يعتقد الكثير من العراقيين إن مشاكلهم المتفاقمة تَكمُن في شكل وطبيعة نظامهم السياسي الذي توافقوا عليه وإختاروه بعد الإطاحة بالدكتاتورية عام 2003 وهو النظام البرلماني، حيث بدأت الأصوات في الآونة الأخيرة تتعالى من بعض الجهات باحثة عن كبش فداء لتحميله مسؤولية هذا الكم الهائل من المشاكل المستعصية التي يمر بها العراق، وتناسى هؤلاء الذين يرفعون شعارات تغيير شكل النظام من برلماني الى رئاسي إن المشكلة ليست في النظام أبدآ برلمانيآ كان أم رئاسيآ أو حتى مختلطآ بين هذا وذاك، بل المشكلة في القائمين على النظام، هؤلاء الذين حرفوا هذه النظم&العظيمة في الإدارة والتي كانت عصارة أفكار علماء ومفكرين ونضال شعوب ضد طغيان ملوك وإستبداد طبقة نبلاء عبر مراحل زمنية مختلفة.

فمفهوم النظام البرلماني مفهوم واسع ونشأته ليست بالحديثة وله الكثير من المزايا كما إن له من الطبيعي بعض العيوب حاله حال كل الأنظمة والدساتير, وإتخذته الكثير من الدول تباعآ منهاجآ للحكم وتسيير أمور الناس وقضاء حاجاتهم،فهونظام يحقق مشاركة لغالبية فئات الشعب عن طريق ممثلين لهم في البرلمان، وكانت بريطانيا مهده الأول حيث كان الأحرار والعلماء والفلاسفة يبحثون عن تشريعات جديدة تحد من سلطات الملك المطلقة وتوصلوا الى مثل هذه الصيغة من الحكم التي تقيد صلاحيات الملك المستمدة من الرب زورآ، وبمرور الزمن أصبحت صلاحيات الملوك تتقلص شيئآ&فشيئآ الى أن اصبحت رمزية برتوكولية، حيث يقوم هذا النظام على أساس إنتخابات شفافة للأحزاب المتنافسة ومن يحقق الأغلبية من هذه الأحزاب يكلف بتشكيل الوزارة،وإذا تعذر تحقيق الأغلبية المريحة فهناك حلول لتشكيل تحالفات من أكثر من حزب يمتلك مقاعد في البرلمان تجمعهم تقريبآ نفس البرامج الإنتخابية وبذلك تَتَحقق الأغلبية, وهذا الشكل من أشكال الحكم يمنع التفرد والدكتاتورية حيث تنحصر صلاحيات إدارة الدولة بيد رئيس الوزراء والذي يكون بدوره مسؤول أمام البرلمان إن أخفق، أو تجاوز، أو تهاون، أو تعرض لفضيحة ما، فتسحب الثقة من حكومته أو يضطر&الى تقديم إستقالته طواعية.

أما الدول التي تطبق النظام البرلماني وتعتبره الركيزة لدساتيرها فهي تَستحوذ على مساحة كبيرة من خارطة العالم ومنها أغلب الدول المتقدمة، فهذه هولندا وإسرائيل والدنمارك وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والمانيا والنرويج والسويد وجنوب افريقيا والمملكة المتحدة وتركيا وإيطاليا وغيرها الكثير من الدول الأفريقية والآسيوية وخاصة الهند العملاق الآسيوي بمساحته وعدد سكانه والذي يعتبر من أعرق الديمقراطيات في العالم, وقد حققت تلك الدول في ظل هذا النظام نموآ وإزدهارآ إقتصاديآ ملحوظآ،علاوة على قوانين صارمة في إحترام الحقوق والواجبات والحريات&الشخصية ومحاربة الفساد والتكافل الإجتماعي&إن من يرفع شعار تغيير شكل النظام الحالي في العراق من برلماني الى رئاسي هم مجموعات منفصلة عن الواقع الإجتماعي والسياسي العراقي بكل تفاصيله وتعقيداته، وطرحها هذا يقترب من المستحيل،لأسباب عديدة أهمها إن الشعب العراقي لم يتجاوز مسالة رئيس الجمهورية ذو الصلاحيات الواسعة حيث عقدة البعث – صدام (نظام الحزب الواحد والفرد الواحد ) لا زالت عالقة في الأذهان, فلا يمكن للكرد على سبيل المثال أن يقبلوا برئيس عربي سنيآ كان أم شيعيآ يأمر فيطاع يَحدُ من صلاحياتهم ويُقَلص نُفوذهم ويُحَجم دَورَهم في المشاركة في صُنع القرار السايسي، وهذا يَنسحب&على السنة أيضآ،فلا يمكن للسنة أن يقبلوا برئيس شيعي مُطلق الصَلاحية وهم الباحثون اللاهثون وراء إقليم يُبعِدَهم شيئآ ما عن مركز القرار الشيعي في بغداد،إضافة الى إنه من المستحيل على الشيعة أن يُسلموا أنفسهم مرة أخرى لرئيس سني, علاوة على إن دُعاة النظام الرئاسي كمنهاج ودستور قَد فاتَهم إن هذا النظام ( الرئاسي) بدأ ينقرض ولا تُطَبقَه إلا بَعض الدول التي تُحاول أن تُضفي شَرعية شَكلية زائفة تُخفي خلفها دكتاتورية عميقة والأمثلة محصورة أغلبها في دول الشرق الأوسط، عدا الولايات المتحدة والتي تُعتَبر إستثناء حَيثُ نظامها رئاسي لكنها&تتمتع بسلطات تشريعية قوية متمثلة بمجلسيي النواب والكونغرس&ولا يَسَعنا هُنا إلا أن نُقدم النُصح لأصحاب النوايا الطيبة مِنَ الذين يُريدون الإصلاح حقآ ونقول لهم عليكم بالدعوة لمحاربة الفساد وفضح المفسدين، والعمل الجاد على توعية الجماهير وحثها على الفطنة والنقاش وتعريفها بحقوقها لا تَخديرها وبث روح الإنهزامية فيها وجعلها تنتظر مخلصها وتصبر على سراقها ومفسديها وَتُوكل أمرها الى هذا المُنقذ الذي قد يَطول إنتظاره، وإيهامها بأن المشكلة في النظام وليس في القائمين عليه من سياسيين ورجال دين ومن يدور في فَلَكِهم.

&

[email protected]