(1)
تغادر البيت في الصباح، تدخل المترو تحت معطف الفرو
الأسود، في عينيها برق وشموس لم تحاورهما بعد، بيد مرتجفة
تأخذ السكين وتفتح فرعي الخبز، تضع البيض والطماطم بينهما،
نظرة أخيرة على المرآة، نلتقي في المساء حين ينهي السيد قراءة
باقي ملفات الأمس.
رأس تغمره رمال زرقاء، غيوم تلف زجاج النافذة، قطة ما تتحرك
في المجال الذي خلفته من ورائها، مع منْ سيكون الكلام المبعثر
في مخيلتها، أسمع صخب الطابق الرابع بين امرأة ورجل لهما
ذات سحنتنا
يعيشان منذ دهور في كنف ضيافة مغلقة، كل يوم
يعد الرجل نفسه ليقول لها كلماته الغاضبةِ: رق لا أصل
ولا نهاية له حتى في الطوابق الشاهقة فيما وراء البيت
والسحب
التي تمر عاجلة دون مطر ولا وعد يفتح
المحارة لكي يخرج
الأجراس النائمة بينها.


(2)
لا نفع للعيش صدفة مع قبائل الغناء الثملة بحضور الخالق
هؤلاء الذين يضيفون أنفسهم للأعداد المتشكلة سلفاً سيندمون
ليس في هذه الظهيرة أو التي تليها لكن حين تكتظ الباحة بالأقزام
يحملون لوائحهم وسندات وجودهم المُثبتةِ في الناموس الأول الذي
شرعت المخلوقات بالنزوح من قشرته ومزقت بأصابعها دفاتر مجده.
سيندمون على بطاقات العيش توزع عليهم أثناء نومهم العميق، حين
كانت تمر الأمراض السارية والمزمنة بلا أثر وأطفالهم يمرحون مع
الماعز القوي ينط على الصخور حتى ذروة الجبل؛ عندما سينحدرون
باتجاه السهول المنبسطة ويرون بأعينهم رغد الحياة تتقاسمه تماسيح
مغمورة في مياه بحيراتها الخالدة، حينئذ سيقرأ عليهم الأقزام قانون
الرق وملاحقه التي أضيفت في اللحظة الأخيرة.


(3)
منهكة من النعاس الذي لم تذق موجاته الأخيرة، من الأربعين ساعة
في عمل المكينة وصماماتها الألفية، ستعود إلى الدار تسحب أذيالها
وقد محا رق النهار الكحل الذي سودت عينيها بسحره قبل تناولها
فنجان القهوة الذي أعده لها كل يوم عند الخامسة صباحاً؛ أوه كم
تقلقني حالتي حين أراك هكذا مفرغاً من الهم والأرق يأكلان صورتي، لمَ
لم ترافق أمس الأطفال إلى المدرسة، ستظل دائماً عاجزاً عن مسح
أرضية البيت أو الذهاب إلى البريد حتى تستلم راتبك الشهري، كيف تحلم
ببقائي معك كل الأعوام القادمة والآثام المشتركة، أحياناً أقول مع
نفسي: أنت الرق المجسد بعينه، ذلك الذي تحدثت عنه جميع الكتب
السماوية.