستَعيد جُزئـاً مِن ذكريات وطنه، هو ذلك الجُزء الذي يُتّهَم اليوم أنه بالضد من العراق ولا يَعمل لصالحه، والذي يُزايد عليه البَعض بحُب العراق ويَدعون لسَلخه عَنه، فيما سَتَتحَول فدراليات أو أجزاء مَن يَتّهمونه ويُزايدون عليه اليوم الى مَناطق مُغلقة على شَرائِحها المُجتمَعية الطائفية وأجوائها المُحافِظة القرن أوسَطية ذات لون ديني ومذهبي واحد لا تَمُت للعراق الذي نعرِف بِصِلة،والتي سَيَختنِق العراقي الطَبيعي إن ذهب لها يوماً، هذا إن فكر بالذهاب وإستطاع إليه سبيلا!
لن أذكر إسم هذا الجزء وسأتركه لفِطنة وذكاء وضَمير الآخرين، لأنه واضِح وجَلي لكل مَن لا زال يَحمل العراق في قلبه وعَقله ويَمـلك بَصَر وبَصيرة، بَعيداً عَن الهستيريا والتعَصّب والعِناد الطائفي والعُنصري. وسَتُبدي لك الأيام ما كنت جاهِلاً ويَأتيك بالأخبار مَن لم تُزوّد، وإن غداً لناظره قريب.
&
التعليقات