رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يقبل بفكرة دولة فلسطينية الى جانب دول إسرائيل على مضض، و لكن أية دولة؟ الدولة التي فصلها نتنياهو في خطابه، لا تنطبق عليها مواصفات دولة، لا من قريب و لا من بعيد. دولة منزوعة السلاح، ولا تمتلك جيشا، و بدون غطاء جوي، و ليست لها حرية نسج علاقات دولية. أية دولة هذه التي يريدها نتنياهو للفلسطينيين، و كيف له أن يتصور إمكانية قبول أي زعيم فلسطيني، عربي و إسلامي بذلك، سواءا ً أكان من محور الإعتدال أو الممانعة.

نتنياهو يقول شيئا ً و يعرف الرد عليه سلفا ً: الرفض المطلق. و لكنه يدرك أن الأهم القول و ليس الرد. الرئيس أوباما طلب منه القبول بحل الدولتين، و ها هو يقولها. متشاروه سيهدؤون من روعه عندما يشاهد من واشنطن إصبع تترنح يمينياً و شمالا ً، إنه إصبع الرئيس أوباما، الذي أفهمه ما يتوجب عليه القيام به : نظريا ً القبول بدولتين. عمليا ً وقف الإستيطان كليا ً في الضفة الغربية. ما قام به نتنياهو لم تكن سوى ربع المطلوب منه : نعم، نطق بالكلمة السحرية دولة فلسطينية، كلام موجه الى واشنطن، و لكنه يريد أن يسمعه ليبرمان و حلفائه في الحكومة، لانه قال دولة لا تحمل مميزات دولة، و حتى يطربهم أكثر، رفض وقف الإستيطان بسبب حاجة النمو الطبيعي، و رفض التنازل عن شبر من القدس، و استحال عودة أي لاجئ فلسطيني الى دولة إسرائيل.

الإدارة الأمريكية سارعت الى الترحيب بموقف رئيس الوزراء و إعتبرته تقدما ً. رئيس الوزراء، خلافا ً للتوقعات، يجد في المباركة الأمريكية الإعلامية ضغطا ً متزايدا ً، و ليس قبولا ً بالصيغة المطروحة. و لأن الضغوط الأمريكية تهدف بالأساس الى تهدئة العالم العربي و الإسلامي، اللذين خاطبهما أوباما من على منبرين أساسيين : أنقرة و القاهرة، و وعدهما بمقاربة أمريكية منصفة تقوم على الإحترام المتبادل و المصلحة المشتركة، فإن حكومة إسرائيل تدرك أن رؤيتها للدولة الفلسطينية لن تؤخذ بإرتياح، و سيسبب حرجا ً لإدارة أوباما.

و مع ذلك فإن خطاب نتنياهو كان مزيجا ً هلاميا ً من رؤى متناقضة، تعكس تركيبة الإئتلاف الحكومي الغير متجانس. ليبرمان يرفض فكرة الدولة الفلسطينة من أساسها، و القدس و اللاجئين، و إخلاء المستوطنات في الضفة الغريبة، فهي مسائل لا تجد مكانا ً في أجندته. بينما إيهود باراك، يقبل بالدولة، و على إستعداد لإخلاء العديد من المستوطنات في إطار إتفاق سلام، و إيجاد حل للقدس و اللاجئين. كيف يمكن التوفيق بين الرؤيتين؟ نتنياهو، يعتقد أنه ذكي بما يكفي لإرضاء جميع الأطراف : أوباما، ليبرمان، إيهود باراك و الجمهور الإسرائيلي.

و مع هذا فإن خطاب نتنياهو، كشف عن قصور في رؤية اليمين الإسرائيلي تجاه السلام، و مجمل الصراع العربي الإسرائيلي. فهي رؤية تورط أكثر من مليار و نصف مليار مسلم في قضية شائكة. بإمكانها أن تكون بين الفلسطينيين و الإسرائيليين لوحدهما. القبول بدولة فلسطينية قابلة للحياة، تعيش الى جانب دولة إسرائيل، مع ترك المسائل الخلافية للمفاوضات، كان من الممكن أن تحلحل الركود الراهن، و تحرك بعض من الماء الساكن، و تمنح بريق من الأمل،لأطراف الصراع.

نتنياهو لم يفسح المجال في خطابه للحوار و التفاوض. لاءاته كثيرة. إن معركة الخطابات و الخطابات المضادة قد تبدأ منذ الآن. الرئيس اوباما سيقول لضيوفه من الزعماء العرب و المسلمين أنه طلب من نتنياهو شيئا ً أخر، و لكنه لم يفهم، او يحاول أن لا يفهم، عندما يتعلق الأمر بأمور واضحة : إلتزامات و إتفاقات سابقة. سيقول أن نتنياهو يطلب تشددا ً إزاء إيران، من دون أن يرخي الحبال على الجانب الأخر، مع الفلسطينيين.

و لكن مع ذلك لن يسمح أوباما لنتنياهو أن يفسد عليه رؤيته للعالم، مقابل مصالح فئوية و سياسية إنتهازية،لأطراف في حكومته، من الممكن التخلي عنهم، و لن يقبل منه أية حركة حمقاء من شأنها، إلحاق الأذى بمصالح أمريكا. فكل المعطيات تشير الى حقبة صعبة من العلاقة بين إدارة أوباما و نتنياهو. علاقة تقوم على تناقض في الرؤية و الأسلوب.

زيور العمر