حسب تقرير وكالة أنباء تسنيم، غادر عباس عراقجي، وزير الخارجية، إلى نيويورك في 20 أيلول (سبتمبر) للمشاركة في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. ووفقًا لهذا التقرير، تشمل خطط عراقجي في نيويورك المشاركة في العديد من اجتماعات الأمم المتحدة، إلى جانب عقد لقاءات واجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف.

ومن المتوقع أن يشارك مسعود بزشكيان في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام. ومن المقرر أن يلقي خطابًا في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء، 24 أيلول (سبتمبر).

ومن المعروف في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة أن رؤساء الدول والقادة يلقون خطاباتهم في هذا الاجتماع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي سيتحدث عنه الرئيس الجديد للمجتمع الدولي؟ هل سيتطرق إلى الخلافات الحادة داخل هرم السلطة في نظام ولاية الفقيه؟

هل سيتحدث بزشكيان عن الأزمة الإقليمية التي تسبب فيها نظام ولاية الفقيه، وعلى وجه الخصوص خامنئي، وكان هو المسؤول الرئيسي عن نشوبها واستمرارها؟ هل سيسكب بزشكيان دموع التماسيح كما فعل رؤساء النظام الإيراني السابقين على الشعب الفلسطيني؟

هل سيتناول قضية الأعمال العدوانية والأزمات التي تسببت فيها جماعة الحوثيين في اليمن؟

هل سيتطرق إلى أداء القوات الوكيلة للنظام، والتي تتمثل مهمتها في زعزعة استقرار المنطقة وخلق الأزمات من أجل بقاء دكتاتورية ولاية الفقيه؟

هل سيتحدث عن زيادة قمع النساء في إيران؟ هل سيتحدث عن زيادة أسعار الخبز، الذي يعد القوت الأساسي للشعب الإيراني؟

هل سيقدم تقريرًا عن تصاعد موجة الإعدامات في إيران، والتي بلغت حتى الآن 178 حالة إعدام منذ توليه السلطة؟

هناك عشرات الأسئلة الأخرى التي يمكن طرحها على هذا النحو. لكن الحقيقة هي أن بزشكيان لن يتحدث عن هذه الموضوعات ولن يجيب عن هذه الأسئلة لأسباب عديدة. فهو مكلف بمهمة محددة من قبل خامنئي، وعليه أن يؤدي هذه المهمة بأفضل طريقة ممكنة.

ما هي مهمة بزشكيان في رحلته إلى نيويورك؟
لدى بزشكيان مهمة تتمثل في تقديم صورة مغايرة عن سائر رؤساء النظام السابقين لنظام ولاية الفقيه. ولهذا السبب سيقول في خطابه إن النظام الإيراني يمد يده بالصداقة إلى جميع دول العالم. وسوف يخاطب الشعب الأميركي بوصفه أمة صديقة وأخوية. لديه مهمة لتقديم نفسه كمن يسعى لإصلاح الأمور وتحسين الوضع المعيشي للشعب، بما في ذلك السعي لإحياء الاتفاق النووي (برجام). لهذا السبب، قال في البرلمان الإيراني مدافعًا عن أعضاء حكومته إن خامنئي هو من عيّن عراقجي كوزير للخارجية!

ولكن خلف هذه الصورة الخادعة تكمن صورة أخرى تتناقض معها بشكل واضح. لذلك، على بزشكيان أن يجيب على هذا السؤال: إذا كان يسعى لإنهاء الحرب وإحلال السلام، فلماذا يستخدم دماء الأبرياء في غزة كدرع بشري للحفاظ على دكتاتورية ولاية الفقيه؟

إذا كان بزشكيان يسعى إلى علاقات سلمية والاعتراف بحقوق الشعوب، فلماذا طالب بترحيل الأكراد الإيرانيين خلال زيارته إلى العراق ولقائه مع المسؤولين في إقليم كردستان؟

إذا كان النظام الإيراني حقًا يسعى إلى السلام والأمن في المنطقة، فلماذا يوفر أنواع الصواريخ المختلفة لحزب الله في لبنان ويعمل على توسيع الحرب؟

إذا كان النظام الإيراني يريد حقًا أمن الممرات المائية الدولية، فلماذا يجعل حركة السفن غير آمنة في البحر الأحمر من خلال الحوثيين؟

الحقيقة الأخرى التي تكشف الطبيعة الحربية للنظام الإيراني وتفضح هذه الصورة الخادعة هي خطاب خامنئي يوم 21 أيلول (سبتمبر) بمناسبة ميلاد النبي محمد (ص). فقد قال في جزء من كلمته:

