في العاشر من حزيران 2000،توفي الرئيس quot;حافظ الأسدquot;خلفه ابنه الدكتور quot;بشار الأسدquot; بطريقة هادئة ومن غير أن يحصل ما كان يخشاه البعض.شكل quot;خطاب القسمquot; للرئيس بشار،بما حمله من لغة سياسية ايجابية تجاه الرأي الآخر ووعوداً باجراء اصلاحات(سياسية واقتصادية وادارية)، مصدر تفاؤل وارتياح لدى مختلف الأوساط السورية.تعزز تفاءل السوريين،بحصول انفراج نسبي في حياتهم السياسية والفكرية ومنحهم هامشاً مقبولاً من حرية الرأي والتعبير،فضلاً عن تراجع ملحوظ في سلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة العامة.في هذا المناخ الايجابي وبعد عقود من الانحباس السياسي والفكري والمضايقات الأمنية،التقطت quot;المعارضات السوريةquot; أنفاسها، واطلقت حراكاً سياسياً وثقافياً وحقوقياً،من خلال ظاهرة المنتديات والمجالس الحوارية التي انتشرت على امتداد الوطن السوري. تمحور خطاب قوى المعارضة السورية حول ضرورة انهاء quot;حالة الاستبدادquot; القائمة في البلاد وانجاز عملية quot;التغير الديمقراطيquot; والتداول السلمي للسلطة. وكأنها(المعارضات السورية) - التي استمدت زخمها من quot;مناخ دولي جديدquot;، ضاغط على النظام السوري داعم لقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، أكثر مما استمدته من الشارع السوري- في سباق مع الزمن لصنعquot;معجزة سياسيةquot;ما، ينتظرها السوريون.


فرغم عودة السلطة الى تشديد قبضتها الأمنية على المجتمع السياسي واعتقال ابرز نشطاء quot;ربيع دمشق الديمقراطيquot; في خريف 2001،واغلاق آخر منتديات الحوارquot;منتدى الأتاسيquot; صيف 2005،واصلت أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني نشاطها بوتيرة أعلى وحماسة اشد.وتكاد لا تمر مناسبة وطنية من دون اقامة quot;اعتصام احتجاجيquot; في العاصمة دمشق.وبدأت تخترق شيئاً فشيئاً الخطوط الحمر التي وضعها النظام في طريقها،حيث فتحت قنوات اتصال مع quot;جماعة الأخوان المسلمينquot; في الخارج.وفي تشرين الأول 2005خطت المعارضات،العربية والكردية والاسلامية،خطوة مهمة باتجاه تنظيم ذاتها وتوحيد صفوفها في اطارquot;اعلان دمشقquot;،الذي كان بمثابة بلاغ سياسي (رقم 1) لتغير quot;النظام القائمquot; في سوريا.وفق ما جاء في الوثيقة التأسيسية للإعلان:quot;أن عملية التغيير الجذري قد بدأت، بما هي فعل ضرورة لا تقبل التأجيل نظراً لحاجة البلاد اليها...والموقعون على هذا الإعلان: يرفضون كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية أو الالتفافية...وهم يعاهدون على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد واستعدادهم لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك،وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديمقراطي...quot;.طموحات التغير لدى المعارضة السورية،وهي من دون شك طموحات مشروعة، لم تتوقف عند الشأن الداخلي وانما امتدت الى السياسات الخارجية للنظام وعلاقات سوريا مع محيطها الاقليمي. ففي ايار 2006 أصدرت مجموعة من المثقفين والاعلاميين السوريين المعارضين بالاشتراك مع مجموعة من المثقفين والاعلاميين اللبنانيين quot;اعلان بيروت دمشقquot;دعوا فيه الى تصحيح العلاقة المتردية آنذاك بين لبنان وسوريا واقامة علاقات دبلوماسية بينهما،وقد وقع عليه مئات المثقفين من البلدين.هذه الخطوات والنقلات النوعية في خطاب وحركة المعارضة السورية،رفعت الضغط السياسي والأمني للنظام،وقامت أجهزته باعتقال العديد من الموقعين على اعلان بيروت دمشق،ومن ثم القبض على معظم أعضاء الأمانة العامة لإعلان دمشق، بعد أول اجتماع موسع لمجلسه الوطني في كانون الأول 2007.شكلت تلك الاعتقالات ضربة موجعة للمعارضات السورية ولمنظمات المجتمع المدني الملحقة بها،فقد شلت قدرتها على العمل والحركة، حتى اشعار آخر.وبدلاً من أن تعزز المعارضات السورية وحدتها التنظيمية وتحافظ على تماسك جبهتها السياسية في مواجهة عسف السلطة،تفجرت الخلافات والتناقضات بين التيار الليبرالي والتيار القومي العربي داخل اعلان دمشق،حيث جمدت بعض أطرافه الأساسية، منهاquot;الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطيquot;،عضويتها في الاعلان.بموازاة تشرذم واضطراب معارضات الداخل،تفككت جبهة معارضات الخارج ايضاً، ممثلة بـquot;جبهة الخلاص الوطنيquot;التي لم يكن لها أي صدى ايجابي في الداخل السوري. فبعد أن علق الأخوان السوريون نشاطهم المعارض للنظام داخل سورية- لأسباب،لم تقنع الكثير من السوريين، قالوا أنها تتعلق بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة- أعلنوا انسحابهم من جبهة الخلاص التي جمعتهم مع عبدا الحليم خدام، نائب الرئيس السوري المنشق عن الحكم، ومع اطراف عربية وكردية أخرى صغيرة، انسحب أكثرها من الجبهة.


