الشيء بالشيء يذكر، فطالما تحدثنا في المقال السابق عن مرتزقة الإعلام العربي؟، يجب أن لا نغفل عن مرتزقة الإعلام الكردي الذين أعتبرهم أشد فتنة وأكثر فسادا من بعض الكتاب والصحفيين العرب الذين يستغلون الفرص لقبض ثمن خيانتهم لشرف المهنة التي اؤتمنوا عليها، فكما قال السيد المسيح quot; لماذا تنظر القذي الذي في عين اخيك وأما الخشبه التي في عينك فلا تفطن لها؟ quot;..


فالمرتزق العربي يأتي الى كردستان فارغ اليدين والجيبين ليستكرد بعض قادتها ومسؤوليها من ذوي الكروش المنتفخة بالسحت الحرام، ثم يعود بحقيبة دبلوماسية مليئة بالأوراق الخضراء بعد أن يكون قد أشبع بطنه وغرائزه، ولكن مرتزقة الإعلام الكردي لا تشبع غرائزهم ولا بطونهم، فهم كالشياطين يأتوننا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ليقتسموا القوت المسروق من أفواه الشعب مع أولياء نعمهم، فإذا كانت الصحافة هي أداة التعبير عن معاناة الشعب، فإن هؤلاء المرتزقة يسخرونها لخدمة السلطة وقهر الشعب.

هذا كبيرهم يقول quot; ان العمل وفق آلية محددة ومخططة من قبل الحكومة ومؤسسات الاعلام سيخلق أرضية مناسبة أمام الإعلام في إقليم كردستان، لأن الاعلام يمكنه أن يلعب دورا مهما بالتعاون مع الحكومة لتحديد النواقص وسبل معالجتهاquot;. ويقول في مكان آخرquot; على كوادر الاعلام في حدود أربيل بناء علاقات جيدة مع المؤسسات الحكومية والتعامل مع هذه المؤسسات بشكل جيد، وضرورة أن تعمل الوسائل الاعلامية باتجاه بناء الثقة بين الجماهير والحكومة وليس العكس كما تقوم بعض الصحف quot;؟؟!!!!!.

هذه دعوة صريحة من كبير الجوقة الإعلامية لتسخير جميع الأقلام المأجورة لخدمة سلطة فاسدة هو أحد أطرافها، وهي سلطة بعيدة كل البعد عن هموم الجماهير المكتوية بنيران الأزمات المعيشية وبالفساد المستشري في أوصالها الى حد النخاع.
ولا أدري هل أن حكومة إقليم كردستان التي تصرف ملايين الدولارات لشراء أقلام وضيعة ترتهن كرامتها لأجل حفنة من الدولارات المسروقة، هي بحاجة فعلا الى كوادر إعلام هذا الحزب لتعمل على بناء الثقة بين الجماهير المغلوبة وبين حكومة فاسدة؟ أم أن تلك الدعوة كغيرها quot; مدفوعة الأجرquot; على شواطيء أسطنبول التركية التي إعتاد كبير الجوقة أن يرتادها في رحلات الإستجمام والترويح بصحبة العاملات ضمن جوقته الإعلامية؟؟!!!.

في منتصف التسعينات عندما كان الحزبان الكرديان يتقاتلان على موارد كمركية وضرائب مفروضة على المواد الغذائية في زمن الحصار الجائر، وعندما كان ذلك الصراع العبثي السخيف يحصد رؤوس المئات من أبناء هذا الشعب، جاء وفد كردي يرأسه صديق لي بتكليف من السيدة دانييل ميتران رئيسة منظمة فرانس ليبرتي لبذل جهود الوساطة لأنهاء ذلك الصراع العبثي، خصوصا وأن القتال الداخلي الذي نشب في أحلك أيام الشعب الكردي قد أضر كثيرا بسمعة هذا الشعب المضطهد المقهور ما دعا بأم الأكراد السيدة ميتران الى أن تتدخل لوقف نزيف الدم الجاري فأرسلت وفدا يمثلها الى كردستان، وبعد عدة أيام من وصول الوفد وعقده سلسلة من اللقاءات مع قادة الحزبين المتناطحين، زرت رئيس الوفد لأستفسر منه عن النتائج التي توصلوا إليها في مهمتهم الإنسانية، فسألتهquot; الى أين وصلت جهودكم للوساطة؟. فرد علي قائلا quot; لقد تمخضت جهودنا عن زيادة 8 كيلوغرامات في وزني؟؟!!.


