الشاعر محمد حسين آل ياسين: نسيج وحده في الاستاذية التي لا تشبه احدا اخر
الناقد ماجد السامرائي: الذي يقول انه عرف الطاهر والتقاه ولم يستفد منه فهو كذاب
الدكتورة خيال الجواهري: كان والدي يشيد به مثقفا وانسانا داخل البيت او خارجه
الروائي طه الشبيب: كان عمدا حمل لنصف قرن على كتفيه خيمة النقد في العراق

عبد الجبار العتابي من بغداد:في التاسع من شهر تشرين الاول / اكتوبر عام 1996، رحل الناقد والكاتب العراقي الكبير الدكتور علي جواد الطاهر، وها هي الذكرى الرابعة عشرة لرحيله تحل، أي ان 14 سنة مضت، ويبدو ان السنوات هذه إحداها تأكل جزءا من حال التذكر له، فالرجل المميز والذي كانت تتسيّد طروحاته وافكاره المشهد الثقافي ويتحاور بها اهل الثقافة والادب، لم يذكر الا لماما، ربما للضرورات حيث ينظر البعض ويجد نفسه مدينا لهذا الرجل فيذكره، ولكن.. طوال السنوات لم تهتم به المؤسسة الثقافية العراقية بما يليق به، فلم يتم له ما يتم للمشاهير الذين تركوا آثارا وبصمات، ومن الممكن القول ليس هنالك شارع باسمه ولا قاعة ولا تمثال نصفي في أي مكان ولا طابع بريدي، بل ان المؤسسة الثقافية لم تعرف تاريخ وفاته لتقيم له احتفائية استذكارية على الاقل كجزء من الوفاء له او التذكير به كونه احد اعلام الثقافة والادب في العراق، لم نجد الا دار بابل للثقافات والفنون والإعلام في المحافظة التي ينتسب اليها الراحل (بابل) التي اعلنت عن اقامة ندوة استذكارية تحت عنوان (علي جواد الطاهر رائداً في النقد العراقي الحديث) صباح يوم السبت 9/10/2010، ويشارك فيها الدكتور عدنان العوادي والدكتورة نادية غازي العزاوي والدكتور سعيد عدنان المحنة ويديرها الشاعر صادق الطريحي.

والدكتور علي جواد الطاهر من مواليد مدينة الحلة عام 1919، تخرج من دار المعلمين عام 1945، وحصل على البكالوريوس من كلية الاداب جامعة فؤاد في القاهرة عام 1948، حاز دكتوراه الدولة في الاداب من السوربون عام 1953 وعمل استاذا مساعدا في كلية الاداب جامعة بغداد، وكان اول سكرتير تحرير لاتحاد الادباء في العراق عام 1959-1963، كما عمل استاذا مساعدا في كلية الاداب جامعة الرياض 1963-1968، واستاذا زائرا في جامعات الجزائر وقسطنطينية وصنعاء وقطر، حتى احيل على التقاعد عام 1979 مع 24 استاذا جامعيا لعدم رضى النظام السابق عنهم، رحل في 9/10/1996 بعد ان اصيب بمرض عضال ولم يتمكن من السفر والعلاج خارج العراق بسبب المضايقات التي مارسها النظام ضده، رحل وترك مئات المقالات في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية وما يزيد عن 40 كتابا، بالاضافة الى مخطوطات عديدة تنتظر من ينشرها.

ولأن الرجل يستحق ان يذكر ، فقد اردنا استذكاره هنا على طريقتنا الخاصة، ان نقف مع الذين يعرفونه عن قرب وعاشوا معه لقراءة شيء من سيرة الراحل وقيمته الفكرية والادبية، وكذلك ماذا قدمت له المؤسسة الثقافية.

