أتت المباركة الأميركية لعزم إسرائيل على ضم الضفة الغربية وغور الأردن ذخيرةً في أيادي "الحرس الثوري" الإيراني كي "يُشرّع" استخدام لبنان محطّة انطلاق الانتقام من ضم إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وذلك عبر تعزيز القدرات والإمكانيات العسكرية لـ"حزب الله" وتعزيز القبضة الإيرانية على لبنان لاستخدامه كما تقتضي الحاجة في المناوشات العسكرية مع إسرائيل أو في الحرب "المظبوطة" معها. هذا في المعلومات من مصادر مطّلعة على عناوين الاجتماع الرفيع المستوى الذي عقدته القيادات الإيرانية الحكومية والعسكرية الاثنين الماضي وانتهى الى اتخاذ القرار الواضح وهو، أنه "يجب أن يلعب لبنان دوراً رئيسياً في مواجهة إسرائيل" حسبما ترى طهران ذلك مناسباً "وهذا يتطلب استقراراً داخلياً كما تراه إيران"، حسب قول هذه المصادر، مفتاحه "الإبقاء على استمرارية الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب لأطول فترة ممكنة".
اللافت في الاجتماع المهم في طهران والذي تناول لبنان والعراق هو الاستنتاج حول الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي بأنها "لن تدوم طويلاً"، قال المصدر، وان "اللااستقرار عائد سريعاً الى العراق".
في إيلاف أيضاً
لافتٌ أيضاً هو ذلك الاقتناع لدى إدارة ترمب، وبالذات لدى صهر الرئيس جاريد كوشنر وفريقه، ان تبنّي الاستفزازات الإسرائيلية لن يثير ردّاً من أية دولة عربية أو شعوب عربية، وبالتالي لا مغامرة مكلفة في تبنّي واشنطن إجراءات إسرائيلية غير قانونية وغير شرعية تهدّد وجود صديق لها هو الأردن والملك عبدالله بالذات. فريق كوشنر مقتنع أيضاً أن لا داعٍ لقلق واشنطن من إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان السلطة الفلسطينية أصبحت في "حَلٍّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية"، بما في ذلك اتفاقات التنسيق الأمني الذي وضع السلطة الفلسطينية في موقع الضامن لأمن إسرائيل.
جاريد كوشنر، بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قرّر أن السلطة الفلسطينية لن تنفّذ عملياً وفعليّاً اعتبار نفسها في "حلٍّ" من اتفاقياتها لأن ذلك، فعليّاً وعملياً، يعني حل نفسها كسلطة فلسطينية كي تعود الأراضي الفلسطينية الى صفة الأراضي المحتلة تحت سيطرة إسرائيل. لو فاجأت السلطة الفلسطينية عبقري "صفقة القرن" وتخلّت حقّاً عن السلطة، لرجفت إسرائيل والولايات المتحدة معاً لأن ذلك قد يعني انفلاتاً أمنياً أو انتفاضة مسلّحة خارجة عن السيطرة تطال عمق إسرائيل.
حسابات كوشنر وعمّه، إذن، هي أن لا السلطة الفلسطينية ولا قيادات الدول العربية ستتحرّك بصورة جذرية ضد ضم إسرائيل الضفة الغربية وغور الأردن. ورهانهما هو أن العاهل الأردني سيكتفي مضطراً بما قد يعرضانه عليه من ضمانات عائمة وعابرة.
هنا تدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهنا ضبابية حسابات إدارة ترمب. فأما انها أدخلت المسألة الفلسطينية كعامل في معادلة العصا والجزرة مع طهران، أو بالأحرى معادلة المقايضات الخفيّة، لاحتواء ردود الفعل الإيرانية القابلة للأخذ والعطاء في إطار الصورة الأكبر. أو انها قرّرت تناسي قيام الحرس الثوري باستخدام حزب الله في لبنان كنقطة انتقام لأن ذلك في رأيها انتحار للحزب ونحر للبنان في حال تطوّرت الأوضاع الى مواجهة عسكرية اسرائيلية مع حزب الله تقضي على لبنان وبُنيته التحتية والشعبية.
طهران تتخذ استعداداتها لأية من الحالتين، ولذلك انها تركّز حالياً على لبنان وتضع السيناريوهات العسكرية والتفاوضية التي يجري بعضها وراء الكواليس. المصادر المطّلعة على القرارات الإيرانية قالت ان الأموال التي كانت مخصّصة لليمن والعراق يتم تحويلها حالياً الى لبنان لأن الملف اللبناني له أولوية بالذات بسبب الفرصة التي أتاحتها الاستفزازات الإسرائيلية بالضم غير الشرعي للضفة الغربية.
أضافت المصادر ان اجتماعاً عسكرياً رفيع المستوى سيُعقد هذا الأسبوع لتقويم الخيارات نحو العراق وسوريا ولبنان وكذلك منطقة الخليج للتنسيق بين الجيش الإيراني والحرس الثوري كي تكون إيران جاهزة ومستعدّة لكل الاحتمالات، بما في ذلك احتمال وقوع مواجهة أميركية-إيرانية سيما على ضوء اعتزام واشنطن فرض موجة جديدة من العقوبات تقضي على قدرة إيران تصدير نفطها.
