الياس توما من براغ: إنتقلت مهمة حفظ الاستقرار في البوسنة والهرسك اليوم رسميًا من حلف الناتو إلى الاتحاد الأوروبي ليبدأ الاتحاد مع إنطلاقة هذه العملية أكبر عملية عسكرية سلمية ينفذها في تاريخه.

وقد جرت مراسم تسلم قوة " يوفور" مسؤولياتها من قوة" ايسفور" الأطلسية في إحتفال أقيم في قاعدة " بوتمير" العسكرية الواقعة قرب ساراييفو بحضور أمين عام الحلف ياب دي هوب شيفر ومنسق السياسة الأمنية والدفاعية في الاتحاد الأوربي خافيير سولانا .

وقد إعتبر أمين عام الناتو إنتقال مهمة حفظ الاستقرار إلى القوة الأوروبية بأنه لحظة تاريخية في حياة البوسنة والهرسك ودليلا على التعاون القائم بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو أما سولانا فقد شدد على أن المهمة التي كانت تقوم بها قوة ايسفور ستستمر وان البوسنة والهرسك تتجه نحو المستقبل الأوربي لها .

وتضم القوة الأوروبية 7000 جندي وضابط من أكثر من 30 دولة 22 منها تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي ويشكل أكثر من 80% من أفراد هذه القوة عناصر كانت تخدم تحت اسم قوة ايسفور الأطلسية .

وعلى الرغم من انتقال المهام إلى القوة الأوروبية فان الحلف الأطلسي سيظل متواجدا في البوسنة وذلك من خلال مركز قيادة وقوة صغيرة تتواجدان في ساراييفو ومدينة توزلا كما ستظل القوة الأوروبية تعتمد لوجستيا على الحلف الأطلسي.

وستكون المهمة الرئيسية للقوة الأوروبية التي ستستغرق 3 أعوام كما قال رئيس القوة الأوروبية الجنرال البريطاني ديفيد ليكلي " المساعدة في الحفاظ على السلام والاستقرار بالشكل الذي يمكن البوسنة والهرسك من الانضمام إلى أسرة الدول الأوربية".

ويأتي تسلم الأوروبيين لمهمة حفظ الاستقرار في البوسنة في الوقت الذي لا يزال التوتر العرقي قائما في البوسنة باعتراف الجنرال البريطاني على الرغم من مرور تسعة أعوام على التوقيع على اتفاقيات دايتون التي جرى بموجبها إنهاء الحرب الأهلية الدامية التي شهدتها البوسنة في الفترة من 1992ــ 1995.

ويكمن السبب في ذلك شعور البوسنيين والكروات بان الحل الذي فرض عليهم وهو تقسيم البوسنة والهرسك إلى جمهوريتين هما الاتحاد البوسني الكرواتي المقام على 51% من مساحة البوسنة وجمهورية صرب البوسنة على 49% لم يكمن عادلا كما أن هذه الصيغة في الممارسة العملية لم تنجح .

وبالنظر لإخفاق قوة ايسفور على مدى التسعة أعوام الماضية في القبض على زعيمي صرب البوسنة ا لسابقين رادوفان كاراجيتش ورادكو ملاديتش أو تسليم حكومة صرب البوسنة المواطنين الصرب الذين تطلبهم محكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغسلافيا السابقة رغم اعترافها بمسؤولية الصرب عن وقوع مجزرة سريبرينيتسا فان الكثير من البوسنيين والكروات يعتدون أن جراح الحرب لم تندمل بعد خاصة وان ذ لك يترافق باستمرارية عدم عودة جميع من هجروا عمدا أو بفعل العمليات العسكرية من منازلهم وأراضيهم

وحسب المنظمات الدولية العاملة في البوسنة والمهتمة بهذه لمسالة فقد عاد منذ انتهاء الحرب إلى الآن أكثر من مليون لاجىء من اصل 2و2 مليون شردتهم الحرب الدموية التي ارتكبت فيها أعمال تطهير عرقي لم تشهد لها أوروبا مثيلا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية .

ويزيد الأمر إحباطا بالنسبة لسكان البوسنة والهرسك بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية سوء الوضع الاقتصاي القائم وتفشي الجريمة والفساد عل نطاق واسع وتشير المعطيات الاقتصادية إلى أن نسبة البطالة هي بحدود 40% فيما يبلغ معدل الرواتب والأجور حوالي 250 يورو فقط .

وتتسلم القوة الأوروبية مهام عملها في الوقت الذي ينتظر البوسنة تطورات سياسية مهمة للغاية وأهمها سن دستور جديد للبلاد يعوض عن الترتيب السياسي الدستوري الحالي الذي يتم العمل به انطلاقا من اتفاقيات دايتون وسيتحتم على السياسيين المحليين بدعم أوربي وأمريكي إيجاد شكل جديد للدولة بدلا من نظام الكانتونات الحالي المعقد والتقسيم القائم للبوسنة إلى جمهوريتين تتواجدان إلى جانب بعضهما أكثر من تعايشهما في إطار دولة واحدة وان كان لهذه الدولة بعض الهيئات المشتركة

ولا يسود بطبيعة الحال حالة من الوفاق في هذه المسالة أي في مسالة الترتيب الدستوري الجديد فالمسلمون والكروات يريدون إجراء تغييرات جوهرية تعيد الوحدة أرضا وشعبا وسيادة إلى البوسنة فيما يصر الصرب على التمسك بالشكل الحالي باعتباره يمنحهم عمليا شبه الاستقلالية عن ساراييفو

ويؤكد رئيس جمهورية صرب البوسنة دراغان تشافيتش بأن الصرب على استعداد للتفاوض بشأن التغييرات الدستورية واستحقاقات السير على الطريق الأوربي للتكامل لكنهم يشترطون عدم تغيير الهياكل الخاصة بالقوميات والعرقيات التي تعيش في البوسنة القائمة ألان مما يعني أن التواجد الدولي المدني والعسكري الأوربي سيستمران في احتضان البوسنة لسنوات عديدة قادمة.