ترجمها عن الألمانية صالح كاظم
قدم لهاعبدالقادر الجنابي

ولد فالتر هلموت فريتز عام 1929 في مدينة كارلسروهه (ألمانيا). درس الأدب والفلسفة. اصدر عدة مجموعات شعرية واربع روايات ونصوص نثرية، ودراسات نقدية تتناول إشكاليات النثر والشعر. كتبأكثر من200 قصيدة نثر. حصل على عدة جوائز منها جائزة جورج تراكل عام 1992. بعد ان كان متأثرا بالتيار الوصفي للطبيعة، وكثافة كارل كرولوف، انتهج فريتز خطا مستقلا تأمليا متخلصا من لغة المأساوية الطاغية في الشعر الألماني ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويعتبر فالتر هلموت فريتز الشاعر الألماني المتبني علنا مفهوم قصيدة النثر، بل يكاد يكون مهتما بها اكثر من غونتر آيش وغونتر كونرت. فدراسته المعروفة quot;امكانيات قصيدة النثرquot; تدل على معرفة وثيقة بتاريخ قصيدة النثر وعلى انهمام حقيقي بتطويرها وتوسيع معطياتها الأساسية، مما يمكن اعتبارها المقدمة الألمانية لقصيدة النثر، بالأهمية ذاتها التي نعطيها لمقدمة ماكس جاكوب الشهيرة لكتابه quot;كوب الزارquot;. كما انه عمل على ترجمة أشعار فرنسية كثيرة لفيليب جاكوتيه، رينيه مينار، كلود فيجيه وبالأخص قصائد جان فولان المتميز بكتابة قصيدة النثر.... ولعبت الترجمة دورا كبيرا في تطوير كتابته الشعرية، وقد وضح فعل الترجمة هذا قائلا: quot;لاحظت، أثناء ذلك كيف يجري بشكل ما نقل المرء من موقع الى آخر، (كيف يترجم)، كيف تنعكس صورته في المرآة، كيف يعبر عن نفسه، كيف يعثر على نفسه وكيف يكتشف نفسه بين السؤال والجواب، وفي انعكاسهما (السؤال والجواب) الذي يمنحنا مفاجآت عديدة. جميل جدا أن تشعر أثناء الترجمة كيف يمكنك أن ترى أشياء كثيرة من منظور آخرquot;.
بعد ان اصدر دواوينه الشعرية الأولى الثلاثة، اتجه فريتز الى الكتابة نثرا. فأصدر اول مجموعة quot;نثرquot;: quot;منعطفاتquot; عام 1964ثم اتبعها في العام نفسه بمجموعة ثانية تحت عنوان quot;استدراكاتquot;، واصدر عام 1965 روايته الأولى quot;الانحرافquot;. فيعود عام 1966 بمجموعة شعرية مشطرة عنوانها quot;الأمانةquot;،وعام 1969 اصدر مجموعة أسماها quot;ملاحظات حول منطقةquot;، حملت عنوانا فرعيا quot;نثرquot;، لكن اعتبرت فيما بعد من بين مجموعات قصائد النثر التي اصدرها فريتز. هذا التنقل المسمى quot;أزمة شكلquot; سيقضي عليه فريتز باتخاذ خط جديد وهو خلط قصائد النثر مع قصائد مشطرة في دواوينه المقبلة. وهذا الخلط ليس اعتباطيا وانما يعبر عن تقارب ليس فقط على صعيد المضمون وانما ايضا على مضمون الشكل. فشعره المشطر تتميز بالحدة الغنائية والاقتصاد اللغوي وقصرها، أحيانا، الى حد تصبح فيه جملة واحدة، يضعنا كل هذا quot;ما بين بينquot;؛ في الحدود الفاصلة بينالتشطير المعروف به الشعر الحر والموزون، والكتلة المتراصة المتميزة بها قصيدة النثر الكلاسيكية. فالأبيات الطويلة المكسورة في كثير الأحيان، بفاصلة ونقطة، توحي بسردية شبيهة بسردية قصيدة النثر. لكن غالبا ما يحافظ فريتز على السمات الأساسية لقصيدة النثر، وعلى وحدة إيقاع السطر الذي يتطلبه التشطير.وفي أي شكل يختار فريتز استقصاءه الشعري، ثمة صدمة ذوحدين: تعمل، من ناحية أولى، على رسم وقفة والروابط بين النص والفكرة، ومن ناحية أخرى، على إعطاء دينامية للغة الشعرية بأي شكل تتجلى. لعبة الانزياح هذه تثري قصائده النثرية بمجازية وكثافة يعرف كيف يسيطر عليهما دون الوقوعفي مطب الرمزية المفتعلة أو الهرمسية المقصودة.ذلك إن هذا quot;الانتقال من القصيدة الى النثرquot;،كما قال احد النقاد،quot;يشبه الى حد ما حلول الزورق عند الجرف. يمكن للمرء أن يتحرك بحرية في عنصر القصيدة. وعلى أرضية النثر الراسخة يتوجب على المرء أن يخطو ويسير باتجاه محددquot;.إنها شعرية quot;العتبةquot; التي تبتغي التقريب بين الكلام والشعر في حالتيه: خلط الشكلين لخلق شكل ثالث غير محدد فالاستعارات المجازية واستكثار الصور تزيل الهوية المرسومة والتقليدية للشكلين الشعريين.
هنا عشرون كتلة متراصة بقدر ما هي شظايا؛موحية بقدر ما هي مغلقة غموضا؛ طاقيات اخفاء تستتر بها أشباحنا، المرئية فقط كدال يبحث عن مدلول؛ أو بالمعنى العام للكلمة: هناقصائد نثر تفتح لنانافذة التأمل على فجوات الحاضر، لكن دون أن تدعي حل مشكلة، فقصيدة فريتز النثرية قضية لغوية قبل كل شيء، موكب من الأقنعة،قاعدتها اللاغرضية. ومن خلال هذا التأمل؛ السهل الممتنع،المحافظ على مسافة بينه وما يقع تحت منظاره، ينهض اليومي، العابر،بشعرية متوترة ومكثفة، يرتبط فيها،على حد عبارة أحد نقاده،quot;الوصف برد الفعل والتأمل بمرونة بغية الولوج عن طريق السرد النثري، في طيات المجهول الذي يحيط بناquot;.