ابتدأنا بالشاعر الكبير الدكتور محمد حسين آل ياسين الذي قال : علي جواد الطاهر.. الذي يحلو لي كلما ذكرته ان اصفه بالعظيم، لاستاذي العظيم، فصار هذا ديدني منذ حياته ولا اقول بعد وفاته، انني اذا اردت ان انقل رأيا له او توجيها علميا اقول قال استاذي العظيم الدكتور علي جواد الطاهر، وليس كثيرا عليه، بل اقل من حقه فإنه استاذ وانسان لا يتكرر بسهولة، بل لا يتكرر، فهو نسيج وحده في العطاء العلمي، ونسيج وحده في الاستاذية التي لا تشبه احدا اخر من زملائه ممن درسنا في القسم، ونسيج وحده في الرحمة والانسانية، هو ابو طلابه بكل ما تعنيه كلمة الابوة من احتضان واهتمام ورعاية وتوجيه وتقديم المعونة والمساعدة ومكتبته بين ايديهم دائما، خسارته كبيرة على الوسط الجامعي والادبي والنقدي ولا تعوض بسهولة، فعناوينه كثيرة، فهو استاذ لا يبارى وهو ناقد ذو منهج في تناول النصوص الابداعية شعرية وقصصية وروائية ومسرحية، لا يشبه غيره وركن في الاكثر الى المنهج الانطباعي، بين الواقعي والانطباعي، ونجح فيه نجاحا كبيرا، اضافة الى انه كاتب مقالة مميز بحيث ارتفع بالمقالة من حضيضها الذي كان الى ان صارت جزءًا من الابداع العراقي، فمقالاته المتسلسلة في مجلة (الف باء) وفي جريدة (الجمهورية) ومجلات وجرائد اخرى والتي جمعها في كتاب بعد ذلك تحت عنوان (الباب المفتوح) تدل على انه مبدع قبل ان يكون صاحب فكرة يريد ان يطرحها في هذه المقالة، رحم الله علي جواد الطاهر.

واضاف : المؤسسة الثقافية العراقية.. اهتمت بشيء من عطائه وفكره وكتبه ولكنه قليل، كل ما فعلت المؤسسات الثقافية في مثل علي جواد الطاهر يعد قليلا، فهو رجل معطاء وقائمة آثاره في النقد واللغة والادب وتحقيق المخطوطات ودراسة التراث قائمة طويلة نفخر بها ونعتز، والمكتبة الان تعتز بوجود آثار الدكتور علي جواد الطاهر فيها، وفي الحقيقة سوى اتقانه الفرنسية التي كان من خلالها يطلع على كل ما ينشر في اللغة الفرنسية ويستفيد منه كثيرا واشعرنا خلال الدرس انه يعرف دقائق قضايا الابداع والادب الفرنسي، واستفاد ايضا من مناهج الدراسة النقدية في (السوربون) ونقلها الينا، كان لايشبه غيره، كان ينصحنا قبل الامتحان ان لانقرأ شيئا وهو شيء صادم بالنسبة إلى الطلاب ان الاستاذ عندما يعين موعد الامتحان يقول : اطلبوا منكم ان لا تقرأوا شيئا لانكم حين تقرأون ستكونون نسخا مما تقرأون وحين تتركون القراءة وتكتبون مما لديكم من خزين معرفي نقدي ستظهر شخصياتكم على حقيقتها في الورقة.

وتابع : المؤسسة الثقافية لم تعطه حقه ابدا.. ابدا، لم تفه حقه ولا ربع حقه ولا عشر حقه، فعلا انا اتطلع الى اطلاق اسمه على شارع وعلى ساحة وعلى قاعة واقامة تمثال نصفي او كامل له واصدار طابع باسمه في ذكرى وفاته واعادة طبع مؤلفاته في اقل تقدير.

