للنفط علاقة بالتصعيد الذي طرأ مؤخّراً على العلاقة الأميركية – الإيرانية، كذلك للانتخابات الرئاسية الأميركية وتوقيت شهر رمضان علاقة. فبعض القيادات الإيرانية يرى في الشهر المبارك فرصة لحشد المشاعر الإسلامية وراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حال نفّذ الرئيس دونالد ترامب أوامره "بتدمير أي زوارق إيرانية تتحرّش" بالسفن الأميركية. هذه القيادات ترى في التصعيد فُرصةً لرفع أسعار النفط المُنهارة ومناسبةً لجرّ ترامب إلى مواجهة عسكرية مُكلفة له انتخابياً، في رأيها.
"المواجهة في صدد الإعداد حالياً في طهران" يؤكد مصدر مطّلع على تفكير القيادات الراغبة باستفزاز ترامب الى اتخاذ عمل عسكري في هذا التوقيت بعيداً عن الضغوط الاجتماعية الداخلية. "انهم يتهيّؤون لمرحلة ما بعد رمضان الفائقة الصعوبة" بسبب آثار فيروس كورونا على الاقتصاد إضافة إلى آثار العقوبات الأميركية، قال المصدر، إنما ليس هناك أي مؤشر إلى استعدادهم للمرونة أو لإعادة النظر في سياساتهم بالرغم من الصعوبات.
زيارة وزير الخارجية الإيراني الى دمشق هذا الأسبوع أتت لتؤكد استمرار النهج وتوطيد العلاقات مع الرئيس بشار الأسد. فورة الصحف الروسية التي تناقلت خبر استياء روسيا من الأسد ومن الدور الإيراني في سوريا خمدت.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدّث مع نظيره الإيراني حسن روحاني وتم الاتفاق على استمرار التعاون الوثيق في سوريا، والمضي في دعم الأسد. وبحسب مصادر مقرّبة من صنع القرار في موسكو، ستقوم روسيا بمد المعونة مجدداً للأسد لبدء عملية هجومية جديدة في إدلب، كما ان سوريا تلقّت دبابات روسية جديدة من نوع "أرمادا" وهي موضع الاختبار هناك منذ نهاية الشهر الفائت وطوال الشهر الجاري. الحملة الإعلامية أدّت مهامها لناحية الإيحاء للرأي العام الروسي بما أوحت به علماً أن هذا الرأي العام لا يبالي بسوريا وهو خائف من انعكاسات كوفيد-19 والأزمة النفطية والتعبئة العامة على اقتصاده سيما وأن الرئيس بوتين لم يفرض حظر التجوّل الرسمي لأنه يعني ان على الدولة أن تمد العون المادي للمواطنين – وهذه كلفة كبيرة روسيا غير قادرة عليها حالياً. الشعب مستاء، والرئيس مستاء خصوصاً أنه اضطر الى تأجيل احتفاءات النصر التي كان يفترض أن يحضرها 40 رئيساً في 9 مايو وتأجيل التصويت على الدستور المعدّل والذي أراده بوتين تكليفاً ومباركةً شعبية له. إنما روسيا ليست وحدها بين الدول الكبرى التي تواجه المعاناة من فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط.
الصين تواجه حملة أميركية وأوروبية ضخمة تُحمِّلها المسؤولية في تفشي الوباء سيكون لها عواقب مالية. ثم ان هناك مؤشرات اما على موجة جديدة من فيروس كورونا أو على فيروس جديد، وهناك مخاوف كبيرة بعد إغلاق مدينة "هاربين" على طريقة إغلاق مدينة "ووهان". الجميع يراقب ماذا سيحدث عند اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم في الأسابيع المقبلة وسط توقعات بإلغاء الصين مبادرة "الحزام والطريق" الفائقة الأهمية لها اقتصادياً ومعنوياً وسياسياً.
أما الولايات المتحدة، فإنها بدورها في عقر دار الأزمة المترتّبة على فيروس كورونا وأسعار النفط وأبرزها مستوى البطالة الهائل الذي إذا لم ينخفض في نهاية شهر مايو، قد يؤثر سلبياً في حظوظ دونالد ترامب بولاية ثانية. ثم ان أسعار النفط قد تبدو للوهلة الأولى في مصلحة المواطن الأميركي، لكن هذه الأسعار قد تؤدّي إلى إفلاس كبار شركات النفط الأميركية وانهيار قطاع النفط الفائق الأهمية. انعكاسات كل ذلك على الانتخابات الرئاسية الأميركية قد تأتي على دونالد ترامب بما لا يشتهيه مع ان المؤشرات ما زالت تفيد بأن النتيجة الانتخابية ستكون الأرجح لصالحه.
هناك قلق عميق لدى الكثير من الحكومات بأن تؤدّي الأزمة الى اضطرابات اجتماعية والى ازدياد الثورات والمظاهرات "الافتراضية" Virtual التي بدأت وستكون مؤلمة للقيادات بآثار جديدة من نوعها. نمو الاحتجاجات الافتراضية يساهم في مغامرة بعض القيادات في فتح البلاد لأن بقاء الناس في بيوتهم يجمع بين البطالة والاضطرابات. لكن انهيار الاقتصاد وارتفاع البطالة هما العدو الأكبر لأية حكومة ولأي رئيس، ودونالد ترامب في الطليعة بسبب الانتخابات المقبلة.