فالتر هلموت فريتز: عشرون قصيدة نثر
ترجمها عن الألمانية صالح كاظم

تعويض
تعبٌ، وإجهادٌ، النوم يخففُ النبض، التنفس الأيض الدفء. ردود الأفعال تقّل عفوية. المتناقضات تُنسى. الضحك ينقطع وكذلك البكاء. الحلم بالجفاف، السواحل غرفٌ للتحميض، أحلامٌ عن شخص ما يرتدي السواد حزنا، يمسح الضباب عن زجاجة، ينحني على وجه ما. لقاءات. طرق في أرض لا مالك لها. أي إغتراب أي تعويض قبل العودة.

لنسكن البرق
شوارع محاطة بالقصب، وأشجار السرو وحقول الخزامي- منظرٌ لرينيه شار. في هذا المنظر، في قرابةِ بعدٍ تعطيه لغتها، ما زال يتجول. هنا كُتِبتْ أعماله بكل ما فيها من جمال وقوة وإبتعاد عن المألوف، هنا نشأت quot;الحكمة ذات العيون المليئة بالدموعquot;، مصدرُ شجاعته. في هذا المنظر يفكر بطفولته: في الذاكرة يرى نفسه منحنيا على النباتات في حديقة والده المتوحشة، وهو يتطلع في نصيلها ويُقبل بعينيه الأشكال والألوان. لاحقا سيعثر على جملته: quot;لو سكنا برقا، فسنحل في قلب الأبدية .quot;

متأهبون
يعتبرون صخور قارتهم أعمالا للأجداد، أولئك الذين،بعد إنجاز عملهم، يتّحدون مع الصخر. الصور المرسومة على الصخور هي إشارات على أن الأشياء والكيانات متأهبة دوما للتداخل فيما بينها، والتناسخ بين بعضها البعض (هكذا أيضا يحصل الإختلاط)، وهم لا يشكون في ذلك. الإحساس بالتوحد من خلال التآكل يتطلب الكثير من اليقظة. من هنا فهم شركاء في مسرحية لا تنتهي. حتى إشتعال الغابات ndash; ضمن عمل لصوصي ndash; هي جزء من هذا وكذلك إستعداد رجال الإطفاء للتخلي عن عملهم ونظرات السحالي بعد الحريق.