تهاوي جبهات المعارضات السورية وفشلها في أول تجربة ديمقراطية لها اثناء انتخابات مجلسها الوطني، فضلاً عن اخفاقها ليس في تقديم مشروع quot;البديل الديمقراطيquot; عن مشروع السلطة وانما في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، فتحت سجالاً حاداً ونقاشاً حامياً بين مختلف الأوساط السياسية والثقافية والفكرية السورية حول المستقبل السياسي لهذه المعارضات وحول آفاق التغيير الديمقراطي في البلاد.اللافت في هذه السجلات السياسية الحامية، بروز مواقف متناقضة داخل صفوف المعارضة ذاتها، وبين القوى المتحالفة في اطار quot;التجمع الوطني الديمقراطيquot; المعارض. ففي موضوع حول المعارضة السورية نشرته صحيفةquot;الراية القطريةquot; الأربعاء 29 نيسان/ أبريل 2009يقول فيهquot;حسن عبد العظيمquot;، أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي المعارض،عن فشل المعارضة السورية: quot;أن المعارضة تعثرت إلى حين بسبب الخلافات بين الأطراف وغياب آلية التوافق في الرؤية السياسية وآليات العمل التنظيمي إلا أنها لم تفشل، في تقديم مشروع بديل عن مشروع السلطة، ومازالت قواها وفعالياتها كثيرة وإطارها عريض، وما زال إصرارها على هدف التغيير الوطني الديمقراطي بالوسائل السلمية متواصلاً ومستمراًquot;. بينما،الدكتور (حازم نهار)، الكاتب السوري والقيادي قي التجمع الوطني الديمقراطي وحزب quot;العمال الثوري العربيquot;،يقول، حول ذات الموضوع: quot;بالأصل واهم من توقع أن المعارضة السورية بإمكانها أن تكون بديلاً للسلطة القائمة.فالخطاب الرسمي للمعارضة ذاتها لم يذهب حتى في هذا الاتجاهquot;. طبعاً،كلام (نهار) هنا يتعارض مع ما جاء في وثيقة quot;اعلان دمشقquot; التي بموجبها تخلت المعارضة عن نهج quot;الاصلاحquot; وانتقلت الى نهج quot;تغيير النظامquot; وطرحت نفسها بديلاً عنه.وحول مستقبل المعارضة السورية بعد الانشقاقات التي طالت صفوفها يقول نهار: quot; إن مستقبلها رهن بأمرين أساسيين، الأول: انفتاح المعارضة على نفسها، وقبولها بتجديد خطابها وشخوصها، والثاني: انفتاح السلطة على المجتمع ومبادرتها بإطلاق مسيرة متكاملة من التغيير، وفيما عدا ذلك ستكون الانشقاقات والتحالفات في إطار الدوران في المكان لا تقدّم ولا تؤخرquot;.بغض النظر عن صحة رؤية الدكتور نهار من عدمها لمستقبل المعارضة السورية، رؤيته تتعارض بشكل كامل مع رؤية حلفائه في المعارضة،كما ينطوي كلامه على تراجع واضح وربما تخلياً عن وثيقة ونهج اعلان دمشق الذي قطع مع quot;الاستبداد القائمquot; في البلاد.فاذا كانت المعارضة السورية حقاً،وبحسب ما يرى السيد نهار،تنتظر من السلطة القائمة أن تنفتح على المجتمع واطلاق مسيرة متكاملة من التغيير، ومستقبل المعارضة مرهون على رؤية هذه السلطة لعملية التغيير وللمعارضة، اعتقد بأن المعارضة،وفق هذا المنطق السياسي، تفقد الكثير من أسباب ومبررات بقاءها على نهجها المعارض والتضحية بمزيد من المفكرين والمثقفين السوريين ليمضوا سنوات طويلة في سجون النظام،وتحميل نفسها وأسر المعتقلين مزيد من الأعباء المعنوية والمادية التي يفرضها كل اعتقال جديد.


قطعاً، ليس تشفياً بالمعارضة السورية وهي تتهاوى، وانما تأسفاً على ما آلت اليه أوضاعها،نقول: انها(المعارضات السورية) تهاوت،سياسياً وفكرياً وتنظيمياً،ليس فقط بسبب استمرار قمع النظام لها والبطش بها،وانما ايضاً لأسباب ذاتية، بعضها تتعلق ببنيتها الفكرية والتنظيمية، وبخطابها السياسي وبآليات عملها وأداءها في المجتمع السوري،وبعضها الآخر تتعلق بقراءتها الخاطئة للمشهد السياسي السوري،وبسوء تقديراتها لمسار التطورات السياسية والأحداث التي عصفت بالمنطقة والعالم في السنوات الأخيرة.

سليمان يوسف يوسف

سوريا
[email protected]