تناقل الكثير من المواقع الإليكترونية، وعلى نطاق واسع في الآونة الأخيرة، ما قيل أنها قائمة لكتاب عرب يتقاضون رواتب من وزارة الخارجية الإسرائيلية، لقاء مقالات يكتبونها يتبنون من خلالها، وجهة نظرها، ويدافعون بها عن إسرائيل. وقد قام غير موقع، وصحيفة، بنشر تلك القائمة والتعليق عليها، في تبنِ ضمني لما جاء فيها. وقد كان لكاتب هذا السطور، كما لغيره من الكتاب السوريين، quot;شرفquot; الذكر في تلك القائمة التي بدت بعض الأسماء فيها، كما المواقف، متناقضة، متنافرة وغير منسجمة، ولا يوجد أي رابط ولا ناظم في تلك القائمة، اللهم سوى الغباء، والسخف، والاستخفاف بعقل القارئ، الذي نجزم بأنه أذكى بكثير من تقبل تلك المزاعم والفبركات. والموضوع بحد ذاته لا يستأهل الرد، أو نفيه، فهو ينفي ذاته بذاته، ومن ضمن نصه، وأعتقد جازماً، أن جميع قراء هذا الخير هم أذكى بكثير مما يعتقد هؤلاء المفبركين ولا تنطلي عليهم هكذا أزعومات، غير أن هناك بعض النقاط التي يتوجب ذكرها على هامشه، ومنها:
أنه لا يوجد وزارة خارجية في العالم، أو جهاز أمني في العالم، ينشر أسماء عملائه ويشهر بهم بهذا الشكل وهم لا زالوا على رأس عملهم وquot;بالخدمةquot;، وستكون عندها وزارة الخارجية الإسرائيلية وكالة من غير بواب، وأي شيء آخر باستثناء وزارة للخارجية من المفترض أن تحيط أعمالها ونشاطاتها quot;الخاصةquot; بأعلى درجات السرية والكتمان، وللعلم فإن هذه الوزارة التي دوخت الأعاريب، من يوم يومها، ليست بالقطع على تلك الدرجة من السطحية والضحالة وسهولة الاختراق والغباء الشديد.
كما استرعى الانتباه، كما الاستغراب غياب أسماء لكتاب معروفين أعلنوا صراحة، وعلناً، تأييدهم لإسرائيل، كذاك الذي كتب، مهللاً، في أول يوم للعدوان، quot;إسرائيل تسحق عملاء إيرانquot;. وأيضاً، غياب لافت لاسم دكتور أردني مقيم بأمريكا، يعلن، وعلى النقيض، وعكسنا بالمطلق، وبملء الفم ولاءه لأمريكا ولإسرائيل، وعداءه لحماس والمقاومات الأخرى وشماتته بقتل الأطفال ويعتبر في نظر كثيرين أكثر صهيونية من المغفور لهما بإذن الله تعالى، تيودور هرتزل، والصهيوني الأوكراني الأصل زئيف فلاديمير جابوتنسكي نفسه quot;ملهم الليكودquot;، ونفس الأمر ينطبق أيضاً على دكتورة سورية- متأمركة رفضت إدانة العدوان، وبررته، وتزور إسرائيل باستمرار وتجري لقاءات مختلفة مع وسائل إعلامها، وشمتت علناً بأمهات الشهداء والضحايا من منتجعها الساحلي في أحد quot;الدواهيquot; الأمريكية. وهذا يدل على أن من أصدر تلك القائمة لا يلم حقيقة بأي شيء مما يجري، ولا بمواقف الكثيرين وتوجهاتهم الحقيقية. ولولا أن هذه القائمة مزيفة ومفبركة، ولو كانت بعض من هذه الشخصيات التي ذكرتها للتو ومن على شاكلتها، على الأقل، من ضمن قائمة quot;الشرف الصهيونيةquot; لآمنا وصدقنا، ولكان فيها الكثير من المصداقية والحجة والمنطق، وكنت أنا نفسي سأبادر إلى تصديقها أول الناس، وأبصم عليها بالعشرة، ولكن غياب تلك الأسماء بعينها يجعلها عسرة، وعصية على الهضم، كما الفهم.
