منذ السطر الأول من مقاله المنشور في الشرق الأوسط تحت عنوان quot; خيار العراقيين: نموذج إيران أم الخليج؟quot;
يقع السيد عبد الرحمن الراشد في تناقض صارخ، اذ يستشهد بقول للكاتب العراقي حسن العلوي يتطرق فيه الى الفرق الشاسع بين حياة الرفاهية لدى الخليجيين والحياة البائسة لدى العراقيين، ولكن الراشد يأخذ مقارنة العلوي بالقبول التام مع انها تنطوي على مغالطة كبيرة فالمقارنة بين حياة الخليجيين والعراقيين هي في حقيقة الأمر معكوسة تماما من ناحية الرفاهية ومن حيث مستوى التقدم في المجالات العلمية والصناعية والاقتصادية، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة الى نهاية سبعينات القرن الماضي، والتفوق العراقي لاشك فيه حتى في سنوات الحصار التي استهدفت البنى التحتية للعراق منذ عام 1991.


ليس من باب المفاضلة ولكن السيد الراشد يعرف جيدا ان مستوى الرفاهية ليس كل شيء ان كان مقرونا فقط بكمية الاستهلاك والاستيراد وارتفاع الأمية وقلة عدد أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية، وتذكيرا للراشد فان العراق كان نموذجيا في المنطقة من حيث التقدم في المجالات العلمية والصناعية، وكان نموذجا يقتدي به أكثر من بلد خليجي.

كان من الأفضل للسيد الراشد أن يبحث عن مثال آخر يستشهد به في بداية مقاله آنف الذكر، وحبذا لو كان مقاربا للمعنى التالي :quot; كيف سيقبل بنا العراقيون ان لم نتخذ مواقف صارمة من التكفيريين الارهابيين الذين دخلوا العراق من بلداننا ليفجروا الأسواق العامة والمدارس الابتدائية والمستشفيات والأسواق والذين ارتكبوا الاف الجرائم من أجل اسقاط الحكومة العراقية المنتخبة، وتقويض العملية السياسية تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله؟ّ

مؤسف جدا أن يطرح الراشد اسئلة يراها quot;مهمةquot; ويقصد [هامة] بخصوص تسلح العراق، وليس مقبولا من الراشد ان يشير في فقرة اخرى الى التهديد العراقي لدول عربية يحددها بالكويت والسعودية والأردن quot; أما الأردن والكويت والسعودية فقد كانت أرضا مهددة دائما بالاكتساح العراقيquot;، وكان الأجدر بالراشد أن يقول أنها كانت مهددة بالسياسة القومجية الصدامية التي طوى العراقيون صفحتها الى الأبد. أم أن الراشد لم يلحظ التغيير الجذري الذي حدث في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين ؟!علما ان السيد الراشد يعرف ربما أكثر من غيره ان دعم بعض الدول الخليجية لنظام صدام حسين أثناء الحرب العراقية الايرانية هو السبب الأساس في تضخم الترسانة العسكرية لنظام صدام وهو سبب أساس ايضا في غزوه الغاشم للكويت، وثمة دول خليجية تتحمل قدرا من المسؤولية في تضخم الطموحات التوسعية لنظام صدام.

ليس مرفوضا ان يقترح الراشد خيارات للعراقيين شريطة ان تكون النماذج المقترحة لاتتنافى مع الفكرة الرئيسية التي يريد الراشد التاكيد عليها، فعلى سبيل المثال ثمة بلد واحد من بلدان الرفاهية يحتل الصدارة من حيث ابرام صفقات التسلح في الشرق الأوسط، واشارة الراشد الى انعدام مجاري الماء والكهرباء في العراق تشمل بلدان الرفاهية ايضا ويصل عدد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر في احد هذه البلدان الى أكثر من مليوني مواطن حسب احصائيات الأمم المتحدة.


يقر السيد الراشد بتقلبات السياسة فيما يخص الوئام الراهن بين العراق وايران ولكنه يضع السياسة ثابتة وجامدة حينما يتعلق الأمر بهوية البلدان التي تهدد أمن العراق ويحددها بتركيا وسوريا وايران وهذا يذكر بمقالات سابقة للراشد أشار فيها الى نسبة الارهابيين الذين دخلوا العراق من الاراضي السورية وأغفل الاشارة وان بحرف واحد الى عدد الارهابيين الذين دخلوا العراق من حدود عربية اخرى.


واذا كانت هذه البلدان هي مصدر تهديد العراق فما جدوى سؤال الراشد :quot; ما الدول المقصودة بالتسلح؟ quot;.
على هذا النحومن المغالطات والمفارقاتيجري الراشد مقارنة ليست في محلها تذكّر بالمثل القائل ايهما أسرع الصاروخ ام ذيل الحصان، واشارة الراشد الى انعدام الخدمات الصحية مثل محطات الماء والكهرباء او المجاريمحمّلة بتعميم نتمنى ان لايكون مقصودا، وليت الراشد قد أشار وان بكلمتين الى دور الجماعات التكفيرية في تفجير محطات الوقود والكهرباء في العراق واستهدافها المستمر من قبل الارهابيين، وربما يقر الراشد وبأسف الى ان نسبة غير قليلة منهم هم من خليجيي المنطقة.

والسؤال، كل السؤال، هل هناك ما يستدعي الخوف والقلق من تخصيص ميزانية عسكرية لبلد بحجم العراق ومقدارها لايتجاوز الخمسة مليارات دولار، فيما تنفق أصغر دولة في المنطقة عشرات أضعاف هذه الميزانية في مجال التسلح ذاته، أم أن الآخرين ومنهم الراشد في طريقهم الى التشكيك بنوايا العراقيين وحكومتهم المنتخبة.


واخيرا أود أن أضيف لمعلومات الراشد أن النموذج الايراني لايغري العراقيين ولا يعتبر نموذجيا بالنسبة لهم على الرغم من كونه يمثل ثاني أكبر تجربة ديمقراطية في المنطقة من بعد اسرائيل، اما الخيار الخليجي فهو ملتبس وغير محدد الملامح، فثمة بلدان خليجية لم تعرف بعد معنى صندوق الاقتراع، وأخرى قطعت شوطا في التجربة الديمقراطية لكنها لا تصل مع ذلك الى المستوى الذي بلغته التجربة الديمقراطية في العراق، في السنوات التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري تحديدا.

محمد الأمين
[email protected]