نبيل شرف الدين من القاهرة: في الوقت الذي أحال فيه فتحي سرور رئيس مجلس الشعب (البرلمان) المصري ملف قضية الأحداث الطائفية الأخيرة على لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان، فقد تواصل لليوم الرابع اعتصام عدد الأقباط داخل مقر بطريركية الأقباط الأرثوذكس التي تقع بشارع رمسيس وسط القاهرة، بينما طوقت أجهزة الأمن المنطقة تحسباً لأية تطورات سلبية، في الوقت الذي تواصلت فيه جهود سياسية وأمنية حثيثة بين عدة أطراف معنية بهذا التصعيد الأسوأ من نوعه منذ أحداث قرية "الكشح" في محافظة سوهاج بصعيد مصر.
وتأتي هذه الأحداث إثر أنباء عن إشهار السيدة وفاء قسطنطين، زوجة القس يوسف عوض إسلامها، وزواجها من زميل لها، حيث تعمل كمهندسة بمديرية الزراعة بالبحيرة، شمال غرب مصر، وهي في عقدها الخامس ولديها ابن مهندس وابنة تدرس بكلية العلوم، وهو الأمر الذي تفاعل على نحو سريع إذ احتج عدد كبير من الشباب القبطي على ما وصفوه بتواطؤ الشرطة ضدهم، في واقعة زوجة القس، التي يصّر الكثيرون من المعنيين بهذه الواقعة أنها أجبرت أو أغريت حتى تشهر إسلامها الأسبوع الماضي في مدينة أبو المطامير التابعة لمحافظة البحيرة.
ومن شمال مصر إلى جنوبها، وتحديداً في محافظة أسيوط، حيث علمت (إيلاف) من مصدر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر أن الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، في جنوب مصر، رفض مقابلة محمد عبد المحسن صالح، أمين الحزب الوطني (الحاكم) في المحافظة الكبيرة التي تعد بمثابة عاصمة صعيد مصر، وذلك على خلفية ما أثير من اتهامات للمسؤول الحزبي الذي يتربع على مقعده منذ أكثر من ربع قرن، من تورطه في وقائع غواية قبطيات للزواج من رجال مسلمين، والضلوع في إغراء بعض الأقباط على إشهار إسلامهم، وأضاف المصدر ذاته أن القس مينا سكرتير الأنبا ميخائيل التقى عبد المحسن صالح الذي أكد له "عدم رغبته في إقحام أجهزة الأمن أو القضاء في هذه المسألة، داعياً إلى حلها في إطار ودي، وضمن النطاق المحلي للإقليم" .
وليست هذه المرة الأولى التي يتهم فيها الأقباط المسيحيون السلطات المصرية بالتواطؤ ضدهم، اذ سبق ان وجهوا اتهامات مماثلة إبان أحداث قرية الكشح (بمحافظة سوهاج على بعد 500 كم جنوب القاهرة) والتي قتل فيها 20 قبطيا ومسلم واحد في مصادمات طائفية كانت هي الأسوأ من نوعها التي وقعت في العام 2000، وأثارت جدلاً واسعاً وتداعيات شتى داخل مصر وخارجها.
أما في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا (250 كم جنوب القاهرة)، قررت النيابة العامة حبس 14 شخصا من سكان قرية منقطتين (التابعة لمدينة سمالوط) المسلمين على ذمة التحقيق إثر اتهامهم بالتحريض وإتلاف ممتلكات عدد من الأقباط، على خلفية مصادمات جرت إثر قيام عدد من السكان المسلمين بمهاجمة مجموعة من الأقباط مساء الجمعة الماضية، والقوا عليهم حجارة كما أشعلوا النار في صيدليتين وسيارة مملوكة لأحد الأقباط، احتجاجا على البدء في بناء جمعية خيرية مسيحية، يعتقد بعض المسلمين هناك أنها "ربما تتوسع مستقبلا لتتحول إلى كنيسة"، حسب ذات المصادر .
صمت إعلامي
وتفاعلت هذه الموجة الحادة من الأحداث الطائفية في شمال البلاد وجنوبها في معالجات الصحف ووسائل الإعلام المصرية المختلفة، فبينما تجاهلت محطات الإذاعة وقنوات التلفزيون الحكوميين هذه القضية تماماً، وخلت كافة التغطيات الخبرية تماماً من أية إشارة إلى تلك الأحداث، وهو الموقف ذاته الذي تبنته كافة الصحف الحكومية المعروفة اصطلاحاً في مصر باسم "القومية"، إذ لم تشر أي منها إلى هذا النبأ، وإن علقّ عليها بعض الكتّاب المحسوبين على الحزب الوطني (الحاكم) بعبارات عامة في مقالاتهم، تدعو إلى "وئد الفتنة في مهدها"، والتشكيك بالروايات التي نسبت إلى مصادر قبطية في وسائل الإعلام غير المصرية، سواء الصحف العربية أو المحطات الفضائية أو وكالات الأنباء الأجنبية، وغيرها من الأقنيات الإعلامية التي لا تخضع لهيمنة الحكومة .