"... نحن اليوم بحاجة إلى تشكيل الأمة الإسلامية؛ أي يجب أن نسعى لتحقيق ذلك. من الذي يستطيع المساعدة في هذا الأمر؟ يمكن للحكومات أن تؤثر، ولكن الدافع في الحكومات ليس قويًا جدًا. أولئك الذين يمكنهم تعزيز هذا الدافع هم نخبة العالم الإسلامي؛ أي أنتم ... إذا ركزت جميع وسائل الإعلام في العالم الإسلامي لمدة عشر سنوات على وحدة المسلمين، وكتب الشعراء قصائدهم، وحلل المحللون، ووضح أساتذة الجامعات، وأصدر العلماء الدينيون الفتاوى، فبلا شك ستتغير الأوضاع بشكل كامل خلال هذه السنوات العشر. عندما تستيقظ الشعوب وتتحمس، ستُجبَر الحكومات على التحرك في هذا الاتجاه. النخبة يمكن أن تقوم بهذا العمل؛ هذا هو واجبنا..."

الكلمة الأخيرة
فيما يتعلق برحلة بزشكيان إلى نيويورك وآثارها، أجرت صحيفة "شرق" (المرتبطة بالجناح الإصلاحي) في 18 أيلول (سبتمبر) مقابلة مع أحد خبراء السياسة الخارجية والمتخصص في الشؤون الأمريكية، وكتبت إجاباته على النحو التالي:

"تُعتبر رحلة بزشكيان إلى نيويورك ذات أهمية من جوانب متعددة. فهذه الزيارة توفر فرصة لإجراء برامج دبلوماسية ولقاءات متعددة في وقت أقل وبتكلفة أقل. من ناحية أخرى، نظرًا لأن بزشكيان قد وصل حديثًا إلى السلطة، فإن الدول العالمية ستقوم بتقييم مباشر له ولفريقه في السياسة الخارجية خلال هذه الاجتماعات الجانبية في نيويورك.

تعتبر هذه التقييمات ذات أهمية كبيرة لتحديد كيفية العلاقات المستقبلية مع إيران. حتى لو لم تُعلن الدول نتائج تقييماتها علنًا، فإن هذه الاجتماعات الأولية ستؤثر على تنظيم العلاقات في المستقبل.

إذا تمت لقاءات على مستوى رفيع مع رئيس الوزراء البريطاني أو المستشارة الألمانية أو الرئيس الفرنسي، فهذا يعني استعداد الطرفين لحل المشاكل المتبادلة، لأن حكومة بزشكيان قد أعلنت استعدادها للتفاوض.

النقطة المهمة هي الاستعداد للحوار مع أي طرف، حتى مع الولايات المتحدة. بالطبع، الظروف الحالية في أمريكا بسبب الانتخابات قد تعيق المفاوضات الفورية، لكن إيران بإعلان استعدادها أرسلت إشارة إيجابية.

حكومة بزشكيان، بوعيها للتحديات التي تواجهها في مجال السياسة الخارجية، يمكنها من خلال تغيير نهجها تجاه الاتفاق النووي (برجام) وإبداء الرغبة في التفاوض، أن تحقق النجاح، ولكن يعتمد ذلك على ردود الفعل من الأطراف الغربية. السيناريو الأكثر احتمالًا هو الاتفاق الأولي على توقيت المفاوضات. قد تبدأ المفاوضات خلف الأبواب المغلقة، حيث أن هذه المفاوضات السرية تكون مقدمة للمفاوضات الرسمية والعلنية في المستقبل.

في عالم السياسة، الخيارات ليست محدودة. النقطة الأهم هي وجود الإرادة السياسية لدى الطرفين. إذا كانت هذه الإرادة موجودة، فإن إيجاد حلول فنية وتقنية سيكون ممكنًا. في غياب الثقة والإرادة، سيكون تجاوز هذه الأزمة أمرًا صعبًا...".

الآن لنرَ ماذا سيحدث يوم الثلاثاء 24 أيلول (سبتمبر) في الأمم المتحدة وخارجها، وماذا سيقول بزشكيان من منصة الأمم المتحدة، التي لا يستحقها؟ في الوقت نفسه، خارج الأمم المتحدة، ماذا سيصرخ الإيرانيون الغاضبون بتظاهراتهم ضد حضور بزشكيان في الأمم المتحدة؟ هم يحتجون على أن بزشكيان لا يمثل الشعب الإيراني، بل هو متحدث باسم خامنئي، الذي يسفك دماء الشعب الإيراني منذ 35 عامًا كولي فقيه، وينفق ثرواتهم على الإرهاب، والقمع الداخلي، والقوات الوكيلة من أجل الحفاظ على السلطة.