واشنطن تتوسط بين إسرائيل وسوريا والقلق العربي يتنامى
إدارة أوباما تعيد هندسة الشرق الأوسط وتقارب مع إيران

نبيل شرف الدين من القاهرة: بعد انتهاء الفترة الاستكشافية في مستهل عمل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإن ثمة ترتيبات جديدة تلوح في منطقة الشرق الأوسط، ولا تخطئها عين المراقب للتحركات والاتصالات الأخيرة التي لا تقتصر على التقارب بين واشنطن وطهران فقط، بل تمتد إلى دمشق أبرز حلفاء طهران الإقليميين.

في هذا السياق كشف دبلوماسي غربي يقيم في القاهرة عن أن كلاً من مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، ومسؤول ملف الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأميركي دانييل شابيرو، سيحملان خلال زيارتهما لدمشق اقتراحًا بفتح مسار تفاوضي على المسار الإسرائيلي ـ السوري، بالتزامن مع المسار التفاوضي الفلسطيني، ولكن من دون ربط أي من المسارين بالآخر، بمعنى أنهما سيمضيان في خطين متوازيين غير متقاطعين بالضرورة .

وقد أكدت هذه المعلومات تقارير صحافية إسرائيلية، أهمها تقرير نشرته صحيفة quot;معاريفquot;، كشفت فيه عن رسائل سرية بعث بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لواشنطن وعواصم أوروبية تؤكد رغبته في استئناف المفاوضات بين تل أبيب ودمشق بوساطة أميركية .

واكتسبت الزيارة التي بدأها زير الدفاع الأميركي روبرت غيتس لمنطقة الشرق الأوسط أهمية خاصة، فقد وصفها المسؤول الأميركي صراحة بأنها تهدف إلى طمأنة حلفاء واشنطن في المنطقة بشأن بوادر التقارب بين واشنطن وطهران، وهو الأمر الذي أثار مخاوف العديد من العواصم العربية خشية أن يأتي هذا التقارب المزمع على حساب الدول العربية .

ويخلص محللون سياسيون إلى أن أي تقارب أميركي ـ إيراني، لا يضع المصالح العربية في الاعتبار، من شأنه أن يفجر حزمة من القضايا الخلافية بصورة حادة، وعلى نحو قد يضر بالأمن والاستقرار في الإقليم، ويخل بالتوازن الإستراتيجي فيه .

مخاوف عربية

وعلى الرغم من تأكيدات الوزير الأميركي على أنه ليس هناك ما يدعو إلى قلق حلفاء الولايات المتحدة من أي تقارب مع طهران، موضحًا أن من بين الرسائل المهمة التي ترسلها واشنطن لأصدقائها في المنطقة أن أي نوع من التواصل مع إيران لن يكون على حساب علاقاتها، خاصة مع مصر والسعودية ودول الخليج، غير أنه ثمة بعض القضايا الخلافية بين دول الخليج وإيران، مفادها أن السماح لإيران بامتلاك قدرات نووية يمثل تهديدًا لأمن الخليج، على الرغم من أن هذه الدول سبق لها أن عارضت من قبل توجيه أي ضربة عسكرية لإيران سواء من قبل واشنطن أو إسرائيل .

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، إن الدول العربية يجب أن تشارك في أي ترتيبات أمنية أو سياسية مستقبلية، في حال نجاح الحوار الأميركي مع إيران، مشيرًا إلى أن الدول العربية على استعداد للتجاوب مع تغيّر الموقف الإيراني .

المعنى ذاته أكده الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بقوله ن سرعة التقدم نحو حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من شأنها طمأنة الفلسطينيين والدول العربية حول التوجه الأميركي الجديد العام في المنطقة، وعقب اجتماعه بالمستشار الخاص لوزيرة الخارجية الأميركية لشؤون دول الخليج وغرب آسيا السفير دينس روس، قال موسى إن هناك بعض قضايا الحوار الإيراني - الأميركي تخص الجانبين، بينما هناك قضايا أخرى تؤثر في مصالح الدول العربية، وبالتالي هناك ضرورة لأن تؤخذ وجهة النظر العربية ومصالحها الإقليمية في الاعتبار .

ويرى المحللون أن حزمة قضايا خلافية عميقة بين الجانبين الخليجي والإيراني، وأن التقارب الأميركي مع طهران ربما يزيد من تشددها تجاه هذه القضايا، ولعل أبرز هذه القضايا الخلافية هي التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لبلدان الخليج، التي تتهم طهران بتعمد الانتقاص من شرعيتها والعبث بمجتمعاتها .

سوريا وإسرائيل

وتحدثت صحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; في تقرير عبر موقعها الإليكتروني للمحلل، رون بن يشاي، قال فيه إن دمشق تؤكد عدم تفاؤلها بأي مفاوضات مع حكومة نتنياهو، بسبب رغبة سوريا، أن تكون المفاوضات وسط تدخل مباشر من إدارة الرئيس أوباما، وليس عبر وساطة رجل الأعمال الأميركي، رون لاودر، الذي سبق له أن أدار جولات من المباحثات مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد موفدًا عن بينيامين نتنياهو، عندما كان رئيسًا لحكومة إسرائيل قبل عشرة أعوام، في ما توقع دبلوماسيون غربيون يقيمون في القاهرة ـ تحدثت معهم (إيلاف) ـ أن تستضيف واشنطن مؤتمرين للسلام لإجراء محادثات مباشرة بين الساسة الإسرائيليين ونظرائهم من سوريا والفلسطينيين .

وأوضحت المصادر الغربية التي تحدثت معها (إيلاف) أنه في ضوء الرد السوري على الاقتراح الأميركي ستقرر الإدارة الأميركية خطواتها التالية، وإذا جاء رد دمشق إيجابياً ستوفد واشنطن جورج ميتشل في زيارة إلى دمشق لبحث الآليات العملية لذلك .

واستدركت المصادر ذاتها قائلة إن العقبة التي تعترض إعادة إطلاق المسار التفاوضي السوري ـ الإسرائيلي هو رفض حكومة نتنياهو التفاوض من النقطة التي انتهت إليها الجولات السابقة التي جرت بوساطة تركية بين سوريا وحكومة أولمرت السابقة، غير أنها لم تعول كثيراً على التصريحات المتشددة التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان، لأن عملية التفاوض ستكون لها حساباتها الأخرى، ولابد من طرح مواقف تنسجم مع متطلبات السلام الشامل، وهو ما يقتضي إنهاء إسرائيل احتلالها للجولان وحل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على أساس دولتين، مقابل أن تحظى بحق العيش في حدود آمنة ومعترف بها، والتطبيع الكامل بينها وبين الدول العربية .