المقال الذي كتبه المعارض السوري ميشيل كيلو قبل اعتقاله أثار في وقت نشره ردود فعل متباينة بين مؤيد و معارض و لم تكن السلطة السورية وحدها التي اتهمته بإثارة النعرات الطائفية بل و للأسف ركب البعض من المثقفين موجة السلطة و اتهموا الرجل بتجاوز الخطوط الحمراء و تجاوز المحرمات. و من الذين استهجنوا مقال ميشيل كيلو و ردوا عليه بقسوة الكاتب نضال نعيسة حيث اتهمه بتجاوز الخطوط الحمراء دون أن يقول لنا من وضع تلك الخطوط و ما هي تلك الخطوط. فقدقال نعيسة في مقال له بعنوان طرق المحرمات نشر في صفحات الانترنيت:

وأعتقد، أن هذا المقال، يعتبر واحداً من أخطر الكتابات التي تزدري، وتحقّر، وتحطّ من شأن مكوّن اجتماعيً هام في سوريا، ويهدد الأمن، والسلامة الوطنية، ويحرّض على الفتنة، ويحث على الكراهية، فيما لو أخذ بحرفيته، التي لا تحتمل التأويل على الإطلاق، وتمت مقاربته من منظوره اللوني، الفاقع، الواضح الذي لا لبس فيه.

و هذه بالطبع قراءة خاطئة لما كتبه ميشيل كيلو آنذاك فهو لم يحرض على الفتنة و لم يحث على الكراهية بل قدم وصفا لما عليه حال مجتمع مدينة من المدن السورية و هو لم يحقر أحدا و لم يستصغر شأن أحد بل وصف واقعا مسكوتا عنه لكي لا أقول لا مفكر فيه. و صدق نعيسة إذ قال إن ميشيل كيلو قد نفخ في نار كامنة تحت الرماد ولو أدرك نعيسة ما يعنيه النفخ في الرماد لعرف على الفور أن الغاية منه إحياء و ليس موت و بعث جديد و ليس دفن، و كشف عن المستور لا سكوت عليه و بالتالي إضفاء مشروعية عليه.
و في هذا المقال يُقَوِّل نعيسة ميشيل كيلو ما لم يقله و يأول كلامه مدعيا الكشف عن نيات كيلو فيقول:

سكان الأرياف هؤلاء، وحسب استنتاجاته دائماً، هم فوضويون، متخلفون، غير مرتبين، خشنون، صفراويون، ولا ذوق عندهم، ولا معيار، حتى في كتابة أوراق النعوات.

أولا كيلو لم يقل هذا الكلام حرفيا بل وصف أوراق النعي التي يطبعها الريفيون بأنها غير مرتبة ثم إن كلام كيلو ينطبق أيضا على ريف دمشق و حلب و الجزيرة فالريفيون و نحن منهم بحمد الله يقفون خلف المدينيية في سلم الرقي و التحضر شئنا أم أبينا و هذه حالة اجتماعية بالدرجة الأولى و ربما كان على ميشيل كيلو أن ينتبه لهذه النقطة و ينوه بها ليسلم على الأقل من انتقادات تحمل مقاله ما لا يحتمل. ثم الا يلاحظ معي الكاتب نعيسة أن كثيرا من المسلسلات السورية تصف الفارق بين الريف و المدينة و خاصة ريف الساحل و مدنه؟ و طبعا لن أبوح بأسماء تلك المسلسلات خوفا من أن تنتبه السلطات فتذهب لتعتقل المنتج و المخرج و الممثلين و الممثلات و كتاب السيانريو بتهمة التحريض على الكراهية و إثارة النعرات الطائفية!

