عند تناوُل بعض الخبراء الشأن الإيرانيّ، فهُم يخوضون فيه من دون دِرايَةٍ كافيَةٍ بِسياستِها في المِنطقة، وكذا بِدوْرها الفعّال في كبْح جِماح السيطرة الأميركيّة على شؤون المنطقة ومُحاوَلَة إخضاع دولها لسياستها. وقد عمِلت أمريكا كلّ ما في وُسعِها لإقناع "السلُطات العربيّة" بِكوْن إيران المُهدِّدَ الحقيقيّ لأمن واستقرار بلدانها، وقد نجَحت، إلى حدٍّ ما، في ذلك.
إقرأ أيضاً: استراتيجية نظام الولي الفقيه بين أزمة غزة والأزمات الداخلية
إنّ تمركُز القواعد العسكريّة الأميركيّة في بُلدان الشرق الأوسط لمْ يكُن وليد الصُّدفة، وإنّما كان ضمن خُطّةٍ أميركيّة مُمَنهجةٍ ودقيقة وخطيرة، لا يُدركُها الكثيرون، بالإضافة إلى تواجُد أسطولها الحربيّ الضّخم في مياه الخليج العربي، فهذا كلّه لا يَهدف إلى رَدْع إيران، كما يعتقِد البعض، وإنّما لِحماية "سلطات الحُكم" في المنطقة، فهذه "السلطات" هي التي سَمَحت لِأساطيلها بحرية بالدُّخول إلى مياهها الإقليمية تَصول فيها وتَجول كما تشاء وكما يحلو لها، بِالإضافة إلى إِنْشائها قواعدَ عسكريّة في جميع دول المنطقة من أجل حماية مصالحها.
إقرأ أيضاً: الحرب تمتد إلى لبنان واليمن.. و"الفتن" تأتي من الشرق!
ومَا إيران إلّا "بُعبُع" تَستخدمه أميركا لإخافة بلدان المنطقة كي تضمَن استمرار تواجُدها هناك، فإيران لا تُشكِّل أيّ تهديد لدول الجوار أبداً، فهي ضدّ التواجُد الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، وضدّ التفوُّق الإسرائيلي عليها، لذلك تعمل جاهِدةً لتطوير أسلحتها وتحديثها وإنشاء مُفاعلات نووية تُضاهي مثيلاتِها في إسرائيل التي تَمْتلك مِنها الكثير، والتي تعدّت ذلك إلى صناعتِها لِأسلحة وقنابلَ نووية هائلةً. فإسرائيل وأميركا هما اللتان تُمَثِّلان التَّهديد الحقيقيّ للبلدان العربية، إلّا أنّ هذه "السلطات" لا تعي ذلك، ولا تفهم جيّداً السياسة الأميركيّة في المنطقة، فأميركا لا تسعى إلّا وراء مصالحها، ولا تَهمُّها مصالح دول المنطقة في شيء.
إقرأ أيضاً: "القوات الوكيلة": أداة النظام الإيراني لترويج الحرب وخلق الأزمات!
لقد قامت أميركا بِشنِّ حربٍ ضدّ أفغانستان والعراق واليمن وغيرِها، وبذرائع مُختلفة، وهي تُريد مِنْ خلال ذلك تغيير أنظمة هذه الدول من أجل تنْصيب حكومات على مَقاسِها، تسيرُ وِفْق سياستِها من أجل الحِفاظ على مصالحها، فقامت بِقتل الآلاف المؤَلَّفة من شُعوبِها وأعطَبت منهمُ الآلاف دون رحمة، في سبيل تحقيق أهدافها الرامية إلى بسط نُفوذها في المنطقة ونَهْبِ خيراتِها وثرواتِها الهائلة. وها هي اليوْم تنتقِل إلى شنِّ حربٍ جديدة على الشعب الفلسطينيّ في غزة، فإسرائيل هي الشرطي الأميركيّ في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فهي تُحارب الشعب الفلسطينيّ بالوَكالة. تقومُ بِقتْلِ وجَرْح الأطفال والنساء والعجزة والمرضى بالآلاف وتدمير غزة بأكْمَلِها ولا تُبالي، بِذريعة القضاء على حركة حماس. وتعمَل أميركا كلَّ ما في وسعِها لِجلْب الاستقرار والأمن لِدوْلة إسرائيل ومُجتمَعِها، وتمدُّها بأحدث الأسلحة والتكنولوجيات المُتقدِمة في المجال الاستخباراتي من أجل إبادة شعب بِكامِلِه وإزاحتِه من الوُجود من أجل ترسيخ الوُجود الإسرائيليّ في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلَّة، باعتبار إسرائيل شُرطيّاً وحارِساً أميناً لأميركا في المنطقة.
إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر خامنئي؟
كثيراً ما نسمَع بالتّحالُف الأميركي العربي في المَجال العسكريّ، والقيام بمُناورات مُشتَرَكة. فهذه الدولة لا تُقيم وزناً لمصالح الشعوب، فهي تهدِف فقط إلى تحقيق مَصالِحها، ولو كان ذلك على حساب دَمار الدول وقتل الآلاف من شعوبِها، ولنا في ذلك أمثلة حية لما حصل في العراق وأفغانستان وتشيكوسلوفاكيا سابقاً والبوسنة والهرسك.
إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟
لمْ ولن تتحالَف أميركا مع الدول العربيّة إلّا في حالَة تهديد مصالِحها في المنطقة عن طريق إنشاء تَحالُفٍ تُواجهُ به هذا التهديد. فالصّديق الوحيد لأميركا في العالم هي إسرائيل التي تَسهَر على الحفاظ على مصالحِها، ولذلك تُخصِّص لها ميزانيّةً تُقدَّر بالمليارات من الدولارات سنويّا سعْياً وراء إبْقائها أقوى وأعظم دوْلة في المنطقة تَقوم بِردْع كلّ دولةٍ تُسوِّل لها نفسُها المَساسَ بِمَصالحها في المنطقة، والحرب على الحوثيّين في اليمن نموذَجاً.
إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط
أمّا الجمهوريّة الإيرانيّة فهي دوْلةٌ مٌستقِلّة عن السياسة الأميركيّة، بلْ مُعارِضة لها، كما أنها تملِك قرارَها السياسي خارج الإملاءات الأميركيّة، وعلى هذا الأساس اتخذتها عدوّاً لدوداً لها وتُحاوِل، وبِكلّ الوسائل، إضعافها من خلال اتّهامها بالإرهاب ودعمه وبالتّطرُف، وسعْيها لامتلاك قُنبلة نوويّةٍ تُهدِّد بها جيرانَها وغيرها من التُّهم الكاذِبة، وبِذَريعةِ هذه التُّهم المُلفّقة تَجِد أميركا الطريق نحو فرْض عقوباتٍ عليها من خلال مُحاصرةِ اقتصادِها وإضعاف قُدراتها في التنميّة والازدهار كي تبقى إسرائيل هي الأقوى في المنطقة.
إقرأ أيضاً: حرب السيوف الحديدية واليوم الذي سيلي
لم يسبق للجمهوريّة الإيرانيّة أنْ شنَّت حرباً على أيّ بلَد ولم تَقُم بِانتهاك سيادة أي دولة مُستقِلّة، ولم تُزعزِع الاستقرار في أيَ بُقعة من الأرض كما فعلت ولا تزال تفعَل الولايات المُتحدة الأميركيّة، التي ما وطأَتْ قدَمُها أرضاً إلّا وعَبَثت بكلّ شيء فيها غير آبِهةٍ ولا مُعترِفةٍ بالقوانين الدوليّة التي تسير تحت مِظَلَّتها جميع دول العالم.
التعليقات