يوم الاحد بالنسبة للكثير من المسيحيين له مذاق خاص، فرغم ان الكثير من الكنائس بدات باقامة القداديس يوم الجمعة ايضا لانه يوم عطلة في الكثير من البلدان الاسلامية، الا انه يبقى للاحد ذالك المذاق المرتبط بالنهوض باكرا وبارتداء افضل الملابس وتلك البسمة المرافقة للوجه الذاهبة لسماع كرازة الاحد من الانجيل او لتناول القربان المقدس، مشاركة بالام السيد المسيح وامتثالا لما قاله وبشر به تلامذته. الذهاب الى الكنيسة في الموصل او في القرى المجاورة لها لم يكن وليد اليوم بل هو مستمر منذ ان وطأت المسيحية قدميها على هذه التربة في نهاية القرن الميلادي الاول، ولكن الكنيسة ستكون فارغة هذا الاحد، فالناس في حالة رعب من اظهار او التنبيه لما يعتقدون، ان كنائس موصل فارغة ايها السادة واهلها هاربون ومنازلهم اما فجرت او تحولت ماوى لقطط خائفة او كلاب سائبة.

من الاسابيع الصعبة التي مرت على مسيحيي العراق، كان هذا الاسبوع احداها، فخلال اقل من اسبوع تم اغتيال اربعة عشر مسيحيا في مدينة موصل عاصمة محافظة نينوى، وكان من ضمن القتلى طفلان وشخص معوق اعاقة جسدية قتل في محل عمله. وخلال نفس الفترة تركت الموصل ما يقارب الالف وماتني عائلة حسب اخر احصائية نشرها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري قبل فترة من الان الى بلدات وقرى منطقة سهل الموصل ودهوك وقرى اخرى، علما ان الفارين من مختلف احياء الموصل، بما يعزز الانطباع ان هناك حملة لاخلاء الموصل من سكانها الاصليين، لان المسيحيين هم اقدم مكونات الموصل.

برغم وضوح ان الحملة هي تكرار لحملات سابقة غايتها تصفية مسيحي العراق، الا انه يبقى لنا امل كبير في حكوتنا الرشيدة التي تلقي اللوم على الارهاب وتكتفي من الغنيمة بالمراقبة لعل الارهاب القاعدي يتمكن من تخليص العراق من فئة ما لكي يتخلص من ايجاد حلول لمشاكلها، فالحكومة صارت تدرك ان مشاكل العراق كثيرة ولا حل الا بتخليصه من بعض الاطراف التي لها مطالب ومنهم المسيحيين والشبك والازيدين والمنائيين وبهذا فالمشاكل ستقل كثيرا، وغدا لن تجد الحكومة في حل مشاكل الاكراد الا بالتخلصل منهم، وبعده قد يتمكن السنة من التخلص من الشيعة او بالعكس، وبهذا ستقل المشاكل كثيرا وسيكون العراق مثالا للبلدان المستقرة الهادئة والتي لا يذكر اسمها في الاخبار العالمية الا ما ندر، لانه لن يكون فيها ما يهم الاخبار العالمية التي يثيرها اخبار القتل والتفجير والحرق والسلب والاغتصاب.

نعم ايها السادة منذ اكثر من اسبوع بدات الدلائل تظهر على ان هناك حملة لاستهداف المسيحيين والكل ساكت، فالحكومة تعرف ان حملتها لاستباب الامن في الموصل قد فشلت وبعض اطراف الحكومة القى اللوم على عدم تعاون اهل الموصل، بدلا من تحمل المسؤولية كما يفترض برجال الحكم، فلا احد يطلب تعاونا من من وضع المسدس على صدغه، فاغلب اهل الموصل رهينة للارهابيين يريدون تخليصهم منهم فهل نطلب من الرهينة التعاون ام نعمل على فك اسره؟

