من حق أي عراقي أن يتساءل عن حقيقة مشكلة الكهرباء التي باتت عصية على الفهم فقد تكون المسالة مفهومة لو كان الحصار موجودا أو أن الوضع غير هذا الوضع الذي بتنا نلمس تحسنه شيئا فشيئا حيث سنعتقد جميعا انه قد يكون المسئول عن ذلك بشكل أو بأخر أما وان العراق قد خرج من سطوة الحصار وامتلك زمام موارده وأمواله فلم يعد ثمة حجج يمكن أن يتحجج بها من له علاقة بهذا الشأن من شؤون البلاد.
لقد تجاوزت هذه المسالة حدودها المعقولة ولم يعد بالإمكان قبولها كمشكلة منطقية لأننا إذا حاكمنا هذه المشكلة وتمعنا في حيثياتها وزواياها لأدركنا أننا بإزاء قضية فيها من الغرابة الشيء الكثير فليس من المعقول أن العراق بإمكانياته الكبيرة وموارده الهائلة عاجز عن بناء منظومة حديثة للكهرباء أو حتى تجديد وتطوير المنظومة السابقة كما لم يعد هناك مانع ما يمكن أن يقف حائلا أمام هذه الهدف سواء تعلق ذلك بالوضع الداخلي الذي أصابه بعض التحسن أو الوضع الخارجي الذي أصبح متفهما لحاجات العراق وظروفه ولم يعد هناك من عائق قانوني يمنع العراق من استيراد هذا النوع من التكنولوجيا الذي لا غنى عنه.
إذن ليس هناك من عائق مادي أو امني أو قانوني يمنع العراق من تحسين خدمة الكهرباء فالمسالة بلا شك محصورة بالجانبين السياسي والإداري ولابد لنا أن نفهم المسالة على أنها نوع من التقصير سواء كان هذا التقصير متعمدا أم لا فإما أن يكون وراء ذلك تقصير سياسي أو فشل إداري فقد لايكون هناك رغبة جدية في حسم هذه القضية لأسباب ربما لها علاقة بالمحاصصة أو الصراعات داخل البنية الحكومية أو قد يكون للأمر علاقة بعجز أو عدم قدرة على حل هذه المشكلة فالعراقيون الذين عاشوا فوق بحر من النفط كانوا يتكلون في حل مشاكلهم أو تلبية حاجاتهم على الآخرين فحتى قضية التصنيع التي روج لها النظام السابق ثبت أنها بلا أساس بل مجرد أسطورة استخدمها ذلك النظام لترويع الخصوم لا أكثر أما في الواقع فلم يعثر على شيء ذو قيمة وبالتالي ثبت جليا عجز العراقيين التام عن إدارة قضاياهم وإنهاء مشاكلهم دون مساعدة خارجية وليس أدل على ذلك من عجزهم الكامل على إنهاء الواقع السيئ الذي عاشوه لعقود تحت ظل الاستبداد والتأخر السياسي والاجتماعي.
ولذلك لابد أن نسمي الأسماء بمسمياتها حتى نكون قريبين من الحقيقة فقضية الكهرباء التي مازال العراقيون يعانون منها هي نتاج العجز الفني والوهن السياسي والفشل الإداري ولا علاقة لها بأي سبب أخر كما يطرح السياسيون فالعراقيون يعانون من عقدة قديمة ارتبطت بماضيهم المرير وواقعهم القلق..عقدة تسترت بموارد العراق الكبيرة واستفادت منها في حل مشاكله الكثيرة حيث لعبت الدكتاتورية دورا هاما في هذا المجال لأنها كانت تفرض الحل بسطوة الخوف.
أما العراق الجديد فربما لم يعد بإمكانه تخطي هذه العقدة القوية بسهولة بعد تجرد من أسلحة الدكتاتورية. فهل ثمة شك بعد ذلك في أن الكهرباء ليست مجرد مشكلة بل عقدة وعقدة كبيرة وان حلها يستلزم أكثر من مجرد الحصول على مساعدة فنية أجنبية بل تدخل أجنبي سياسي وإداري وفني فهذا وحده يمكن أن يحل عقدة الكهرباء في العراق.
باسم محمد حبيب
التعليقات