نبيل شـرف الدين من القاهرة: على الرغم من إعلان القاهرة المفاجئ إرجاء الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها أمس الأربعاء، كل من أحمد أبو الغيط وزير الخارجية وعمر سليمان رئيس المخابرات المصرية إلى الاراضي الفلسطينية والقدس، وذلك في اعقاب عمليتي بئر السبع، فقد علمت (إيلاف) من مصادر دبلوماسية في القاهرة أن الحكومة المصرية أبلغت اسرائيل أنها مازالت مستعدة للوفاء بكافة التعهدات التي قطعتها على نفسها في المبادرة التي طرحتها مؤخراً، على الرغم من رفض مصر لمواقف إسرائيل خاصة حيال استمرار بناء الجدار العازل، لاسيما بعد قرار محكمة العدل الدولية، و"ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وإجراءاتها مع الفلسطينيين في المنافذ والمعابر، ومعاملتها للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لا يمكن السكوت حيالها في إطار التزامات مصر تجاه استمرار عملية السلام، فضلاً عن التزامها التاريخي بالتضامن مع الشعب الفلسطيني" على حد تعبير ذات المصادر المصرية.

جاء ذلك ردا على رسالة تلقتها القاهرة من تل أبيب التي أبدت خلالها استياء مما أسمته أسلوباً جديداً في التعامل معها، تعمده أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري منذ توليه مهام منصبه في منتصف تموز (يوليو) الماضي، حيث استدعى السفير الإسرائيلي لدى القاهرة، ثلاث مرات خلال شهر واحد، وسلمه احتجاجات رسمية على هذه الممارسات والإجراءات من جانب حكومة بلاده، غير أن مصدراً دبلوماسياً غربياً كان قد ألمح إلى أن مصر قرّرت تغيير تعاملها مع خطة فك الارتباط التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون، بسبب مراوحة الخطة مكانها والمصاعب السياسية سواء داخل إسرائيل أو حتى في أوساط السلطة الفلسطينية.

وشهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية سلسلة من الأزمات خلال العقد الأخير إذ عمد رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى اتخاذ اجراءات وممارسات ضد الفلسطينيين سببت حرجا للحكومة المصرية، وأثارت سلسلة من المشكلات على الصعد المحلية والإقليمية، ووصل الأمر إلى أقصى مدى له في الحملة التي أطلقها شارون واحتلال قوات الجيش الإسرائيلي لعدة مدن وحصار عرفات، الأمر الذي أعقبه غضب شعبي في مصر، فخرجت عدة مظاهرات لمدة خمسة أيام متصلة.

ثم تحول الأمر بعد سقوط عدد من الجواسيس وأحدثهم شريف الفيلالي ثم المتهم الذي كشف عنه النقاب في مدينة الإسكندرية، ولكن يبقى أبرزهم الجاسوس الشهير عزام عزام، الذي ظلت إسرائيل تطالب بإطلاق سراحه عدد من المسجونين المصريين في السجون الإسرائيلية، وهو ما رفضته مصر أيضاً رغم الإلحاح الإسرائيلي، ويوجد في السجون المصرية 17 إسرائيلياً محكومين في قضايا تجسس أو تهريب سلاح أو مخدرات أو دعارة.
غير أن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة المصرية بتجميد الاتصالات لا يعني قطع العلاقات، وإن كان من الناحية العملية قد تم تخفيض عدد البعثة الدبلوماسية بشكل كبير، فضلاً عن السفير المصري في إسرائيل تم سحبه منذ أعوام، ولم يتم تعيين سفير مكانه.

آخر من يطبع
وفي اتصال هاتفي أجرته (إيلاف) مع الدكتور مصطفى خليل، رئيس وزراء مصر الأسبق، وأحد مهندسي اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية أكد فيه أن العلاقات بين البلدين قائمة وأن السلام حقيقة على الأرض، وخياراً استراتيجياً، غير أنه استدرك قائلاً إن درجة حرارتهما تختلف من وقت الى آخر، والمحدد الرئيسي في هذا الأمر هو الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي تلقي بظلالها الثقيلة على حجم الحماس أو الفتور في العلاقات الثنائية بين الجانبين، لافتاً إلى أن القيادة المصرية لا تريد الاصطدام بالمشاعر الشعبية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني تلقائياً.

ويعتقد السياسي المصري المخضرم أنه يمكن من خلال قراءة التحركات الدبلوماسية رصد محاولات مصرية لخوض الطريق الصعب، أو بالأحرى عودة الأطراف المتصارعة إلى مائدة التفاوض وإيجاد دور مصري في عملية السلام، باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد الممكن الآن لكافة الأطراف المعنية.

أما محمد بسيوني آخر سفير لمصر لدى إسرائيل، وعضو مجلس الشورى حالياً، فيؤكد أن هناك اتفاقية سلام ملزمة دولياً للجانبين المصري والإسرائيلي، وتتضمن "تنمية العلاقات الثنائية بيننا وبين إسرائيل على مدى التحرك على المسارات المختلفة"، لافتاً إلى أنه "ليس لدينا مانع من إقامة علاقات طبيعية وعودة السفير، خصوصاً أن كل الدول العربية أعلنت استعدادها للتطبيع مع إسرائيل في إطار المبادرة العربية، إذ لم يعد هناك مجال للحديث عن سلام منفرد، فمصر أول من وقع وآخر من يطبع"، على حد تعبيره.

وعما إذا كانت الاتفاقية المصرية ـ الإسرائيلية أضعفت مواقف أطراف عربية أخرى، قال بسيوني، إن "هناك فارقاً كبيراً بين اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة عام 1978 والتي شكلت إطاراً للسلام بين إسرائيل والعالم العربي وبين معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تم توقيعها في العام التالي 1979"، موضحاً أن "اتفاقيات كامب ديفيد رسخت مبدأ الأرض مقابل السلام، ووضعت الإطار العام الذي يتم على أساسه حل مشاكل المنطقة سواء على المسار اللبناني أو السوري أو الفلسطيني وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي ينص على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة".

وكانت مصر قد سحبت سفيرها من اسرائيل في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2000 احتجاجاً على "الاستخدام المفرط في القوة" ضد الفلسطينيين وحصار رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في مقره المعروف بـ "المقاطعة" في مدينة رام الله، ولم تزل تحاصره داخلها حتى اليوم، وتحظر خروجه منها سواء إلى الخارج أو حتى إلى قطاع غزة.