في خطوة سباقة وتاريخية فازت المرأة الكويتية بالانتخابات العامة بأربعة مقاعد، بعد أربع سنوات من نيلها حقها في الاقتراع والترشح، بموجب قانون صدر عام 2005 نتيجة تضافر الجهود فيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهو فوز أجمعت وكالات الأخبار العالمية والمحلية على توصيفه بالفريد والمتمايز والحضاري المنحى، وبالحدث المفصلي الذي يضيء شمعة في النفق المظلم حيث يتم تغييب حقوق المرأة العربية منذ عقود.

والملفت أن النائبات الفائزات هن من حاملات الشهادات الجامعية والدكتوراه من أهم وأرقى الجامعات في الولايات المتحدة. ولقد تمكن بفضل جهودهن وإصرارهن من الوصول والمشاركة في الحياة البرلمانية. وتعد أهدافهن في هذه المشاركة مشروعة، لأن المرأة التي تمثل نصف المجتمع والتي هي تربي الأجيال الجديدة، وتهتم بشؤون العائلة، لها الحق أيضاً كمواطنة تتمتع بكامل حقوقها المدنية بموجب الدستور، من إبداء رأيها بالحياة العامة وبالمصير، وبالمنحى المستقبلي الذي ينتظر بلادها وأولادها.

والجدير بالذكر أيضاً أن هذه النتائج والتي تمثل نسبة 8% من النتائج العامة، فاقت كل التوقعات والتحليلات التي رجحت فوز امرأة واحدة. وأهمية وتمايز هذا الفوز يأتي من كونه جاء عبر تصويت عادي، وليس عبر quot;كوتهquot; تحدد نسبة تمثيل المرأة في البرلمان. فالنساء خضن الانتخابات مقابل المرشحين الذكور، في غياب أي قانون أو تشريع يساعدهن أو يعمل على تمهيد الطريق لوصولهن. ولا بد من كلمة حق تقال هنا بالنسبة للشعب الكويتي بشكل عام، فهو من ناحية مساهمته في الاقتراع للمرأة، اعترف بحقوقها المشروعة في المشاركة في الحياة العامة، ومن ناحية أخرى برهن عن رقي أخلاقي في إنصاف المرأة التي جهدت في سبيل التحصيل العلمي والثقافي، حتى يكون اقتراعه هذا نوعاًً من التشجيع والتحفيز لنموذج يحتذى به من قبل كل النساء الكويتيات والعربيات أيضاً، نموذج المرأة المثقفة والعاملة، والتي تسعى إلى المكان التي تستحقه، والذي شكل اليوم وجودها فيه تتويجاً لتاريخ هذا البلد العريق بديمقراطيته. فالمرأة الكويتية سعت من دون شك ولكن مسعاها لم يكن يقدر له الفلاح والنجاح، من دون أرض موآتية تتلقاه وترعاه. أشير في هذا السياق لما قلته منذ مدة قصيرة ضمن حوار تلفزيوني حول quot;فضيحةquot; تغييب المرأة اللبنانية عن ورشة الانتخابات اللبنانية المزمع إجراؤها في السابع من شهر يونيو (حزيران) المقبل. وتعليقاً على استغراب المحاور من عدم تحرك الجمعيات النسائية للمطالبة بحقوق المرأة، أكدت على عدم مجاراته في هذا الموقف، استناداً لقناعتي بعدم جدوى أي تحرك نسائي في الشوارع، والأماكن العامة، كون المرأة تنال حقها والمكانة التي تستحقها عندما تصبح الدولة مؤهلة والشعب بالمستوى الحضاري الحضاري المطلوب، حتى يفي المرأة حقها، من دون أن تسعى وتجهد للمطالبة به. وفي غياب هكذا أوضاع مواتية من العبث ومن غير المجدي توسل التظاهر أو سواها من التحركات المطلبية. وتأكيداً على ذلك ها هو المجتمع الكويتي اليوم، ينصف المرأة. وإنصاف المرأة الكويتية حيث تشكل المرأة العاملة نسبة 44% من الطاقة المنتجة، وهي بالمناسبة أعلى نسبة في دول الخليج، جاء بشكل طبيعي وانسيابي ومن دون حاجة المرأة لخوض ساحة القتال من أجل تحصيله، إذ يندرج في سياق تكملة المسيرة الديمقراطية العريقة لدولة الكويت في العالم العربي.

ونحن كنساء عربيات نفتخر بنساء على مثال هذه النسوة المثقفات والتي تمكن عن طريق نضالهم ومثابرتهن على تخطي كل الحواجز والمطبات والصعاب في بلد ذو طابع محافظ،من أجل تحقيق أهدافهن بالتغيير. وفيما نشد على أيديهن يهمنا أن نعرب لهن عن أمانينا الصادقة بالتوفيق والنجاح، كما نثني على كلام الوزيرة معصومة المبارك والتي هي ناشطة ليبرالية، وأول وزيرة في تاريخ الكويت، quot;بأن هذه النتائج تثبت بأن لا شيء مستحيل، وبأن هذا الانتصار هو انتصار للكويتيين ولعزمهم على التغييرquot;. فكل الشكر لهذا النموذج الكويتي للمرأة العربية، وألف شكر لولى أمر البلاد سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي أتاح للمرأة الحق في المشاركة في الحياة العامة، من منطلق تحسسه بالحاجة الاجتماعية للتشريع الذي أنصف المرأة، وهو مسعى يندرج في سياق بصمات ولي الأمر المجيدة في تاريخ دولة الكويت.


مهى عون

كاتبة وباحثة لبنانية

e.mail:maha.aoun@ hotmail.com