وانتقلنا الى الناقد والكاتب المعروف ماجد السامرائي الذي تحدث قائلا : حين نذكر الدكتور علي جواد الطاهر اذكر فيه معلما كبيرا، معلما.. بمعنى انه كان فعلا يحمل الى من يتصل به، من يعلمه، من يزامله، من يلتقيه، من يتحادث معه، دائما.. هناك معرفة، هناك علم ولم يكن يبخل بهذا العلم على احد، كان يساعد طلبة الدراسات العليا المساعدة التي تكونهم وليست المساعدة التي تجعلهم يكتبون الرسالة فقط، ولم يكن يهمه ان تكتب شكرا له او لا تكتب، فهذه مسألة لم يكن يعرها أي اهتمام، كان يعتبر العلم والمعرفة، كما قال طه حسين، وهو يحب طه حسين كثيرا، كالماء والهواء، وكان يشيع هذا الهواء ويجعل الماء في متناول الاخرين، وكان واضحا في موقفه النقدي وصريحا في هذا الموقف، فهو لا يجامل، اذا وجد نصا.. قرأه فأعجبه يبدي اعجابه بهذا النص الذي قرأ بطريقة لا تعرف حدودا، لا اريد ان اقول من العواطف بل من الموقف النقدي الحقيقي الذي يهدي هذا الكاتب الى الطريق الصحيح الذي سلكه ويشجعه على المضي اكثر في هذا، واذا وجد في نص قرأه ما لم يعجبه او ما لم يكن متوافقا معه يكتب عنه بهذه الرؤية حتى لو كان كاتب النص من اقرب الناس اليه، ولذلك هو حتى مع نفسه لم يكن متهاونا لانه لم يكتب أي شيء وانما كان يكتب بطريقة اقرب الى طريقة الشاعر الاصيل، أي ان هناك ما يحركه دائما، الذين لا يقولون لك سواء كانوا من جيلي او من الجيل الذي قبلي او من الجيل الذي تلى، الذي يقول لك انه عرف الدكتور الطاهر والتقى الدكتور الطاهر او درس على يد الدكتور الطاهر او استمع الى محاضرة للدكتور الطاهر ولم يستفد منه أصمه بدون تحرج بالكذاب !!.

واضاف : هذا الرجل لم يكن يسعى الى شيء، فقط كان يسعى الى الثقافة والمعرفة، وانا موجود في المؤسسة الثقافية سواء في جريدة (الجمهورية) حين كان يكتب فيها اسبوعيا ومن بعد.. بدأ يكتب (من الافق الادبي) ومن ثم بدأ يكتب في صفحة افاق ايضا حين استلمتها انا، وكتب ايضا في مجلة الاقلام حين استلمتها انا وقبلي، ونشر كتبا في وزارة الثقافة، وتقريبا معظم كتبه التي نشرت، نشرت ضمن منشورات دار الشؤون الثقافية، بحسب علمي في الصحافة لم يرفض في يوم ما لعلي جواد الطاهر، وفي المجلات لم يرفض في يوم ما او يُعتذَر (ضم الياء وفتح الذال) عن نشر مقال لعلي جواد الطاهر، ولا في الكتب حسب علمي ان هناك كتابا للدكتور الطاهر أُعتذر عنه، بل كان يكتب وينشر ما يكتب.

وتابع السامرائي : الدكتور الطاهر توفي في سنوات حرجة، سنوات كانت الحياة فيها صعبة، ولم يكن هناك انتباه او تفرغ لمثل هذه الامور، لان هذه الامور ليست من اختصاص وزارة الثقافة وانما من اختصاص امانة العاصمة ان يكون شارع باسمه او تكون هناك قاعة باسمه، في سنوات الثمانينات وما بعدها كانت قبلها فعلا موجودة وعملوا تماثيل لفلان وفلان وفلان، في الثمانينات اصبح الاعلام طاغيا على الثقافة وكان الدور الاكبر للاعلام وليس للثقافة وكنا نعمل العمل الثقافي، فهذا العمل كان يدعم ولكن يدعم ليس بالطريقة التي كان فيها في السبعينات، ولا ننسى ان وزراء الثقافة الذي كانوا في السبعينات كانوا شيئا، ومن كانوا في الثمانينات كانوا شيئا اخر، يعني كان في السبعينات عبدالله سلوم السامرائي وشفيق الكمالي، وفيما بعد اصبح وزير الثقافة هو وزير اعلام اكثر منه وزير ثقافة، ولكن علي جواد الطاهر انا حسب علمي بالنسبة إلى وزارة الثقافة التي كنت انا من العاملين فيها وفي المجال الثقافي كان الطاهر استاذا كبيرا وكان اسما كبيرا وكان دائما في المقدمة وكان في معظم مهرجانات المربد له دور وله بحث وله حضور كبير، واتذكر ان في اول مهرجان للمربد عقد في البصرة وحضرته شخصيات مهمة من الوطن العربي وخارجه، اسند الى علي جواد الطاهر ان يدير ندوة في المساء كانت كبيرة ومهمة جدا في فندق شط العرب، فكان الطاهر رجلا محترما ومقدرا لانه هو محترم ومقدر من تلقاء نفسه.

