(3)
البذاءة واللعن
من الظواهر السيئة التي تعود عليها المغنون هي الغيرة من بعضهم البعض، ليس من اجل التنافس لتقديم الافضل، بل من اجل تقديم الاسوأ وتقليد الكلمات ذاتها التي يرددها غيره، فما ان تظهر اغنية تحمل مفردة معين حتى تسابق المغنون اليها، فالبعض يعتبر الكلمة الغريبة راسمالا سحريا للوصول الى الناس، كما ان هنالك صورة غريبة في كلمات الاغاني تمثلت في (اللعن) ضد من يحبون كعبارة ربما يعتقدون انها غزلا شفيفا، وقد درج على هذا العديد من هؤلاء المغنين الذين اعتقد انهم يستجدون المفردات هذه من مؤلفها مع رغباتهم انها (طاكة) وهي اللهجة السائدة بينهم.
وقد استوقفتني كلمات اغنية لمغني اسمه عادل جواد، يردد كلمات لحيبته يقول فيها (بتل البتل.. ) وانا على يقين انه لا يعرف معناها مطلقا، وانه مجرد ان اقترحا عليه المؤلف قبلها، والكلمات قبيحة جدا وهي شتيمة سيئة يراد بها القول (بنت الـ.....) اي صفة سيئة تلصق بها، ومخدشة للحياء على الاغلب، (بت البتل.. اليوم الا اذبح واكتل، واحرك اهلك واصلخ واجرم )، وهذا يعني انه ليس فقط فيها شتائم بل ذبح وقتل وحرق لاهلها وصلخهم، ومن ثم يتباهى ان (اجرم)، وكما يقال عن الاغنية في مواقع الانترنت انها عبارة عن (تحشيشة) ويتم تناقلها لهذا السبب فقط، وهذا يعني ان هنالك من يحاول العبث لا اكثر، تسفيه لغة المشاعر الجميلة وخلق (لغة) تافهة لا تستخدم الا للاسترزاق المخزي، حيث ان المغني لايريد سوى ان يتميز على مبدأ (خالف تعرف)، والطريف ان مغني اخر اسمه اوراس ستار اعجبته (البتل) واخذها الى ما تسمى بالاغنية (عافتني بتل البتل)!!، وهو هنا يسب بشكل واضح سباب شوارع صبياني، عادل جواد له اغنية بعنوان (لا مو من باجر من هسه/ كلمن ياخذ قلبه وينسه) يقول في احد مقاطعها : (همزين الله طلعت منك / چنت أتمنى اخلص منك) ويقولها وهو مزهوا بما يقول طبعا، اي غرام هذا، اي ضحك وسخرية من كلمات ما اراد مؤلفها الا ان يملأ فراغ فيها، ولا تنم الكلمات عن اسفاف او سطحية في المشاعر بل عدوانية في السلوك، فهو خال من اية لياقة يمكن ان تكون في الكلام العادي بين اثنين وليس في اغنية، اما اوراس فلديه اغنية مخزية والمصيبة انها كما يقول رياضية والرياضة براء منها مثل الاغنية فهو يقول : (يله سويهم فلم.. خصمك حديقة للعلم) من القراءة الاولى يتضح الاسفاف، وبالمناسبة هو هنا يستخدم مصطلح (حديقة) وهو من مصطلحات (الحواسم) سيئة الصيت التي اصبح لصيقا بالمجتمع بعد سقوط النظام السابق، ومصطلح (حديقة) تعني في قاموس (الحشاشين) الذي ليس لديه شيء، وهي (لغة) منحطة جدا ومبتذلة، (لغة) شوارع خلفية لاتصلح للحديث اليومي العادي وليس الغناء، ولا اعتقد ان عاقلا ممكن ان يتلفظ بهذه الالفاظ ويقول انها رياضية او غير رياضية.
