إن أساس بناء الدولة القوية والمحترمة هو العدالة، فان انتفت العدالة، سمح لايادي التخريب ان تعمل عملها باستغلال الشعور بالظلم وخصوصا ان ارتبط بالتمايز القومي او الديني. ورغم ان اقليم كوردستان العراق ليس بدولة مستقلة، الا ان ما يديره هو جهاز الدولة، بكل ما تمتلكه، من السلطات القضائية او التشريعية او التنفيذية، والافراد ممن يتبأون مناصبهم في هذه السلطات موكولون لادارة شؤون المواطنين بالعدل وبلا اي تمييز ولذا فانهم يستلمون امتيازاتهم الخاصة بما فيها رواتبهم من ضرائب مباشرة او غير مباشرة تستوفي من المواطنين جميعا. اي انهم (المسؤولون) موكولون بواجب من قبل الشعب، وهذا هو دور الانتخابات، تجديد التوكيل. ولكن ان انتفت العدالة في اي ممارسة، يستوجب اخلاقيا، ان يتنازل القائم بالمهام عن مهمته ليأتي غيره.

يعاني الكثير من المواطنيين في الاقليم من ظاهرة التجاوز على ممتلكاتهم من قبل اشخاص، يمتلكون قوة في السلطة او دعم خفي فيها بحيث ان البعض منهم يتمكن من التملص حتى من قرارات صادرة عن القضاء وهو قمة الاستهتار بالوطن والمواطن، حينما لا يحترم قرار قضائي. وباعتقادي ان التجاوز يطال الكثير من السكان ممن ليست لديهم باعتقاد المتجاوز تلك القوة لردعه، لان المتجاوز هنا لا يفهم بقوة القانون، بل بالقوة المجردة والمتأتية من منصب او ثروة. ولكن ان اقترن التجاوز على الاملاك باستغلال ضعف طرف لكونه من المكونات الغير الكوردية، او الغير الاسلامية، فهنا سيكون الالم والضرر اكثر واقدر على ان يتم استغلاله، لاشغال معول هدم مشروع الدولة العادلة، وبالتالي خلق بؤر توتر دائم يتطلع لمساعدة الاخرين لتهدئته.

قد ينظر البعض بعين الاستصغار، لمواطن من المكونات، لا بل ان البعض من خلال التجاوز ووضع اليد مقدما ينمي النفس بهجرة ابناء المكونات ومن ثم سيكون هناك امر واقع اخر، هذا قد يكون تفكير بعض الاطراف في مفاصل السلطة من المواقع الدنيا، ولكن على القيادات التنفيذية والتشريعية والثقافية ان تنتبه لمثل هذه الافكار المدمرة لتكوين المجتمع. صحيح انه لم يتم لحد الان القيام بدراسة اجتماعية وسياسية وثقافية لما آل اليه وضع العراق نتيجة اخراج اليهود منه، ولكن لونظرنا الى ما آل اليه الوضع نتيجة اخراج عشرات الالاف من الشيعة الفيلية والشيعة الاخرين والكورد والاشورييون ممن اتهموا بانهم ليسوا عراقيين، لادركنا التخريب الوطني والشرخ الذي من الصعوبة ان يندمل، فبعض من ابنا واحفاد من قامت حكومات البعث بطردهم منذ اوائل السبعينيات القرن الماضي واستولت على ممتلكاتهم، عادوا لوطنهم ولاسترجاع ممتلكاتهم التي سلبت منهم ولكن الكثير منهم رجعوا بخفي حنين، بالاظىفة ان الكثير في الوطن اعتبرهم غرباء. وهناك كم هائل من الدعاوي والعداوات التي نشأت نتيجة ذلك. هذا يمكن ملاحظته بنظرة مبسطة، فكيف لو عملنا دراسة علمية على تاثيرات الامر على واقع الوطن من كل جوانبه؟ من هنا نحذر القيادات التنفيذية والتشريعية من اخذ الامر بالسهولة التي يتبين عليها، ونقول للمثقفين ان ياخذوا دورهم لكي يبينوا ماذا يعني ذلك.