اما الدكتورة خيال الجواهري ابنة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري فقالت : اتذكره حين حضر تأسيس الاتحاد العام لادباء العراق في حديقة بيتنا بالاضافة الى انتخاب نخبة لرئاسة الاتحاد ومنهم الدكتور الطاهر، وكان والدي الجواهري يكن له كل الاحترام والتقدير والاعتزاز ودائما يشيد به مثقفا وانسانا سواء داخل البيت او خارجه، كان صديقا له وظلت علاقته به جيدة وطالما تحدث عنه،وكان والدي يسأل عنه ويتابع اخباره، وان كانت الاتصالات قد انقطعت حينما كنا في سورية، ولكن والدي كان يتابع اخباره واخبار اعضاء الهيئة الادارية لاتحاد الادباء.

واضافت: الطاهر كاتب وباحث وناقد معروف له وزنه في الوسط الثقافي العراقي والعربي وله شهرته ومكانته التاريخية المميزة، مثلما له مؤلفاته القيمة وهو استاذ في الجامعة له طلبته الذين تخرجوا من بين يديه وكذلك الادباء الذين نهلوا من علمه ومعرفته.

وتابعت : للاسف ان المؤسسة الثقافية لم تف الرجل حقه، وهي لم تف حق الكثيرين من المثقفين والادباء، فأنا برأيي ان علىالمؤسسات الثقافية ومنها وزارة الثقافة واتحاد الادباء ان يتوقفوا عند هؤلاء المشاهير مثل علي جواد وهادي العلوي ومحمد المخزومي الذين كان لهم دور مميز في الحياة العراقية، المفروض ان يكون هناك اهتمام اكبر بهم وببحوثهم، وهذا سوف يسمح للاجيال التي لا تعرف من هو جواد الطاهر التعرف اكثر إلى مكانته ومكانة غيره من كبار المثقفين لان هؤلاء اغنوا العراق ثقافيا وادبيا.

فيما قال الروائي الدكتور طه الشبيب فقال : يوم ذكرى وفاة الراحل الكبير علي جواد الطاهر يوم لتذكر مجد النقد في العراق والوطن العربي، هذا الراحل الكبير كان عمدا حمل لنصف قرن على كتفيه خيمة النقد في العراق، كان سابرا للمعاني وللافانين، فن الشعر والرواية والقصة، كان لقاطا لها، للقى التي كانت تنتثر في هذه النصوص وتلك، لو كان موجودا بيننا اليوم لامتلأت السماء العربية وربما العالمية بأسماء مبدعينا، فهو كان عراب الابداع الحقيقي، وكان يلتقط الابداع الحقيقي فلا يألو جهدا في ان يربت على كتفيه ثم يحمله فينطلق به في اعالي سماء الانتشار وسماء التلقي، لقد كان يأخذ بيد المتلقي فيضعه على الحقيقي والاصيل من الابداع، هذا الرجل كان صاحب عين ثاقبة مخلصة ذكية، تجد الذهب تحت التراب فتلتقطه، هذا الرجل كان موئلا للنقد الذي يرقى إلى مستواه الى الابداع.

واضاف: لقد طبع له ما طبع ولكنه ترك وراءه ارثا كبيرا من الكتب ينتظر الطبع ولم يبذل احد جهدا لكي يلتفت الى ابداعاته التي تركها وراءه، اذ لا ننسى انه كان ممسكا بقلمه يوم اغمض عينيه للمرة الاخيرة، المؤسسة الثقافية لم تعمل له شيئا، لا شيء عملت له، ولو كان موجودا في أي منطقة متخلفة في العالم لاقاموا له نصبا واحدا في الاقل يذكر بإبداعه الكبير.