المرشّح الجمهوري دونالد ترامب يقف في عين العاصفة في العلن فيما المرشّح الديموقراطي المفترض جو بايدن يعاني من الانعزال لكنه ليس في واجهة المسؤولية عمّا سيؤول اليه الاقتصاد نتيجة كورونا والنفط لأنه خارج السلطة والقرار. الناخب الأميركي قاسٍ على قيادته عندما يتعلّق الأمر بالاقتصاد والبطالة. دونالد ترامب يغامر بفتح البلاد وفي ذهنه معالجة آفّة البطالة بينما بايدن يتفرّج على احتمال فتك تلك الآفّة بمنافسه على البيت الأبيض. برنامج ترامب الانتخابي يمر عملياً بالامتحان فيما برنامج بايدن الانتخابي قادر أن يبقى في خانة الوعود حتى إشعار آخر. هذا سيف ذو حدين لكل من المرشّحينِ.
العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تشكّل عنصراً أساسياً في الانتخابات الرئاسية. الديموقراطيون، عامّة، يتّهمون الرئيس ترامب بالمغالاة في توجيه اللوم إلى الصين لأسباب انتخابية. لكن انضمام ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية إلى تحميل الصين جزءاً من المسؤولية عن تفشّي الوباء إنما وضع الديموقراطيين في خانة بعض الضعف والهشاشة.
الجمهوريون دعموا مواجهة الصين وهناك مَن وجّه إليها تُهمة انطلاق فيروس كورونا من مختبر– إما عن طريق الخطأ، أو عمداً لأسباب تنافسيّة- ومَن بدأ يتحرك بمشاريع قوانين لمعاقبة الصين. كل هذا الأرجح أن يؤدّي إلى تفاقم مشاكل الصين المالية وانحسار مكانتها المعنوية بالذات لأن التهم الموجّهة اليها ليست فقط أميركية وإنما أيضاً أوروبية.
روسيا، كما الولايات المتحدة والصين، في ورطة نتيجة الفيروس إنما نتيجة أسعار النفط بالدرجة الأولى. النائب السابق لوزير الخارجية الروسية ورئيس صندوق الأبحاث والاستشارة السياسية، أندريه فيدوروف، كان توقّع في مقال الأسبوع الماضي انهيار أسعار النفط الى دون الصفر– وهكذا حدث في غضون يومين. رأيه هو أن أزمة النفط الجديدة "في غاية السوء لروسيا لأنها لا تمتلك المرونة التي تتمتع بها السعودية"، ذلك ان روسيا "لم تتهيأ بالمخازن لتخزين النفط إذ لديها عدد قليل منها، ولذلك ليس لديها المخازن التي تحتاجها" كي لا يتوقف الإنتاج، "ومشكلتنا هي ان روسيا غير قادرة على بيع النفط". وبحسب فيدوروف "في وسع سوق النفط أن يدمِّر الكثير سيما إذا استمر إغلاق البلاد، والاستياء الشعبي، والاضطرابات الاجتماعية كتلك في أوسيتيا Oscteia. فنحن على عتبة أزمة اقتصادية أقلّه لفترة سنتين".
هذه الأزمة لم تمنع استمرار روسيا في استراتيجيتها نحو سوريا ولم تؤثّر في نوعية العلاقة الاستراتيجية الميدانية مع إيران في سوريا. لكن هذه الأزمة حالت دون تلبية روسيا طلب إيران منها ان تمدّ المعونة لها بقيمة 2 مليار دولار. هذا إضافة إلى عدم قدرة روسيا الاستمرار ببيع النفط الإيراني نيابة عن طهران لأنها غير قادرة على بيع النفط برمّته.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية لها مفهومها المميّز لكيفية التعاطي مع الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الفيروس والعقوبات وتدهور أسعار النفط. فبعد أن استنتجت ان كوفيد-19 لن يؤدّي إلى رفع العقوبات الأميركية أو إلى تفعيل الآلية الأوروبية للقفز على العقوبات، ارتأت ان استدعاء المواجهة العسكرية مع دونالد ترامب خلال شهر رمضان سيكون في صالحها. وراء هذا المنطق ان من شأن المواجهة العسكرية أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وان الضربة الأميركية العسكرية التي توعّد بها الرئيس ترامب إيران مفيدة لجهة حشد الدعم المعنوي والإسلامي لطهران سيما خلال شهر رمضان، وان هناك حاجة إلى إثبات النفس وشد العضلات خلال هذا الشهر بالذات.
هناك معلومات عن إمكانية استهداف إيران لناقلات في الخليج في غضون أسبوع ومعلومات أخرى تفيد أن الولايات المتحدة حصلت على تلك المعلومات، ولذلك قرر الرئيس ترامب أن يحذّر استباقياً ويصدر أوامر الضربة العسكرية في حال تعرّضت إيران بالذات لناقلات أميركية وربما أوروبية. إنما ليس واضحاً ان كانت الولايات المتحدة ستفعّل العمل العسكري إذا استهدفت إيران ناقلات خليجية.
لا توجد مؤشرات على انحسار المواجهات العسكرية أو الاقتصادية أو الاضطرابات الاجتماعية في فترة ما بعد احتواء فيروس كورونا. فالأعصاب تزداد توتّراً لدى القيادات والشعوب نتيجة أعاصير رهيبة أتى بها هذا الوباء المجهول المصدر والهوية.
التعليقات