المسيحيين والمكونات الاخرى التي لا تمتلك مليشيات مسلحة تتعرض اكثر من غيرها نسبة الى اعدادها لحملات القتل والتشريد والابتزاز، وهم اقل الفئات العراقية تاثيرا على السياسة اليومية للبلد او على مستقبله، فحتى لو افترضنا انهم مؤيدين للتحالف او الاحتلال بمصطلح التكفيريين ام المقاومة او اي شئ ترغبون، فان هذا التأيد لن يفيد احد لانهم ديموغرافيا مشتتون وهم مكونات قليلة العدد بما يجعلهم يدركون انهم سيكونون مستهدفين من قبل الكل. ان التجربة علمتهم ان السكوت هوافضل الحلول لحين مرور العاصفة، ولكن السؤال الى متى السكوت، فالاضظهاد لا يطالب فقط الجزية والاموال والتمثل بالسائد واحترام الشخص الاكثري وعدم استفزازه في صومه وصلاته وذهابه وايابه، بل هم تعلمو ا الوقوف احتراما وتكرار سيدي مرارا ولكن الان يطلب منهم ارواحهم، لانهم يريدون الاستيلا على كل شئ وباسرع ما يمكن.

في هذا الوضع المزري والمتكرر منذ سنوات، فالنظام السابق دمر قراهم وهدم كنائسهم والحالي او اطراف منه شاركت في تصفيتهم سواء في الجنوب او الغرب او في الشمال وبالاخص في الموصل، تبقى الشكوى لغير الله مذلة، وتبقى مسؤولية الاحزاب والمؤسسات النابعة من المجتمع وهي الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية مطالبة بخطوات جدية اكثر في اتجاه ترسيخ وجودهم وتقويته وزالة الوهم السائد من ان المسيحي باقل خوف يترك كل شئ ويهرب، فالوقت صار وقت العمل، ولن نقول الوحدة فالوحدة اقل ما هو مطلوب اليوم، لانه امر لا يقبل المناقشة، بل ترسيخ المطالب السياسية والعمل على ترجمتها على الارض، والعمل على تقوية المجتمع بتقوية اواصر التلاقي بين كل مكوناته وترسيخ مفهوم الامن الجماعي للكل، فالتهديد يطال الكل، فتجربة سميل لعام 1933 يجب ان تكون واضحة، عندما خدع البعض بان من يمنح ولائه للحكومة فهو امن، وكانت مجزرة ذهب ضخيتها الكل ولم يفرق المجرمون بين موالي ومعارض، واليوم فالارهاب ومن يدعم هذه العمليات لا يفرق بين هذا وذاك، فالكل عندهم مسيحيين يجوز قتلهم. اليوم يجب ان يكون شعبنا محصنا امنيا، فلا يجوز ان يتمكن الارهابي وافكارهم وتهديداتهم من المرور داخل المجتمع، على الجميع ان يدركوا ان السكين التي يقتل بها اخاه اليوم ستكون يوم غد على رقبته.

ان التغني بالديمقراطية ودولة القانون لم يعد يسرنا ويجب ان لا يسرنا، فالديمقراطية هي ان نطعم من ثمراتها ايضا، وان نشاهد ونرى حقوقنا متجسدة في قوانين ودساتير البلد، فالديمقراطية والحرية تعني لي ان اتمكن من العيش انا ايضا بحرية وان اتمتع بمنافع الحكم المستند الى الاليات الديمقراطية، وان يتم الاعتراف بتمايزي وبحقي في اظهار هذا التمايز وهذا الاختلاف. فالغناء ومدح الحديقة العراقية المليئة بازهار مختلفة الالوان والعطور، لم يعد يفيدنا ولم يعد يفعل فعله فينا، فاللون الوحيد الذي بتنا نراه هو اللون الاحمر، لون دماء شهدانا، ولون اكفهرار الاوجه الحاملة لسنينها وشقاء السنين على ظهرها هاربة من القتل المتربص بهم في كل دقيقة وفي كل زاوية.

حلموا يا ابناء اشور ونبوخذنصر وشليطا ومار بنيامين الشهيد، حلموا الى العمل من اجل صون حقوقكم وخذوها باليد وبالفاس وبكل ما يطال اليد، فكفانا عبودية خوف كل فتوة تاتي من جاهل او حاقد، وتحمل نتائجها، اليوم مطلوب منا ان نعمل من اجل ان لا تكون بعد الان ردود افعالنا هي الهروب والخوب، بل ان يحسب الاخرين لها الف حساب وعندها فلن يقدم اي احد على قيام ولو بتهدي اجوف ضدنا.

تيري بطرس

[email protected]