تاريخ طويل من الجور والتخبط السياسي والضغينة والعداء ظهرت صوره ودلالاته منذ بداية تمكين نظام الملالي من السلطة في إيران، كي لا يكون هناك فراغ سياسي واستراتيجي يضر بمصالح القوى الكبرى بعد قيام ثورة شباط (فبراير) 1979 الوطنية والإطاحة بالنظام الاستبدادي القائم في إيران على يد الشعب وقواه الوطنية. وبدا واضحاً تماماً أن نظام الملالي هو البديل الأنسب للمصالح الغربية على حساب المصالح الوطنية والإقليمية. وبالنتيجة، كان أداء هذا النظام توسعياً واضحاً كاد أن يقضي على استقرار المنطقة برمتها، وقد حالت حرب الثماني سنوات في ثمانينيات القرن الماضي دون توسع نظام الملالي في المنطقة. ومع ذلك، لم تنتهِ مخططات الملالي تجاه المنطقة، بل واصلوا العمل بتوجههم لهدمها بإشاعة الفوضى، خاصة في العقدين الأخيرين. وما جرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة وما يجري اليوم في لبنان بالإضافة إلى ترويج وتهريب المخدرات والسلاح عبر ميليشيات موالية خير دليل على نوايا النظام الإيراني.
كيف ينتظر المرء خيراً ممن لم تكن العقائد والقيم دليلاً ورادعاً له؟ وكيف يمكن لخصم كهذا أن يكون مخلصاً لعهدك أو لسلام معك أو وفياً لطريق سلكه بالادعاء معك؟ ومن هنا تبدأ علاقات المصالح غير المنضبطة وغير الشفافة التي لا تحكمها القيم الأخلاقية وغير المحكومة بالتوازنات. ولم يسبق أن شهدت علاقة الجندي بالآمر توازناً أو تحالفاً منضبطاً، ويبدو أن هذا ما حدث ويحدث بين ملالي إيران وقوى المقاومة بشقيها السني والشيعي وغيرهما ممن عمل تحت مظلة نظام ولاية الفقيه في إيران.
زجوا بغزة في الجحيم وتركوها بلا ظهير، ودسوا السم في ذاك العسل الذي ادعوا تقديمه لفلسطين. وبالنتيجة، شق الصفوف والقضاء على غزة، وتعزيز موقف العدو بما منحوه من أسباب التمكين، وكذلك وضع الضفة الغربية على كف عفريت، ووضع الموقف السياسي الفلسطيني في موقف بائس لا يُحسد عليه. فلا حرروا فلسطين ولا فتحوا القدس وهم واقفون على الأراضي السورية واللبنانية على مقربة من القدس، وخطوط إسنادهم الخلفية بكامل عدتها وعتادها على كامل الأراضي العراقية. وبدلاً من تحرير فلسطين، احتلوا أربع دول عربية.
كيف تأمن لنظام الملالي في إيران الذي لم يضع الإنسان "مواطنه الإيراني" في نهجه وحساباته كقيمة عُليا، كيف سيضع قدراً وقيمةً للإنسان الذي يختلف معه في الجذر والأصل والعقيدة؟ وكيف تأمن لمن ادعى باسم الدين وضحى بمن قال إنهم أهله ورعيته في العراق ولبنان ومناطق أخرى؟
إقرأ أيضاً: جنوب أفريقيا والموقف التاريخي
أثاروا الفتنة والحروب خلسة وتبرأوا من ذلك، ثم ادعوا أنهم صناع النصر والأمجاد. ودفعوا بغزة إلى الجحيم وتركوها قائلين: إنَّ الفلسطينيين قومٌ اعتادوا الموت.. أي كمن يقول: "فليمت من يمت ويفنى من يفنى، والمجد لنا"، وسندير الصراع حتى آخر مقاتل عراقي وسوري ولبناني وأفغاني وباكستاني وفلسطيني.
لم يتعظ البعض ولن يتعظ الآخرون من أحداث التاريخ، من اغتيال عباس الموسوي أمين عام حزب الله الأسبق في لبنان، واغتيال عماد مغنية في سوريا، واغتيال قاسم سليماني ومن معه في العراق، واغتيال فؤاد شكر في لبنان، والاغتيال الغريب المثير للريبة والجدل لإسماعيل هنية في عقر دار ملالي إيران، ثم مقتل قادة حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله. وفي كل مرة يتوعدون، وتحصد إسرائيل في كل مرة ثمار الوعيد الإيراني!
إقرأ أيضاً: النظام الإيراني وأميركا: صراع موهوم ومصالح مشتركة
يبدو أن تقديم نظام الملالي حلفاءه قرابين محرقة ثمناً قليلاً لدخول النادي النووي وبقاء النظام على سدة الحكم والتغاضي عن انتهاكاته في الداخل والخارج؛ فلا تستغربوا إن تخلت إيران "إيران الملالي" عن حلفائها، وما خفي كان أعظم.
أبناء المنطقة الذين اكتووا بنار هذا النظام منذ قيامه، لا بد لهم اليوم من الاتعاظ من أحداث التاريخ، والتيقن بأن خلاصهم ونجاتهم لن يكون إلا بدعم وإسناد مطالب الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية في تغيير النظام وإقامة سلطة البديل الديمقراطي، غير ذلك فلا نجاة ولا حلول.
التعليقات