ومن فترة قريبة، أيضاً، فبرك أحدهم خبراً في موقع النداء الناطق باسم المعارضة القندهارية السورية، التي بشرتنا سابقاً، في إعلانها التاريخي الملهم الشهير، وبعد سنوات من النضال الوطني الديمقراطي الملهم العظيم بضرورة وصاية الأكثرية على الأقليات السورية، ولاعتبارات تاريخية وعنصرية فوقية، وبكثير من quot;االتسامحquot; والدعوة الإذعانية لتلك الأقليات البائسة للقبول بوصاية الأكثرية على نمط دفع الجزية وهم صاغرون، نقول فبركوا خبراً، ونشروه في موقعهم، عن اجتماع لبعض الكتاب، ومن ضمنهم أيضاً كاتب هذه السطور،(ماذا سيحمل ليحمل المسكين؟) في أحد الأفرع الأمنية السورية للتصدي لما قال للمعارضة السورية، وكأنها-المعارضة- قوة يحسب لها أي حساب، ولتشويه سمعتها، وكأنه ينقصها أن تشوه سمعتها، بعد مواقفها المريبة من احتلال سورية، وتصريحات رموزها للاستقواء بالخارج الأمريكي، وإعلاناتها الطائفية المتكررة. فالقارئ السوري أمانة في أعناقنا جميعاً، ويجب إرشاده لأي من الخبرين سيصدق. ومن عدم اللائق والجائز تضليله بعد اليوم، فيكفيه ما عانى من خداع وتضليل، ومن أكثر من جهة، وعلى غير صعيد.
نتفهم قيام بعض الكتاب الكويتيين، والعرب الآخرين، ممن وردت أسماؤهم بالقائمة، باتخاذ مواقف هم أدرى بها، نكاية ببعض الفلسطينيين ممن أيدوا، في زمن ما، الغزو القومي البربري للكويت، وقد تكون مواقفهم في إطار عملية quot;رد للجميلquot; لدول quot;الضدquot;. ولكن يجب ألا يؤخذ أحد بجريرة أحد، وهذا يجب ألا ينسحب على كل من كان له موقف، ولأي سبب كان، سياسياً، أم فكرياً، من حماس، فالاختلاف، والتباين في الرأي، والمواقف هو من طبيعة الوجود وكنه الحياة، رغم أننا وجدنا أنفسنا، إنسانياً وفطرياً ومنطقياً، في نفس الموقع الذي تقف فيه حماس.
لا نخفيكم أنني كتبت ذات يوم، ومن حوالي الثلاث سنوات، مقالاً، بعنوان: quot;هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟quot;، وقد وجد طريقه فعلاً لموقع الخارجية الإسرائيلية، شأنها في ذلك شأن مواقع وجرائد ورقية وإليكترونية أخرى تنشر من وقت لآخر بعضاً مما نكتب، كما نشر موقع ميمري الإسرائيلي أو الذي يمتلكه إسرائيلي كما يقال، مقتطفات من حلقات متلفزة كنا أجريناها في غير مكان مع ترجمتها نصياً، وفي المقال المذكور الكثير من التهكم، والسخرية، على حال العرب وما آل إليه وضعهم من تفكك وتشرذم وضياع، وأنه لولا إسرائيل لفتك العرب ببعضهم البعض، وانتهى الأمر عند هذا الحد، ولكن هذا لا يجب أن يكون مدعاة لتضخيم الأمر والبناء عليه بذاك الشكل التهويمي التهويلي المفضوح. والمقال كتب أصلاً للقارئ العربي، وليس للإسرائيليين، وكل ما أعرفه من العبرية هو كلمة شالوم، وعليكم جميعاً الشالوم ورحمة الله وبركاته.
وإذا كان من الممكن للمخابرات السورية بشهرتها الأوسع وقوتها الضاربة المعروفة وتغلغلها الكبير في عمق المجتمع السوري ومفاصله المختلفة وبالشكل الملموس للجميع، أن ينطلي أو يخفى عليها أمر كتاب سوريين يعملون كل تلك السنوات لصالح دولة العدوان والاحتلال الأولى في العالم، أو إذا كان عمل وزارة الخارجية الإسرائيلية ونجاحها وquot;انتصاراتهاquot; الدبلوماسية، تتوقف على دعم ومؤازرة هؤلاء الكتاب، أو إذا كان أي جهاز آخر في العالم يتوقف وجوده على مجموعة من الكتاب وأصحاب الرأي، فسحقاً لها من أجهزة، ولا بارك الله لا فيها، ولا بتلك الوزارة، ولا بالدول التي تأويها، ولا بالأمن إذا كان على تلك الدرجة من الغفلة والسهو، والتجسس والعمالة تجري من تحت قدميه دون أن يشعر بها.
