لا جدال، ولا أحد يمكن له في هذا العالم العربي المتشرد، والعزيز علينا جميعاً، أن ينكر التناقض الكبير والصارخ بين الأقوال والأفعال، والذي أمسى السمة الغالبة التي تطبع ثقافة المجتمعات العربية.

فتلك المجتمعات الحاضنة لفئات اجتماعية متنوعة، والتي يتزعمها السياسي الذي يدخل ويخرج في الكلام بصفة دورية، إن لم نقل مسترسلة باستمرار، بدون حرج، مبرراً ذلك بمتطلبات المرحلة! مروراً بالمستثمر الذي أصبح يقدس المال لدرجة الجنون، والدفع بالعودة للعصور الوسطى والحجرية، وذلك بتحويل العلاقة بين الأجراء وأرباب العمل، إلى علاقة مبنية على الخوف الدائم والابتزاز وغير ذلك، ناهيك عن التهرب الضريبي، الذي ينتج عنه ضياع المليارات على مداخيل مختلف الأقطار العربية، وانتهاء بباقي أفراد المجتمع الذين ينهمكون في ثقافة مليئة بالحقد الاجتماعي والحسد السيكولوجي، والغيرة المدمرة للأشخاص، والأسر، وعرقلة النجاح للناجحين، وتدعيم ومساند تفاهة الفاشلين، وز على ذلك الكثير.

لكن بالرغم من ذلك، يبقى التعميم خاطئاً ما دام الشرفاء موجودون في كل المهن، والوظائف، والأفراد، والتجمعات السكانية، وفي كل مكان وزمان.

بيد أن التناقض الغريب والعجيب، هو عندما تطرح مسألة الأغلبية، والتمسك بما يسمى برأي عام محرك للمياه الراكدة، في الكثير من المجالات، كرأي ثابت صادق، له ما له وعليه ما عليه.

إقرأ أيضاً: سنة التنوع والتعايش

بل هناك من لا يحلو له الحديث عن أغلبية تابعة! فيعطي لها الشرعية الدائمة والمزيفة واقعياً، لمجابهة المعارضين والفاضحين للتجاوزات المختلفة، سواء أكانت تلك الانحرافات مالية أو منصبية، أو أخلاقية قيمية.

ومن تناقضات ما يسمى "رأي عام الأغلبية"، نذكر عاى سبيل المثال لا الحصر، بعض الغرائب في هذا المضمار، أو نلخصها فيما يلي:

الأغلبية تقبل على التفاعل مع التفاهة بكثرة وتمر مرور الكرام على إبداعات أهل المعرفة والعلم!

الأغلبية تتفاعل مع من يمتلك سلطة ما، أو جاهاً ما أو كان مقرباً من شخصية عمومية، وتتنكر له عند سماعها بفقدان أحد هذه الركائز!

إقرأ أيضاً: أن تعمل أربعة أيام في الأسبوع!

الأغلبية تدعو للنظافة، وحين ننظر لواقع حالها نجد أن القمامة لا توضع حتى في مكانها الصحيح، ولا يتم إخراجها في وقتها المحدد!

الأغلبية تنساق للمظاهر الخداعة ولا تبالي بجوهر الأفكار وقلوب الناس الطيبين مهما كان انتماؤهم الاجتماعي!

الأغلبية تنتقد الآخرين عند الوقوع في هفوات ما، وترفض من ينتقدها!

الأغلبية تنساق وراء التهييج السريع لوسائل الإعلام، وتنسى بسرعة المآسي التاريخية التي تجرعت مرارتها عبر سنوات من الزمن.

الأغلبية غارقة في وهم الذاتية وأفعالها وسلوكياتها المتعددة الأبعاد في واد، أما شعاراتها وأولها في واد عميق آخر، وزد على ذلك الكثير.

إقرأ أيضاً: ثقافة الانهزام المعنوي في العالم النامي

لذا، فلا يعقل بتاتاً القول إنَّ المقارنة ممكنة بين شعوب بشعوب تقول ما تفعل. فنحن للأسف نبدع في تبرير التناقض بين الأقوال والأفعال، في أفكارنا، وسلوكاتنا المتناقضة والبدائية في بعض الأحيان، والتي تطبع الشخصية الاجتماعية لمجتمع ما زال تائهاً في ثقافة الإنكار، والتحليل والتحريم حسب الأهواء، والمناصب، والاديولوجيات المتنوعة. بل الأدهى هو أننا نقدم صيغة وهمية تعطي لأنفسنا تسمية ملخصها "نحن نمثل رأياً عاماً"!