على طريقتها
تتحدث وريقة شجرة القرفة عن مجد الكرملان الذي أحتواها كما يحتوي الصراصير وريش الطيور والقواقع والعناكب والسرطانات والأزمنة وشقوق الظلال. الكرملان؟ أثيرُ الشمسِ، عسلٌ بري، شمعُ نملِ الغابات، صمغُ أشجار الصنوبر؟
الكرملان: طاقة مظلمة، تشكيل بالضوء. الماء يردد الإسم كذا أعشاب الساحل. الساحل والألوان تكرره، هذا الزمرد البني الأصفر.

في ورشة عمله
قال أن حياته عبثٌ. لم تجلب له سوى الخسائر. وعْيُه العملي كان سنده. أنه يفضل العمل في الورشة. وحين يحاول أن يغور في ذاته ndash; وهذا في نظره إختزال وخسارة- فأنه لن يتمكن من معرفة ما يربط الأجزاء ببعضها. إلا أن هذا يتحقق، حين ينصرف الى آلات الموسيقى، مثلا الى تلك التي تحتوي على لاعب يحرك رأسه وصدره وذراعيه نحو ثلاث جهات مختلفة ويضبط الإيقاع بقدميه. كم هو فرح، حين يجعل جهازا كهذا يعزف. هكذا، يقول، أستطيع أن أحيا.

بعد السقوط
منذ سقوطه من فوق الدراجة لم يفق من غيبوبته. أماهي فتجلس جنب سريره، تغفو أحيانا، تسمي نفسها سرابا، وهمّها أن تحتفظ به. ستقوم بحصاد التوت إستعدادا لحياتهما القادمة، وتقرأ الأساطير لترويها له لاحقا، تجلس بترقب قرب التلفون، وتشعر كيف تواصل الحياة الضغط عليها.فيما بعد تجلس من جديد قرب سريره في المستشفى وتتطلع من خلال الشباك الى النهر، الماء لم يتجمد بعد، الماء لم يتبخر، الماء ما زال ماءا.

شهود
كذلك فترة الجفاف الطويلة كانت عابرة. وبعد عشرات السنوات هو ذا المطر يهبط على الأرض الجافة ويوقظ بقوته البذور التي كانت قد خلدت للراحة. وحالما ترتشفه الأرض تستيقظ آلاف النبتات وتشق طريقها ثم تزدهر خلال وقت قصير- كل منها على طريقته- شاهدة على تحول يتجاوز في لحظات كل أشكال الضعف. وفجأة ينشأ بفعل الفقر الدائم وإنعدام الرطوبة وإنتشار العقم طقسٌ مبهم: إسراف الظاهرة.

منمنمة
أنها تُعْتبر خَطا. مرآةً للكون. غير مكتملة وغير ناقصة. هي بلدان وجبال وبحار ونباتات وحيوانات وبشر ومدارات الكواكب السبعة. فضاءٌ يتشكل يمكن أن يسكنه البشر، ينمو حولك بمخابئه البهيجة ومخاوفه. مخطوطـٌ بالريشة، مرسومٌ بالفرشاة. صورة. كل شئ في موقعه. لاشئ يمكن أن تعصف به الرياح. أطرافه فاتحة اللون ولا حدود له. للمساء موقعه وللصباح كذلك. وحين تدقق البصر يتبادلان موقعهما.

في الداخل والخارج
في البدء بيوت من القش. لاحقا من الطين المخلوط مع القصب، من كتل طينية يبست في الحرارة ومن الحجارة. نادرا ما كانت توجد هناك نوافذ لغرض الأمن و الإحتماء من العواصف الرملية. الضوء كان يأتي من الباب. من خلالها كان يمكن رؤية الشمس في الصباح وهي تنتهك الظلام لتحط رحالها ولوقت طويل تعلم الخوف المشع والسكون الذي لا شكل له، المساحة كسجن. بين وقت وآخر كان هناك من يقفز أويتسلل عابرا.