في فترة ما راجت ومن خلال الحوارات الثنائية، محاولة لادخال مسألة التجاوز في اطار الصراع الحزبي بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، او بينهما وبين الاسلاميين، بمعنى ان اي طرف لا يريد ان ياخذ خطوات تصعيدية تجاه هذه الامور وعلى الجميع الصبر، لكي لا تقوم عشيرة المتجاوز بالميل الى الطرف المنافس، ويخسرون السلطة، وكان تبريرا مقنعا لحين، ولكن السؤال الى متى؟

قد يعتقد بعض الاطراف ان مثل هذه المواضيع التي ينظرون الهيا باستصغار، لا تهم احد، ولن يسمع صرخة المظلوم احد، وقد يكونون محقين في ان عدم الانصاف لن يزول من مظلوم ما، ولكنهم يخطأون في ان الكثير من الدول لا تستغل مثل هذه الملفات في فرض الكثير من القرارات التي قد تلغي سيادة البلد اصلا، ومنها هز السلطة القضائية التي يجب ان يشعر كل المواطنين انها هناك لحمايتهم. وقد لا تثير الكثير من الدول مثل هذه التجاوزات علنا، الا انها تستغلها احسن استغلال في جلسات التفاوض وخصوصا اللقاءات الفردية بين الزعماء. ومن هنا فان الكثير من الدول والتي تتفاخر بان نظامها القضائي مستقبل وهي كاذبة، تقوم بتكذيب نفسها وتلحس قرارات القضاء وتلغي استقلاليته بقرار من رئيس السلطة التنفيذية (في الغالب الرئيس)، لانه وجه بحقائق ما يحدث حقيقة. ومن هذه النقطة والممارسة التي يعتقدها البعض غير مرئية يمكن ان يبداء مشروع انشاء الدولة الفاشلة ومسلسل التراجع والتخبط وهز الثقة بالسلطة والاقتصاد!

صار من الواضح ان تعلل البعض بان الاشوريون (المسيحيين) يضخمون الامور، والتجاوز لا يشكل 53 قرية كما يدعون، انه تبرير سمج ومؤلم للضحية لانه يقر بالتجاوز ولكنه يقلل من شأنه، لنفترض انها ليست 53 قرية بل هي اربعون، فهل يتغيير المفهوم الاخلاقي للتجاوز؟، ولنفترض انه ليس هناك عشرات القرارات الصادرة من القضاء برفع اللتجاوز بل هناك قرارات عديدة، فهل هذا لا يعني ان السلطة القضائية فقدت هيبتها؟

بات من المهم لحكومة الاقليم حل مثل هذه الامور ان كانت ترى ان امامها مهام اخرى لترسيخ الحقوق والوضع وتطويره، وقد يكون احد الحلول بالاقرار التام بكل تجاوز واذا كان يؤثر على المتجاوز ماديا او اجتماعيا فيجب رفعه فورا، اما اذا امكن وضع الامور انه بدلا من بقاء الارض بورا في حالة عدم وجود من يستغلها، فيفضل ان يستغلها اي مواطن في انتاج المنتوجات الزراعية لحين عوده صاحب الارض او الملك المتجاوز عليه، وان على المتجاوز اقرار بانه لن يقوم باي تغيير في الملكية سؤاء بالزرع او بالقطع او البناء، وانه سيترك الارض او البناء حال عودة صاحبها او احد من ورثته، في مدة اقصاها انتهاء الموسم الزراعي او ثلاثة اشهر للبناء. فاعتقد ان الذي يتم التجاوز على اراضيهم سيكونون مظمئنين ان ارضهم ستعادل لهم وان الارض لن تبقى بورا بل سترفد الاقتصاد بالناتج.

في كل المنطقة من لبنان الى ايران تقريبا، هناك قرى خاصة بكل مكون رغم تجاورها، وخلال الفترة الممتدة من عام 1961 وقبلها في بعض الاحيان، تم الاستيلاء على قرى بكاملها كان يمتلكها ابناء شعبنا في العراق، نتيجة مسلسل الحروب والثورات، ونعتقد جازمين انه من حقهم اعادة املاكهم التي فرض عليهم تركها، ونعتقد بان المقترح اعلاه قد يكون حلا وخصوصا ان ضمن قضائيا اي صار قانونا ملزما للجميع ولكل الحكومات المتعاقبة التي ستحكم الاقليم، وقد يكون مخرجا للكثير من القضايا التي تثار وستثار على مستوى العراق كله نتيجة حملة التهجيرات التي حدثت فيه.