على مدى العقد الماضي، دفع النظام الإيراني تحت قيادة المرشد علي خامنئي تكاليف باهظة من أجل الحفاظ على حكم بشار الأسد واستقرار نظامه في سوريا. لم تقتصر هذه التكاليف على الأموال فقط، بل تضمنت أيضاً إرسال القوات العسكرية، وتقديم الدعم المالي والاقتصادي، وحتى المساعدات الفنية والاجتماعية لنظام الأسد. كانت هذه الإجراءات بمثابة أولوية استراتيجية بالنسبة إلى خامنئي، حيث كان يعتبر الحفاظ على الأسد بمثابة الحفاظ على "محور المقاومة" في المنطقة وضمان مصالح إيران في الشرق الأوسط. كان النظام الإيراني يبذل جهداً كبيراً من أجل حماية نظام الأسد من السقوط، الذي كان يمكن أن يؤدي إلى أزمة إقليمية كبيرة. في هذا السياق، أنفقت إيران مليارات الدولارات، وأرسلت آلاف الإيرانيين في مهمة قد تعرض حياتهم للخطر.
لكن بعد سقوط الأسد، الذي يُعد من أبرز التحولات الإقليمية في السنوات الأخيرة، واجه النظام الإيراني هزيمة استراتيجية كبرى. لم يكن سقوط الأسد مجرد خسارة لنظامه، بل كان بمثابة كارثة سياسية واقتصادية للنظام الإيراني. فقد شكل هذا الحدث ضربة كبيرة لجمهورية إيران الإسلامية، التي كانت تعتمد على هذا الحليف في تنفيذ العديد من استراتيجياتها الإقليمية.
في هذه الظروف، دخل خامنئي إلى الساحة سريعاً وظهر علناً لمواجهة هذه التحولات. حاول الدفاع عن سياسته عبر خطاب مثل "يجب أن نخفف من معنويات الشعب". لكن هذه التصريحات قوبلت بمقاومة فورية، إذ إن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني كانوا سعداء بسقوط الأسد، ورأوا في التغيير في سوريا مصدر أمل. وبالتالي، كان خطاب خامنئي، الذي حاول تبرير التكاليف والفشل، بمثابة انتقاد واسع من قبل الشعب.
إقرأ أيضاً: لماذا تنفصل خطابات بزشكيان عن الواقع السياسي والاجتماعي في إيران
لكن هذا الوضع لم يقتصر على سوريا وسياسات إيران الخارجية فقط، بل سرعان ما أدت هذه الهزيمة الاستراتيجية إلى تفجر الأزمات الداخلية في إيران. ففي الداخل، تصاعدت الاحتجاجات والانتفاضات في العديد من المدن الإيرانية. الشعب الإيراني، الذي عانى من ضغوط اقتصادية شديدة لفترة طويلة وكان غاضباً من الأوضاع الاجتماعية والسياسية، بدأ في الاحتجاج ضد السياسات الداخلية والخارجية للحكومة. هتفوا بشعارات مثل "الموت للمسؤولين الفاشلين" و"عدونا هنا في الداخل، يكذبون عندما يقولون إنه أميركا". لم تكن هذه الاحتجاجات مجرد تعبير عن استياء الشعب من الوضع الاقتصادي والاجتماعي، بل كانت أيضاً احتجاجات ضد سياسات النظام في سوريا والمنطقة.
في الوقت نفسه، قام الإيرانيون الأحرار الداعمون للمقاومة الإيرانية في الخارج بتحركات واسعة. نظمت منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية تظاهرات كبيرة في العديد من الأماكن. ومن أبرز هذه التظاهرات، المظاهرة التي ستقام يوم السبت 8 شباط (فبراير) 2025 في باريس، في ميدان "أنفر روشرو". هذه التظاهرة تمثل ليس فقط احتجاجاً على سياسة النظام في سوريا، ولكن أيضاً تظاهرة ضد السياسات الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك الاحتجاج على القمع والظلم الذي يعاني منه الشعب الإيراني.
إقرأ أيضاً: سوريا تستعد لمقاضاة إيران والتعويض 300 مليار دولار
هذه التظاهرات والاحتجاجات، التي تتسع داخل إيران وخارجها، تعكس عمق الأزمة والانقسام الداخلي الذي يعاني منه النظام الإيراني. خامنئي، الذي كان يسعى في السنوات الماضية للدفاع عن سياساته وتبريرها كجزء من مصلحة إيران وشعبها، أصبح اليوم في موقف يتعين عليه فيه مواجهة الواقع. الأزمة في سوريا، والعقوبات الدولية، والنقمة الداخلية، كلها تشير إلى أن العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في المنطقة ينهار. ولذلك، نجد خامنئي مجبراً على الظهور في الساحة والدفاع عن سياساته، في حين أنه لم يعد قادراً على إخفاء حقيقة فشله الكبير.






















التعليقات