إستغربت هذا الجواب فسألته ثانيةquot; ماذا تقصد بذلك؟!. فقالquot; نذهب الى قيادة هذا الحزب فيقيم على شرفنا المآدب تلو المآدب صباحا ومساءا، فنأكل ونشرب لعدة أيام ثم يصرفوننا خالي الوفاض، ثم نلتقي بقيادة الحزب الآخر فيقيمون نفس المآدب وبشكل أكثر بذخا على عناد الحزب الأولاني، فنأكل ونشرب حد التخمة ثم يصرفوننا كالحزب الآخر، وعندما كنا نفتح معهم موضوع هذه الحرب اللعينة كان القائد الفلاني يطالبنا بإعادة تلك التلة أوإخلاء تلك القرية من مسلحي الحزب الغريم،عندها تأكدت بأن قادة هذين الحزبين يعيشون في واد والشعب في واد آخر،فلم أجد غير أن أجمع حقائبي وأعود من حيث أتيت بخفي حنينquot;؟؟!.

إذا كان الشعب في تلك الظروف الحرجة من تاريخه يعامل بمثل هذا الأسلوب من التهميش والإهمال بسبب بضعة ملايين من دولارات الضرائب الجمركية، فكيف الحال واليوم يتسلط نفس الحزبان على مقدرات كردستان ويقتسمان سنويا مليارات الدولارات يصرفان جزءا عزيزا منها على آلتيهما الدعائية المضللة؟؟!!.

قال لي صديق عائد من إحدى الدول الأوروبيةquot; عندما كنت هناك في أوروبا وأنا أتفرج على القنوات الفضائية الكردية وأتابع أخبار كل هذه المشاريع العمرانية والسياحية التي تنفذ في كردستان، وأنظر الى صور الحدائق الجميلة والشوارع النظيفة والسوبرماركيتات الحديثة المعروضة على تلك القنوات، كنت أعتب عليك كثيرا بسبب تلك الكتابات الإنتقادية التي أقرأها لك سواء في موقع ( إيلاف ) أو من خلال عواميدك الصحفية في صحف كردستان، ولكني عندما عدت الى كردستان هذه المرة وجدتك على حق في كل ما كتبت، فلا أدري كيف تمكن هذا الإعلام الحزبي المسخ من خداعنا الى هذه الدرجة، فجميع الأزمات ظلت على حالها كما تركتها قبل عشر سنوات والتي كانت سببا في هروبي من كردستان، فلا أزمة الكهرباء إنحلت، ولا أزمة السكن، ولا أزمة المعيشة، ولا أدري الى أين تذهب كل هذه الأموال الطائلة التي تمطر سنويا على كردستان؟!!!!!

الفسحة الوحيدة التي يمكن للشعب الكردي أن يتنفس منها اليوم هي الصحافة الحرة التي فرضت نفسها بقوة بفضل الضغوطات الخارجية على القيادة السياسية في كردستان، وحتى هذه الكوة الضيقة تستكثرها علينا الحكومة وأقلامها المأجورة، فلم تسلم تلك الصحافة الحرة من هجمات وتهديدات السلطة الحاكمة، بدليل مئات الدعاوى القضائية التي تمتليء بها محاكم كردستان اليوم وهي موجهة ضد الصحفيين والكتاب، ومع كل ذلك لا يتحرج رأس المرتزقة من الحديث عن quot; بناء علاقات جيدة بين كوادر الإعلام والمؤسسات الحكومية بإتجاه بناء الثقة بين الجماهير والحكومةquot;؟؟؟!!!.


كيف يمكن بناء أسس ثقة بين جماهير المحرومين وبين إعلام حزبي يكرس كل جهده لتشويه الحقائق وتجميل صورة الوجه البشع لحكومة أصبحت تفسد حتى الهواء الذي يستنشقه أفراد الشعب، وتوغل في فساد وصل الى حد تسميم الناس والعباد بمواد غذائية غير صالحة حتى لأكل الكلاب السائبة؟؟!!..

كيف يمكن بناء الثقة بين الجماهير وبين إعلام حزبي وحكومي مخادع كل همه هو تضليل الشعب وتزيين الوجه الكالح لسلطة فاسدة مقابل ثمن مدفوع سلفا، سواء على هيئة الرواتب المغرية المدفوعة للعاملين في الإعلامين الحكومي والحزبي، أو على هيئة الإمتيازات الوفيرة والكثيرة التي يتمتع بها مرتزقة الإعلام الكردي من قطع الأراضي ودور السكن والإيفادات الى الخارج وتعيينات الأقرباء والمحسوبين بالتزكيات الحزبية؟!.


إن الإعلام الذي يغلق عينيه عن رؤية الحقائق المريرة، ويسد أذنيه عن سماع أنين المحرومين وآهات اليتامى والثكالى ويصور كردستان على غير حقيقتها كأنها جنة الله على الأرض، ليس جديرا سوى بإلقاء صحفه ووسائله في حفر النفايات خارج المدن، عندها فقط يمكن للناس أن يستنشقوا هواءا نقيا صافيا تنعش القلب والروح معا...

شيرزاد شيخاني

[email protected]acute;