في مقال آخر للكاتب نضال نعيسة نفسه و في رده على الزميل الاستاذ غسان المفلح و صف نعيسة كلام كيلو بالهياج المنفلت و الإسفاف و كثير من هذا الكلام غير اللائق اصلا و على كل حال فالرد على مقال كيلو بمقال هو طريق صحيح بغض النظر عن أسلوب الرد و مستواه. فالفكرة تولد فكرة مضادة و ربما موازية و بتنوع الأفكار و تصارعها تتقدم المجتمعات لا بقمعها و كبتها و كم أفواه مبتدعيها.

إن الغريب في الأمر هو أن نضال نعيسة لم يترك الرجل لا في السجن و لا بعد أن أطلق سراحه بل تمسك برأيه و لم يكلف نفسه عناء إعادة قراءة ما كتبه كيلو فكرر في مقال نشر له قبل ايام في إيلاف نفس التهم للرجل و ادعى أنه شتم و سخر و حط من قدر مكون سوري بأقذع الالفاظ و لا أدري ما هي هذه الألفاظ النابية المقذعة التي سطرها يراع كيلو في مقاله و لم يسعفنا الكاتب و لو بنموذج من كلمتين مقذعتين(المقذع في الكلام هو النابي و الفاحش فيه).

و في محاولة لاستهبال القارئ و استغفاله و خاصة القراء البعيدين عن أوروبا و حرياتها المدنية و حقوق بشرها و شجرها و حجرها يقول نعيسة:
لو قال السيد كيلو هذا الكلام وأطلق تلك النعوت على باكستاني، أو سيخي، أو هندي، وبنغالي، أو أية أثنية وطائفة أخرى في قلب لندن وباريس وواشنطن، لكان باع كل ما فوقه وتحته ليدفعها تعويضات للمتضررين من أقواله، ناهيك عن عقوبة السجن القانونية التي كان سيواجهها والتي تظهر quot;العقوبة السورية رؤوفة ورحيمة جداًquot; أمامها، ولاشيء.

لا و الله العقوبة السورية غير رؤوفة يا سيد نضال و لو كتب بريطاني أن سكان الريف الانكليزي مثلا قد عاثوا في المدن فسادا و أنهم كذا و كذا لما انتبه إليه أحد و ربما كان علماء الاجتماع فقط هم من سيناقشون مقال ذلك البريطاني المفترض. و لو أن فرنسيا كتب عن سكان ضواحي باريس لما سجن مطلقا ثلاث ستوات و انت سيد العارفين تعيش في أوروبا و تعرف أن تميز جيدا بيت خيط القمع و الاستبداد الأسود و بين خيط الحريات و حدودها الابيض جيدا.

وفي نبرة استهتار بقيمة و وزن ميشيل كيلو المعرفي و تصويره على أنه غِرٌ قاصرٌ يمكن توريطه في كتابة مقالات أخرى من ذات العيار الثقيل الذي يهز أركان نظام القمع يقول نعيسة:
واليوم هناك نغمة، وتيار، على هامش إطلاق سراح الرجل، يحاول أن ينفخ في صدره ورأسه مرة أخرى لا لشيء، وغاية إلا لتوريطه مجدداً في قضايا هي أكبر منه ومنهم، وتتعلق بمحاور، ومصالح، وصراعات متجذرة، وسياسات إقليمية ودولية معقدة جدا.
نعم فالكلام في الشأن العام السوري و في أمراض المجتمع والنفخ في الجمرات المتقدة من الطائفية و العنصرية و الاستبداد و التهميش و الإهمال هذه الجمرات المدفونة تحت رماد القمع، النفخ فيها صار في قاموس البعض من المثقفين الذين هم على وشك إعلان التوبة و الندم صار شيئا مرتبطا بمحاور خارجية و سياسات دولية معقدة جدا. أليس هذا نفس خطاب السلطة و نفس اتهاماتها لكثير من المعارضين بالارتباط بجهات خارجية دون التفضل بتحديدها و ذلك لغاية و لأمر لا يعلمه إلا الله و الراسخون في الظلم.

جان دوست
كاتب سوري