وإذا كانت هذه القائمة صحيحة وموجودة فعلاً، من جهة أخرى، فتهدف في الحقيقية إلى تجميل وتكريم وتبرئة دولة القتل والإجرام كونها تهتم بالرأي والفكر والإنسان بشكل عام وهو أمر جد خبيث وماكر. كما أن الأمر ينطوي على إيجابية أخرى من الواقع والمبدأ أن يتم الاهتمام، بالكتاب وبآرائهم وكتاباتهم، وستكون تلك، وبحق، واحدة نحسبها لدولة العدوان البربري، وليس ضدها، ولكن ذلك quot;بعيدquot; عن بوزهمquot; وشوارب جنرالاتهم القتلة، وهذا أمر غير واقعي، وحاشاهم. فهم لا يقيمون وزناً لا لفكر ولا لرأي، أو لأية قيمة وفكر ونبل وجمال، وليس من صفات البرابرة ومن خصال بشر امتهنوا القتل والإبادة الجماعية الاهتمام بأصحاب الفكر والرأي والكتاب، ولا أعتقد أن مقالاً ورأياً لكاتب quot;درويشquot; ومتعيش quot;زي أحوالناquot; يهمهم إلى هذه الدرجة.
واذا كان الخبر صحيحاً، أيضاً، وأيضاً، فمن هنا يتوجب علي شخصياً، شكر الخارجية الإسرائيلية علناً، وأحيي فيها هذا الموقف النبيل والحيادي رغم أننا خارج المشروع الصهيوني كلياً، وطالما أنها تهتم بكتاباتنا ومقالاتنا وتروج لأفكارنا الموؤودة، وعلى عكس إعلامنا ومنابرنا quot;الوطنيةquot;، موالاة ومعارضة، التي تهمشنا وتعتم علينا وتفرض نوعاً من حرب الإبادة الفكرية، والحصار الشديد على ما نكتب وتعاملنا كالجرب والبرص والجذام. ومن هنا أتوجه بالطلب الى موقع الخارجية الإسرائيلية والأمريكية والصومالية والإثيوبية والبنغالية والسيريلانكية على مزيد من الاهتمام بآرائنا ومقالاتنا والعمل على نشرها كلما سمح لها ذلك، في الوقت الذي لا يعيرنا فيه أبناء جلدتنا أنفسهم أي اهتمام. كما يتوجب توجيه شكر خاص لكل من ساهم في كتابة هذا الخبر، وصاغه، ورفـّعنا بموجبه إلى درجة السفير، ونحن الذين لا نحلم حتى اليوم، في أوطاننا، بمنصب نائب ثان لبواب، أو مساعد رئيس أركان فراش على عتبه هذا المسؤول، أو ذاك الوزير والسفير.
وأخيراً، وليس آخراً، يلاحظ إقحام أسماء معظم الكتاب السوريين تقريباً، إن لم نقل جلهم، من المشمولين بقائمة الشرف الصهيونية هذه، وبخبث باد، كأبي حسن، وجهاد نصرة، ولؤي حسين، ومحسوبكم العبد الفقير لـquot;وزارة الخارجية الإسرائيليةquot;، بذاك الاستغفال، ليكونوا هكذا، وبالمصادفة، ويا سبحان مقسم الأرزاق، من مكون سوري اجتماعي بعينه، وهو أمر قد، يخفى، وقد لا يخفى، على البعض، وفهمكم كفاية، والبركة، كل البركة فيه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم جميعاً، وكل الرجاء، والأمل والمنى، في المستقبل القريب، ولا مانع لدينا لكل المبدعين والمفبركين أن ينشروا ما يحلو لهم، لكن بشرط واحد وحيد، هو أن يتحلى بأدنى درجات المعقولية، ويحترم أدمغة من يخاطبهم، وقابلاً، أولاً وأخيراً، للتصديق.