ومن غرائب الاغنيات هو اللعن الذي انتشر في اوساط المغنين وهو كثيرا، اي الدعاء ضد المحبوبة، ولا يمكن تفسير ذلك الا بوجود عقدة نفسية لدى المغني اة قبله مؤلف الاغنية الذي من وساوس نفسه الامارة بالسوء تجده يلعن او يدعو الله عليها مثلما متداول في المفهوم الشعبي، فهذا صديقي حسن الرسام في اغنيته (زاعلتيني ومازاعلتچ.. عذبتيني وماعذبتچ) يقول وكأنه فقد صبره (طگت روحي وما أتحمل) ثم يهدر بكلمته الساحقة الغريبة (.. موتتيني الله يموتچ) ولكم يكتف بهذا بل يتعدى الى ابعد من ذلك حين يقول بغضب عارم : (الله اكبر موتتيني.. عساها بحظچ وببختچ)، ومن اية زاوية لا يمكن القول ان الكلمات تصلح للغناء الذي هدفه ليس هذا ولا فحواه ولا معناه، اما المغني صلاح البحر فهو الاخر لا يجد الا ان يسلك الطريق ذاته في احدى اغانيه ولا يرعوي في ان يرمي محبوبته المفترضة بكلمة قاسية وهي (الله لا يرضى عليك)، هل يوجد في العالم محب يقول لمحبوبته مثل هذا الكلام : (كل عذاب البيه منك / كل جروحي من ايديك / كرهتني بالمحبة الله لا يرضى عليك)، والكلام كثير ولا ينتهي عن اغنيات المغنين المتعبة بكلماتها.
من خلال قراءة بسيطة في ما يغنيه المغنون، نحصل على فكرة انهم غير واعين للكلمات التي يغنونها، ليس لديهم الثقافة الكافية لمعرفة الجيد من الرديء، والذي يصلح للغناء والذي لا يصلح، فالامر لديهم مجرد (هوسة) او مثلما يقال (على حس الطبل) والطبل هنا ما يقدمه الاخرون من غث يتأثرون به سريعا ولا يتورعون في ان يطلبوا من مؤلف الاغاني ان يكتب لهم حسب الافكار التي يريدونها.
ومن الغريب ان يشمل الكلام مطرب تخرج من معهد الفنون الجميلة مثل حسام الرسام، الذي نعود اليه لنتناول واحدة من اغانيه الشتائمية الغريبة والتي عنوانها (الا أكسر خشمها العالي)!!!، اي عنوان هذا وكيف انه اختاره ليكون مثيرا ومسترعيا للنتباه، واية اغنية من الممكن ان تحمل مثل هذا الكلام، الاغنية التي نصفها مثل وردة نديه، كيف يمكن ان تحتمل ان يقف عليها خفاش الليل او قنفذ!!، وها هو حسام الرسام يرسم لوحة لاتطيقها العين : ( الا ابيجيها وتجي تتوسل.. الا اخليها بعد ما تزعل) وهذه كلمات معناها واضح استخدام للعنجهية، اي حب هذا الذي يعلن فيه الحبيب مثل هذا الكلام والمفروض ان يكون العكس، والا هو حب بالقوة او حب من طرف واحد، والغريب يجيء في المقطع التالي : (الا اموتها علي من القهر.. الا اموتها علي من القهر) يعني انها تحبه، عجيب ان يقابل حبها له بالغطرسة، والاسوء في المقطع الثالث حين نعرف اصل المشكلة وهي انها تتدلل عليه ويبدو ان مؤلف الكلام ومثله المغني متعجرفان كي يرفضا ان تتدلل الحبية : (اتوب حتي وبعد ما تدلل) والاسوء جدا هو ما يقوله عنها (وينكسر هذا خشمها العالي)، فالاخ يحاول ان يرتكب جريمة وان كانت معنوية، وربما هذا من فرط الحب والغيرة التي يبديها، وهنا لا اجد اسوأ من غناء كله رجم للحجارة وضرب للمحبوبة واقامة علاقة مبنية على التحدي والوعيد والتهديد.