طاقيات إخفاء
كلمات، مثل بذور شجر الحور لها ما يُمَكّنها من الطيران، ينقلها عبر البلدان والبحار لسنوات عديدة. وحين تصل الى هدفها تضئُ. اليوم ارسلها علازار بينيوتز* في طريقها. أنها تحملُ أخبارا عن الخسارة والربح عن الثقة والتردد عن اللقاء والإفتراق عن الوضوح العميق: عن التمزق الذي هي بحاجة اليه لكي تعي شيئا عن نفسها عن اللاإنساني في الإنسان عن شعاع الضوء الذي يرمي الأفكار في الظلام قبل أن يلتهمها. كلمات بلا حيلة تجعلنا نعي ما هو الزمان وما هو المكان وما هي الحياة والموت: إنها طاقيات إخفاء.

bull;Elazar Benyoeuml;tz إسرائيلي يكتب بالألمانية. واحد من كبار كتاب الأفوريزم، الكلمة الجامعة. لمعرفة معنى الفوريزم انقر هنا واقرأ نهاية المقال

أين أنت الآن
خلف البيت عند الحقول، حيث يمكن أن تشاهدي الخلق يتواصل والصيف يرغي؟ أم في غرفتكِ مع تولستوي ونارَهُ؟ أو في المطبخ محاطة بالأعشاب وبالكرز المقطوف حديثا؟ أو في المخازن تجربين أحذية؟ في المسبح؟ عند أصدقاء؟ في المرآة، هذا المعلم القديم، أراكِ تمرين ،تميلين للمزاح وانت هادئة، صورة تشعل الرغبة في النفس.

هكذا تؤدي كلمة الى كلمة أخرى
(في ذكرى هانز أرب *)

أتدري ما قرأتُ؟ اللقالق تحزم المداخن في حقائبها وترحل الى بلاد الفراعنة. بيضاء الثلج أصبحت صديقة بيضاء البَرَد. على السلالم الحلزونية تجلس نجوم ترتدي أقراطا. يد ترد المطر والعشب الذي ينمو من السماء كما لو كانت تبعد ستارة. بحار معلقة عموديا كمرايا على الجبال. أحجار كهلة تتحدث أحيانا كالأطفال بلا مدلول والنحات يود أن يكون عارفا بما تقول. الأبدية تنفذ من أجسادنا مثل دخان ينفذ من الغليون. كل منا هو جوهر ملاك لاحق. هكذا تؤدي كلمة الى كلمة أخرى. دادا جميلة مثل ليلة تهدهد، بين يديها،نهارا وليدا.

bull;شاعر وفنان دادائي انقر هنا.

دائما أكثر سهولة، دائما أكثر صعوبة
عيد الميلاد، الحفل، السعادة، اليأس. المرء يجري ويجري والوقت يفلت منه. وفجأة يَخلقُ المرء الشيخوخة حين يبلغ الثمانين. الكثير أصبح عتيقا وقضى أجله، الكثير مما كان يبدو غير ممكنا، أصبح واقعا وتجاوز حده. دائما أكثر سهولة، دائما أكثر صعوبة أن تتخذ قرارا: مثلا أن تتمسك بشئ أو أن تتركه. لقد أستهلك المرء الحياة، هذا الأمر المعقد، مَلِكا للكتب وعبدا لها. أنجز الكثير ولم ينجز. المرء يرتدي الجُمَل في امسيات السبت في ضوء الشتاء.

دبابير
للنحلِ كان النهار مازال باردا. ولدت في العالم سوداءَ، على الصدر والظهر طوقٌ بني، تاتي الدبابير في هذا الوقت الى الحقل. انها متآنسة في فروها الكثيف الشبيه بالقديفة، في جسدها القصير، عند فجر حياتها. قريبا ستنتشر في كل مكان. وهي تمتص اللقاح بدأب كبير. طيرانها، ترنحها وطنينها. لاحقا تعود الى بيوتها في حفر تحت سطح الأرض أو في جذوع الأشجار أو في الصخور. في الخريف، حين تموت يكتسب الغموضُ لونا.

حضور
للغائب. طريق واسع سحقته أقدام الفيلة وسط الأحراش.
أجحار نملٍ. ثـُم طلحٌ يلمع أبيضَ مزدهراً أمامنا. عند حلول المساء
ترقص أمرأةٌ في ميدانِ القرية متزينة ً بريش الطيور.
في السماء غيومٌ حمراء كثيفة
يطغي إشعاعها القوي على ما نرى.

