وافق مجلس الأمن الدولي على عقد جلسة طارئة الخميس لإجراء مشاورات استثنائية حول سلسلة العمليات الإرهابية في روسيا. وكان الوفد الروسي قد طلب من أعضاء مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع طارئ من أجل الإعراب عن موقفهم من تفجير الطائرتين في "روستوف" و"تولا" مؤخرا، والعملية الانتحارية عند محطة مترو الأنفاق بموسكو واختطاف الرهائن في أوسيتيا الشمالية.
جاء هذا الطلب بالذات على خلفية الكارثة الرابعة خلال أسبوع واحد تقريبا. فبعد انفجار شارع (كاشيرسكايا)، وكارثة طائرتي الركاب التي راح ضحيتها تسعون شخصا، وكذلك انفجار محطة مترو (ريجيسكايا) الذي أودى بحياة 10 أشخاص وإصابة 51 بجروح، لا تزال واحدة من العمليات المأساوية تجري أحداثها أمام عيون العالم كله، حيث يتم (إلى هذه اللحظة) احتجاز ما يقرب من 400 رهينة بينهم حوالي 132 تلميذا وتلميذة بالصفوف الأولى، إضافة إلى طلاب المراحل ألأعلى، وأولياء الأمور أيضا.
المثير في الأمر أن المعطيات لا تزال تتضارب حول عدد الضحايا من القتلى والجرحى الذين سقطوا أثناء استيلاء المختطفين على المدرسة رقم (1) في أوسيتيا الشمالية التابعة لروسيا. وفي ملاحظة هامة لأحد المحللين السياسيين الروس، أشار إلى أن هذا الاعتداء المفاجئ على أطفال شعب آمن مثل الشعب الأوسيتي يمكنه أن يفجر منطقة ما وراء القوقاز كلها، نظرا لأن الشعب الأوسيتي، رغم طيبة، يتميز بشدة المراس والصلابة، وهو ما يمكنه أن يدفع المواطنين الأوسيتيين العاديين إلى حمل السلاح.. ولكن ضد من؟! وهذا هو الأمر الخطير، وفقا لملاحظة المحلل الروسي.
من جهة أخرى أكد مصدر شيشاني (شارك في حكومة دودايف سابقا، وفي الحكومة الانتقالية قبل انتخاب قاديروف رئيسا للشيشان) لـ "إيلاف" بأنه قبل الاستيلاء على المدرسة، وقعت اشتباكات بين مجموعة الخاطفين وقوات عسكرية كانت تقف على أحد الحواجز، ولا يعرف أحد كيف انتهت، إلا إن المحتطفين استولوا على سيارة مدرعة وساروا بها عدة كيلومترات إلى أن وصلوا إلى مبنى المدرسة، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات.
وتجدر الإشارة إلى أن المفاوضات التي بدأت بين الخاطفين والسلطات المحلية لجمهورية أوسيتيا الشمالية لم تسفر إلى الآن عن نتائج ملموسة وسط حالة من التعتيم وتضارب المعلومات. كما إن الرأي العام الروسي يعاني حالة من الخوف والتوجس وفقدان الثقة. والأخطر من ذلك حالة التوقع التي لا يعرف أحد كيف ستتطور الأوضاع، وهل سيتم اقتحام المدرسة أم ستنجح المفاوضات الجارية.
بيد أن هناك تلميحات تشير إلى خطوة موسكو بمطالبة مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة طارئة كحيلة للحصول على تأييد دولي من أجل تبرير أي خسائر يمكن أن تقع أثناء اقتحام المدرسة.
وعلى نفس الصعيد تتقلص جميع الفرص أمام الكرملين، أو تكاد تنعدم في حل هذه المعضلة. فاعتماد سيناريو (مسرح دوبروفكا) الذي أودى بحياة عشرات المدنيين، يمكنه أن يعرض الكرملين إلى انتقادات واسعة النطاق. كما إن والاستجابة لأي من مطالب الخاطفين (إيقاف الحرب في الشيشان، وإجلاء القوات الروسية، والإراج عن المعتقلين الذين شاركوا في عملية أنجوشيا) سوف يذهب بهيبة الكرملين والسلطة الروسية كلها. والمماطلة التي تجري في الوقت الراهن يمكنها أن تدفع الخاطفين إلى عمل يائس يضع الكرملين في موقف العاجز.
غير أن المحلل السياسي الروسي ديمتري ماكاروف قال لـ "إيلاف" من المتوقع أن تحدث مفاوضات سرية بشأن بعض المعتقلين فقط من أجل تحرير الرهائن، ولكن السلطات الروسية لن تستجيب إطلاقا لمطالب أخرى. وفي ظل التوقعات والتكهنات تمكن 15 طالبا من الهرب، ولم يتم الإفراج عنهم كما رددت بعض وكالات الأنباء ووسائل الإعلام.
إضافة إلى كل ذلك ما تزال آراء المراقبين مختلفة جذريا حول ما يجري من عمليات في روسيا. ففي الوقت الذي رأى فيه ديمتري ماكاروف أن سياسة موسكو إزاء النزاع الشيشاني لم تفشل، وأن الانفصاليين يحاولون إفشال برامج الكرملين بشأن التسوية السياسية، واستفزاز الأجهزة الأمنية والعسكرية، وجر المناطق الروسية التي يقطنها المسلمون، رأت المحللة السياسية يلينا سوبونينا أن الكرملين لم يفشل فقط في تحقيق برامجه، وإنما هذه البرامج ليست موجودة أصلا لدى موسكو. ولم تستبعد سوبونينا أن تشيع الأجهزة الأمنية الروسية في أقرب وقت ممكن أن فترة الهدوء السابقة كانت نتيجة وقف تمويل الانفصاليين الشيشان، وأن العمليات الجديدة ما ي إلا تجلى لاستئناف بعض الجهات أو الدول تمويل المعارضة الشيشانية.
التعليقات