فى يوم السبت 1 سبتمبر 2001 كنت ضمن افراد رحلة لزيارة برج التجارة العالمى فى مدينة نيويورك، ولقد أخذ مسؤولى أمن المبنى صورا لجميعنا عند الدخول وقيل لنا quot;أننا نأخذ هذه الصورة كتذكار للزيارة وممكن أن تقتنوا هذه الصور التذكارية عند انتهاء الزيارةquot;، واحسست ان هذا جزء من الأحتياطات الأمنية فى المبنى ولكنه يتم بطريقة مهذبة.

كان المصعد الذى صعدنا فيه للأدوار النهائية سريعا جدا وكان الشاب الأنيق المهذب عامل المصعد يتكلم بسرعة تفوق سرعة المصعد ليقص لنا تاريخ انشاء المبنى وعدد ادواره ومساحته وما سوف نراه فى الأدوار العليا... الخ. كان طعم البيتزا التى أكلناها ذات مذاق رائع وقيل لنا أن فن صناعة البيتزا فى نيويورك أعلى من جميع الأماكن. دخلنا صالة السينما التى تتحرك فيها الكراسى التى كنا جالسين عليها لكى تعطينا الأحساس بأننا فى الطائرة واننا وسط المشاهد التى تجرى امامنا وانحنينا بأعناقنا عند مرور المشهد من تحت الكوبرى لأحساسنا بأننا سنرتطم بالكبارى التى يمر المشهد تحتها. مزحت مع الفتاه الصغيرة التى كانت تعد طبق الباستا الشهى الطعم وكانت الأبتسامة لا تفارقها وهى تعمل. خرجنا للهواء الطلق فوق المبنى وأخذتنا الفرجة على كبارى نيويورك المختلفة والتى تربطها من مختلف الجهات وايضا البرج الآخر لنفس المبنى وباقى المبانى العملاقة المجاورة للبرجين. من خلال العدسات المكبرة كنا نستطيع أن نرى التفاصيل الدقيقة لكل ما يجرى هنا وهناك. عندما هبطنا للشارع بعد نهاية الزيارة اخذت أحدق النظر لمدة طويلة بالمبنى الكبير الضخم وبالألواح المعدنية المتشابكة على واجهة المبنى بكل طوله وقارنت فى مخيلتى بينه وبين برج تورونتو quot;سى أن تاورquot; وعددت لنفسى الفروق بينهما.

يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 كنت فى الطريق للعمل ولم افهم تماما ماذا يحدث من خلال راديو العربة لأن المذيع لم يكن قد استوعب ما يحدث بعد، ولكن عند وصولى للمكتب شاهدت من التلفزيون ما كانت تذيعه محطة quot;سى أن أنquot; من صور الدمار الشامل للمبنى الذى كنا على سطحه منذ عشرة ايام فقط، وكانت سحب الدخان الكثيف جدا تملأ المكان. ولم تكن الصورة جلية ايضا.

فى يوم الأربعاء 12 سبتمبر لم أذهب للعمل ولكنى تسمرت أمام التلفزيون طول اليوم لكى أرى ماذا حدث! وكنت اتسائل بينى وبين نفسى بحسرة ماذا حدث للشاب الأنيق الذى كانت سرعته فى الكلام أسرع من المصعد؟ وماذا حدث لهذه الفتاه اللطيفة التى كانت مبتسمه طول الوقت وهى تعمل؟ هل كانا وسط الذين قفزوا من النوافذ للموت الأكيد؟ ام تفحما فى اماكنهما؟ ام لم يذهبا للعمل فى هذا اليوم؟

خيم صوت الموت والكآبة بعدها على المكان الذى كان ممتلئا من الحياة من قبل بينما كانت صور التشفى والرقص والأستمتاع بموت الآخرين تطل من اماكن واشخاص جُردوا من الشعور الأدمى وُوصفوا بأنهم وحوش الأرض.

نتذكر هذا ايضا ونحن نرى صور الهدم الذى احدثه مجلس بلدية الأسكندرية فى مبنى الخدمات المخصص للعجزة والأرامل والأيتام فى مريوط، وايضا ونحن نرى جيش الهمجية يهجم بتلذذ لهدم كنيسة عين شمس ويحرق كنيسة عزبة باسليوس ببنى مزار بدون اى سبب سوى روح الشر والحقد الأعمى والضغينة والعنصرية، فالبعض رسالته العمار والبعض الآخر رسالته الدمار.

القوى الغاشمة كثيرة فى ارجاء العالم، فرأينا الدمار الذى يحدث من غزو صدام للكويت، وايضا الدمار الذى يحدث من الغزو الأمريكى للعراق، وشاهدنا كذلك الدمار الذى يحدث لأهل غزة من جراء حماقة حماس وغشامة اسرائيل.

من أبشع ما نراه فى هذه الظروف بعد بشاعة الحدث نفسه التشفى والأستمتاع من مآسى الآخرين، وأسوأ امثلة الدمار الشيطانى هو الذى يقال عنه أنه أوامر الرب الاله الذى يعطى جميع الخيرات للبشر والذى يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار.


د. رأفت فهيم جندى