أثناء النوم
هناك أمراة تتحدث مع أخرى، واضعة كفها على رأس ولدها الصغير الذي يحلم وهو يقف الى جانبها
فاتحا عينيه الواضحتين على سعتهما، قبل أن يحلّ عليه التعب، فيستلقي على المصطبة ليغُطّ في النوم، مرتخيا، رأسُه في حضنِ الأم وشعره الأسود يتدلى على ثوبها الفاقع اللون. المسافات التي ستقطعها حياته والقلق الذي سيدفعه للتنقل من مكان الى آخر مازالت مخفية في مسافات القرابة والحضور. بهوٌ من التوجّسات ملفت للنظر يواصل تأطير الهدوء والنوم. والآن تنحني عليه الامرأتان بحنان.

من خارطة هذا العالم أيضا
ورقة من الرَق تفاجؤنا. ها هو البحر المتوسط. عند أفريقيا تختفي المعالم الواضحة. الملوك يُقتلون هناك بعد مرور عام واحد (على تتويجهم). وللسكان عين واحدة و أذناب ثعالب، أو أن أقدامَهم من الضخامة بمكان، بحيث أنهم يحتمون بها من المطر. في الشمال هناك فراغ كبير. البرد شديد هنا. في الشرق، فوق جبال تحيطها ثغرات كبيرة في الوعي ثمة مدينةٍ ذات جدران متينة محمية برماح مسننة إسمها بعيد المنال: الفردوس.

الطباخ
سكان المنطقة يسمونه مُحْسِنا. مأكولاته شهية ومغذية. اليوم هناك حساء قرع وفلفل محشي وقطعة لحم من كتف الحمل، وبعدها بوظة القرفة. هو الذي تسوق ما سيُطبخ اليوم. يقول، من الضروري تبسيط معدات الطبخ.
ها هو يخرج من باب المطبخ ويبتسم لسيدة جميلة، أستضافها مرات عديدة، تذكره نظراتها بهدية الرغبة الرائعة. هو يعي سحرها في هذه اللحظة، وليس بعد أن تغادر المكان. أنه يعشق النار، ولا تنتهي أمنيته بأن يحترق.
أنه يريد أن يكتب عن الطبخ كتابا: يجمع فيه التجارب التي كسبها خلال عمله. وإضافة الى وصفات الطعام يريد أن يحتوي كتابه كذلك على تاريخ معدات الطبخ من الفخار والبرونز والصلب. كذلك فصل عن الطبخ بالبخار وعن الشي والطبخ بالصلصة وفي الفرن. حين يفكر يتطلع الى رأس غليونه. اما النبيذ فانه يقوده في نزهة.

ما يفعله البشر
في معرض الفنون في كارلسروهه هناك لوحة للرسام ماتياس غيرونغ عنوانها: quot;الميلانخوليا في جنينة الحياةquot;، منظر يمكن أن نرى فيه أكثر من مئة إنسان. في وسط اللوحة إمرأة تتميز عن الآخرين من خلال حجمها الكبير. أنها تمتلك أجنحة وتسند رأسها على كفها. في السماء قوس قزح، إشعاع ناري.
ماذا يفعل البشر؟ أنهم يرقصون ويلعبون بالكيجل ويقودون الخيل، يعومون ويصيدون، يصطادون الأسماك، يعملون في الحقل أو في المناجم، يبنون بيوتا، يهربون، لا خيار لهم، يلعبون النرد يتسابقون في إطلاق النار أو في عزف الموسيقى، يقفون على رؤوسهم، يطوقون مدنا، يعدمون بعضهم البعض ويدفنون موتاهم. كل ما يفعلونه عابر.

لا تستطيع الوقوف على قدميها
فتاة، ربما عمرها سنتان، مضت مستندة على الجدار الذي يفصل الحانة عن الحديقة القريبة منها. بين فترة واخرى كانت تسقط على الأرض ثم تنهض وتلكع بلسانها الأحجار، تلاحظ انبوبا معدنيا مثبتا على الجدار فتدق عليه بملعقتها، وتجد حزمة من العشب تنمو في شق في الجدار، فتلتهمها. من شرفة هناك أمرأة تتطلع الى أسفل، يبدو أنها قد أفلتت توا من نزاع عائلي، إذ أنها تلقي بنظرة الى الداخل وهي تنادي بصوت مرتفع: كفى نزاعا.فرفع بعض زوار الحانة بصره الى أعلى. وحتى الفتاة كفت عن السير قرب الجدار وجرت لتحتمي بأبيها الذي كان يجلس عند إحدى الموائد طيلة الوقت بوجه متحجر ومغلق. الآن برزت على وجهه إبتسامة شقت قيود الحزن الذي كان يحيط به.