لماذا لا تخشى طهران رد فعلٍ إسرائيلي يسحق حزب الله ولبنان معه إذا ما اعتمدته طهران نقطة انطلاق للانتقام من سياسة الضم؟ تقول المصادر ان القيادات العسكرية المعنية، الإيرانية وتلك في حزب الله، ستدرس هذا الأسبوع الفوائد والأضرار. ضمن الفوائد. ان تبنّي إيران مجدداً القضية الفلسطينية في زمن التراخي العربي إنما يساعد على التعبئة التي تريدها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الساحات العربية المختلفة وبالذات عبر حماس الى جانب حزب الله. ثانياً، ترى القيادات الإيرانية ان في إمكانها تجنّب حرق الورقة الثمينة لديها، أي حزب الله، وذلك عبر شبه حرب استنزاف، أو عبر توجيه ضربات مدروسة هدفها تجنّب الحرب الكاملة والشاملة بين حزب الله وإسرائيل بناءً على خبرة عميقة في معادلة التهادنية الإيرانية– الإسرائيلية العريقة.
السياسي اللبناني النائب وليد جنبلاط يرى أن "شيئاً لن يحدث هنا"، في لبنان، "وأنا أرى ان الأردن في خطر" لأن الخطة الإسرائيلية منذ البداية هي أن يكون الأردن "الوطن البديل" للفلسطينيين "ولذلك على العالم العربي، أو ما تبقّى منه، أن يدعم الأردن اقتصادياً واجتماعياً". دعم جنبلاط قرار الرئيس الفلسطيني "تمزيق حل الدولتين" وتمنّى حل السلطة الفلسطينية نفسها و"القبول بالاحتلال".
تجنّب جنبلاط الادلاء برأيه حول استخدام لبنان كمنصة للوثب رداً على ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، معتبراً أن إيران حملت شعار فلسطين بسبب "الفشل العربي" بما في ذلك على الأراضي اللبنانية. لكنه كان واضحاً في القاء اللوم على الولايات المتحدة في اطار "الحرب الأميركية – الإيرانية على الأراضي اللبنانية وهي حرب اقتصادية". قال "إذا كانت الإدارة الأميركية تعتقد أن في وسعها اضعاف حزب الله من خلال فرض العقوبات على لبنان، فإن حزب الله لن يضعف، وسنكون نحن اللبنانيون الضرر الجانبي Collateral damage".
كان لافتاً انعطاف وليد جنبلاط على إيران إما خوفاً من حزب الله أو حرصاً على التموضع مع الحزب صيانةً لمصالحه. كان لافتاً انتقاده للسعودية في حرب اليمن إذ شدّد أنه "على السعودية أن تجد وسيلة للانسحاب من اليمن" إذ ان لا أحد في التاريخ "تمكّن من غزو أو فتح اليمن".
جنبلاط كان يتحدّث في الحلقة المستديرة الالكترونية الثالثة لقمّة بيروت انستيتوت في أبو ظبي شارك فيها كل من وزير خارجية العراق الأسبق هوشيار زيباري، وكيل الأمين العام الأسبق للشؤون السياسية في الأمم المتحدة جفري فيلتمان، الكاتب والصحافي الإيراني أمير طاهري.
فيلتمان عبّر عن خشيته من أن يكرّر حزب الله ما فعله عام 2008 عندما احتلّ جزءاً من بيروت اعتراضاً على محاولة وقف تسلّطه على الاتصالات والمطار سيّما وأن حزب الله يطالب الآن بالتطبيع وفتح المعابر مع سوريا، وإلّا فإن التهريب مستمر على جميع المستويات. فيلتمان انتقد حكومة دياب "التي يدعمها حزب الله بل وخلقها حزب الله" لكنه أيضاً عبّر عن قلقه من الموقف الأميركي "فأنا لا أعتقد ان الولايات المتحدة لها سياسة واضحة نحو لبنان الآن".
أمير طاهري أشار الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقال "بالرغم من كل النفخ والتظاهر بالقوة والشعارات، انها خائفة في الواقع من التورّط في عمليات عسكرية مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة. وحزب الله لا وجود مستقل له سوى لربّما على الأرض وعبر السيطرة على مطار بيروت وغير ذلك، لكن حبله السرّي في طهران... وحالما يحدث التغيير في طهران سينتهي حزب الله تماماً".
كلام وزير خارجية العراق الأسبق هوشيار زيباري كان أكثر ديبلوماسية وتفاؤلاً بمواقف إيرانية "معتدلة"، حسب تعبيره، نحو العراق. حرص على ابراز ثقته بحكومة الكاظمي الذي وصفه بأنه "شيعي ليبرالي ومعتدل وليس طائفياً أو مسيّساً كمن سبقه وهو جاء نتيجة الاجماع، بل نتيجة نوع من التفاهم بين الإيرانيين والأميركيين".
وقال "أنا شخصياً لعبت دوراً بين الطرفين لتعزيز فرصه لأنه الخيار الأفضل"، ملمّحاً الى تفاهمات سرّية أميركية وإيرانية أوصلته الى سدّة الحكم.
ما توافق عليه زيباري وجنبلاط وفيلتمان وطاهري هو ان المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران مستبعدة بالذات قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. إنما هناك من يعتقد العكس. لذلك سننتظر ونرى لأن عنصر المفاجأة هو دائماً في الحسبان.
التعليقات