في الصحف الحزبية، والموسومة بالمستقلة كان الأمر مختلفاً، فبينما واصلت صحيفة (العربي) التي سبق لها أن أثارت قضية محمد عبد المحسن صالح، أمين الحزب الحاكم في أسيوط، متابعتها للقضية بنقل تصريحات على لسان الأخير قال فيها إنه يقبل محاكمته داخل الكنيسة، وينفي صحة ما أعلنه الأب بانوب من رفض التصريح ببناء أية كنيسة جديدة في أسيوط منذ خمسين عاما، قائلاً إن عدد الكنائس فى محافظة أسيوط 437 كنيسة نصفها على الأقل تم بناؤه فى الخمسين سنة الماضية، وأن عدد الكنائس في أسيوط أكثر من عددها في بقية محافظات مصر، ففي القاهرة يوجد 225 كنيسة فقط"، على حد تعبير المسؤول الحزبي الكبير، الذي طالما كان طرفاً في معارك سياسية وإعلامية، حتى مع أقوى وزراء داخلية مصر في أثناء المواجهات الدامية مع المنظمات الأصولية المسلحة، التي طالما اتخذت من أسيوط وجامعتها منطلقاً لأنشطتها، ومنطقة نفوذ تقليدية لوجودها خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم .
ومضى محمد عبد المحسن قائلاً إنه في مقابلة مع سكرتير الأنبا ميخائيل وهو الأب مينا قال: إن مطالب الكنيسة تتلخص في السماح ببناء كنيستين جديدتين، الأولى في ضاحية "أسيوط الجديدة"، وأخرى في حي مبارك، وأجبناه بأن مدينة أسيوط الجديدة تابعة لمركز أبنوب وللمطران لوكاس الذي حصل بالفعل على ترخيص بالبناء، وخصصت له الأرض وبدأ التنفيذ، أما كنيسة حي مبارك فقد تمت الموافقة عليها وتقومون باتمام الاجراءات"، على حد ما نسبته إليه الصحيفة الناطقة باسم الحزب الناصري المعارض في مصر .
أما في صحيفة (الأسبوع) المستقلة التي يرأسها الصحافي مصطفى بكري، فقد أوردت رواية للأحداث في أسيوط مفادها أنه في السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) أعلن القس أبانوب في عظته الأسبوعية بكنيسة مارمرقص بأسيوط أن هناك رب أسرة مسيحية في قرية موشا قد أعلن إسلامه هو ووالدته المسنة في عامها الثمانين، وبقيت الأم وخمسة أطفال لم يعلنوا إسلامهم، وأن رئيس الوحدة المحلية بقرية درنكة (قرية الأمين العام للحزب الوطني محمد عبد المحسن) ذهب إلي الأم ومعه مدير مكتب أمين الحزب في أسيوط وأنهما عرضا عليها أن تتبع هي وأولادها الإسلام وأن الذي أرسلهما هو أمين الحزب الوطني بأسيوط، وقد ذكر اسمه إحدى عشرة مرة في الحديث بين الأم ومن قيل إنهما مندوبان عن محمد عبد المحسن، ثم هاجم القس أبانوب الحزب وأجهزة الأمن التي قال إنها متواطئة معه وأعلن أن الكنيسة لن تسكت على "هذه المهزلة" وحذر من عواقب وخيمة لهذه الأحداث، ما لم يتم تداركها على نحو مرض، حسب تعبير الصحيفة.
الهمايوني وجمال
وفي تصريحاته الصحافية أوجز القس أبانوب مطالب مطرانية أسيوط بقوله إننا لا نريد أكثر من تنفيذ تعاليم الإسلام بأنه لا اكراه لأحد في الدين، وعدم استغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبطالة في إجبار أو غواية الشباب والشابات على تغيير دينهم واعتناق الإسلام، وكذا عدم الضغط على كبار السن والذين لا يدركون شيئا لدفعهم على اعتناق الإسلام، وحتى تكون الاستجابة لمطالبنا ملموسة فيجب القيام بالتصريح ببناء الكنائس والمدن والأحياء التي لا توجد بها كنائس"
ومضى القس بانوب قائلاً في تصريحاته الصحافية إن مطرانية أسيوط لم تشارك هذا العام في جميع الاحتفالات الرمضانية التي أقيمت بالمدينة، لافتاً إلى أن ذلك كان هذا نوعا من الاعتراض يجب علي المسؤولين فهمه على خلفية أنه يشير إلى وجود مشاكل، بالإضافة إلي أن المسئولين لم يقدموا للمطرانية دعوات للمشاركة في الزيارات الرسمية لبعض المسئولين مثل زيارة جمال مبارك الأخيرة لأسيوط، وذلك خوفا من أن يقدم المطران شكوى ضد هذا المسؤول المحلي أو ذاك، مختتماً تصريحاته بالقول "إننا لن نستغل أية مواقف لتقديم شكاوى، وهو ضيف لدينا" حسب تعبيره .
تجدر الإشارة إلى ان بناء أماكن العبادة المسيحية مسالة بالغة الصعوبة في مصر، خلافاً للمساجد التي لا تتطلب أية إجراءات، إذ أن قانونا يعرف باسم "الخط الهمايوني" يرجع للعصر العثماني يخضع بناء الكنائس لتصاريح خاصة من أرفع مستويات الحكومة، وبعد سلسلة معقدة وطويلة من الإجراءات يجري خلالها استطلاع آراء وتقديرات عدة أجهزة أمنية وحزبية ومحلية وغيرها .
وحسب الأرقام الحكومية فإن عدد الأقباط المسيحيين يبلغ أكثر قليلاً من ستة ملايين، فيما يؤكد الأقباط أنفسهم أن عددهم لا يقل عن عشرة ملايين من أصل 62 مليوناً, تعيش أغلبية منهم في محافظات الصعيد مثل المنيا وسوهاج وأسيوط وبني سويف وغيرها .
التعليقات