ومثلما صار يتناسل لقب الرسام، هناك مغني اسمه كاظم الرسام، ويجوز ان هذا مو ليس اسمه بل مستعار من اسمي كاظم الساهر وحسام الرسام، المهم عنده اغنية كتب كلماتها له ضياء الميالي ولحنها نصرت البدر، استخدم مصطلح شوارعي (قافل) وجعل الاغنية تتميز به فراح يقول (الكون من شافج قفل)!!، لا اعرف ماذا يقصد وكيف ان الكون عندما شاهدها (قفل) هل غابت الشمس ام افل القمر مثلا، ثم يقول متواصلا على اساس ان السطر الاول مفهوم (واني هم قافل عليج)، كلام ساذج مضحك، لا.. انه (يخرب يضحك) انه كلام بلا معنى، والاخ (قافل).
اما ذلك المغني الذي اسمه عماد الريحاني فشيء غريب فعلا فلا تدري اي زهو هذا الذي هو فيه حين يصرخ بأعلى صوته بكلمات ليوسف السوداني والحان علي صابر (اشوكت يطلع حبيبي / نايم ابيته) ما معنى هذا واي ابتذال ان يصرخ احدهم في الشوارع ان حبيبه نايم في بيته، فهو يعطي خبرا، او ربما يستنكر عليه ان ينام في بيته، ثم يقول بعد ذلك وهو يعلن انه (سبه الناس بجماله) : ( المايباوع لازم يباوع ) اليس غريبا مثل هذا الكلام الطفيلي المليء بالابتذال والهوس لاسيما ان الاغنية بلحنها عبارة عن هوس وكأن من في الاغنية تحت تأثير مخدرات!!.
ويأتي دور المغني محمود الشاعري ليغني من كلمات عدنان هادي وضياء الميالي والحان نصرت البدر، ويبدو انه درب الشتائم قد اعجبه واخذ يجمع ما تناثر عليه من خزعبلات عسى ان يكون مشهورا، ربما لانه يعتقد ان اقرب الطرق الى الشهرة هو درب الشتائم والسباب والكلام المليئة بالقبح، فهو في اغنيته (شلون دنيا) يتلفظ بألفاظ مذهلة، غير قابلة لان تقال همسا وليس غناء وعلى مسمع من الناس، وهو يقسو على (حبيبته) طبعا بما لذ وطاب له من الالفاظ الفضائحية الشاهقة بعفونتها، فههو يستهل (مقامته) بـ ( هيه هاي شلون دنيا / انت تتكبر عليه / نسيت نفسك من اجيك / دگوم تاخذلي تحيه)!!!، اية عنجهية وغطرسة لمحب، ولا يمكن طبعا ان يكون محبا، انه يحتقر كل مافيها، يحاول ان يسحقها بالجبروت الذي لديه ويتصور قدرته عليها بكلمات بذيئة ومرعبة لا تحمل اية انسانية، ومن الممكن ان اترك للاخرين التعليق على بقية الكلمات : (چنت من تسمع بأسمي دگوم تتراجف خطيه /مو افضحك واحچي كلشي چنت حتى تبوس ايديه/والله اذا طخت براسي منين ما جبتك ارجعك/يابه وانت هيچي ويايه تحچي عينك بعيني تصير/همداها شلون دنيــــــا وك خلت الحافي نبيل/جان صوتك كوه يطلع من تجي توكف مكانك/هسه صار لسان عندك مو اجي واكطع لسانك)، والسؤال هنا : هل هذا مطرب؟، اذا كان حسام الرسام (يكسر خشمها العالي) فمحمود الشاعري يريد ان يقطع لسانها، مع كل ما حاول معها من فضح للعلاقة بينهما وهي صور سيئة للغاية ولا يمكن ان تمت لها علاقة بالغناء لا من قريب ولا من بعيد.
عبد الجبار العتابي
التعليقات