خالد يعقوب عويس من دمشق: أشعل مصرفي بات مالكا لصالة لعرض الاعمال الفنية quot;حربا ثقافيةquot; في الساحة الفنية السورية المحافظة بمحاولة جريئة لتقديم الفن العربي المعاصر للاسواق العالمية التي تدر أرباحا كبيرة. وربما يدور معظم الجدل على شبكة الانترنت وفي الصحافة في لبنان المجاور مما يشير الى الحدود التي تقيد وسائل الاعلام السورية التي تسيطر عليها الدولة. لكنه يضرب في قلب عالم الفن في دمشق ليضع تراثا ثقافيا تشكل في العقود الاربعة الاخيرة نتيجة الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي في مواجهة مزاج شعبي أصبح أقل اهتماما بالسياسة وأكثر ميلا لنزعة تجارية غربية الطابع.
ويقول يوسف عبدلكي الذي ترصد أعمال الحفر التي يقدمها ورسوماته بالفحم حقبة من التوعك السياسي العربي ان خالد سماوي صاحب صالة عرض ايام للفنون التشكيلية يبيع أعمالا دون المستوى بأسعار مرتفعة. ويرى أن هذا يخفض من مستوى الجودة في أنحاء الشرق الاوسط ويهدد ما يعتبره الفنانون المعترف بهم وأصحاب صالات عرض الاعمال التشكيلية القدامى فنا جادا. وترك عبدلكي البالغ من العمر 60 عاما والذي يقول ان المتحف البريطاني من بين الجهات التي تجمع أعماله صالة ايام العام الماضي احتجاجا على ذلك. ويفند سماوي اتهامات عبدلكي ويقول ان الفن السوري كان يقدر بأقل من قيمته قبل دخوله هذا المجال عام 2006. وشملت الاستراتيجية التسويقية النشطة لصالة أيام التوسع في بيروت ودبي والبيع من خلال صالتي المزاد العالميتين كريستي وسوذبي مما يعرض الفن السوري امام جمهور أعرض. وتصاعدت حدة الجدل الشهر الماضي بعد نشر تسجيل بالفيديو على موقع يوتيوب يظهر احراق مقال لعبدلكي نشرته احدى الصحف. وفي المقال يتهم الفنان سماوي ببيع الفن كسلعة. أعد الفيديو عمار البيك وهو أحد الفنانين الشبان والذي تسوق صالة ايام أعماله بوصفه فنانا معاصرا وهو الجيل الذي يتناقض مع جيل عبدلكي الاكثر ميلا لانتقاد المجتمع. وسجن عبدلكي من عام 1978 الى عام 1980 وعاش في فرنسا 24 عاما قبل عودته الى وطنه عام 2005. وتصور سلسلة أعمال الحفر التي نفذها عبدلكي من عام 1989 الى عام 1995 الحكام العسكريين العرب المزهوين يحيطهم الفساد.
في لوحة بالفحم عام 2005 حملت عنوان (مرثية الى جيل السبعينات) في اشارة الى الشخصيات الوطنية اليسارية السورية من كتاب وفنانين الذين نضجوا في السبعينات ثم قمعوا فيما بعد يصور عبدلكي ساعدا ضخما مقطوعا بقبضة مغلقة في تعبير عن التحدي في مواجهة القمع. واشتهر الرسام السوري نذير اسماعيل (63 عاما) أحد اكثر الفنانين السوريين غزارة في الانتاج بلوحات تحوي وجوها تجريدية لا فم لها مما يرمز الى القيود الشديدة المفروضة على التعبير في البلاد.
ويقول خبراء أن أربعة عقود من القمع عززت نهضة الفن السوري الحديث. ومنذ تولي حزب البعث الحكم عام 1963 وتطبيق قوانين الطواريء عبر فنانون كثيرا عن أفكارهم السياسية من خلال التجريد. وظلت أسعار الاعمال الفنية السورية متواضعة نسبيا حتى خمسة أعوام مضت حين بدأ المستثمرون الخليجيون يعتبرون الفن المعاصر استثمارا ورفعت سوريا القيود على مشروعات القطاع الخاص. وفي عام 2006 حين افتتحت صالة ايام في دمشق بدأت الاسعار ترتفع.
وتقول صالات معروفة لعرض الاعمال الفنية في دمشق ان صالة ايام تسببت في تضخم الاسعار باقتنائها مجموعة ضخمة من الاعمال مما حد من الاعمال الفنية المتاحة وتسويق أعمال فنانين مغمورين لزبائن خليجيين خبرتهم الفنية محدودة. وتجاهل سماوي الانتقادات قائلا ان التركيز العالمي على الدول العربية بمنطقة الشرق الاوسط بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة ساعد في تعزيز الفن السوري. وقال لرويترز ان صالة quot;أيام كانت الاولى وقوية وديناميكية. لا أعتقد أن الفن بالشرق الاوسط اليوم باهظ الثمن لمجرد أن سعره منذ عشر سنوات كان عشر سعره الان.quot; وارتفعت أسعار الاعمال الفنية في ايران وأنحاء الشرق الاوسط ارتفاعا شديدا في الاعوام الخمسة الماضية. وضاعف سماوي تقريبا وهو مصرفي سابق كان يعمل في سويسرا أسعار لوحات الفنان السوري صفوان داحول خلال معرض 2006 وارتفعت الاسعار اكثر منذ ذلك الحين. ومنذ ان ترك عبدلكي واثنان اخران من الفنانين صالة ايام العام الماضي جند سماوي جيلا أصغر سنا من الفنانين.
وقال عصام درويش صاحب صالة عشتار للاعمال الفنية انه في حين أن صالة ايام ربما استقطبت زبائن أجانب فان العملاء السوريين يعزفون عن الشراء بأسعار يعتبرونها متضخمة بسبب صالة ايام وارتباطها بصالات مزاد في الخارج. لكن الرسامة ليلى نصير (70 عاما) أخذت صف سماوي قائلة ان صالة أيام سوقت أعمالها بطريقة احترافية وأعطتها التقدير الذي تأخر كثيرا كرائدة عربية.
وكانت نصير من الفنانين المعاصرين للفنان السوري الراحل فاتح المدرس الذي كان يبيع لوحاته بأسعار تراوحت بين 300 والف دولار حتى وفاته عام 1999. وتباع أعماله الان بما يقرب من 200 الف دولار. وأثار سماوي مزيدا من الجدل حين قال لدورية (يوميات ثقافية) الشهرية في فبراير شباط انه يرجع ارتفاع الاسعار الى الحظ والدعاية ونجاح صالة الاعمال الفنية. ورد عبدلكي في يونيو حزيران بمقال في جريدة السفير اللبنانية بعنوان quot;الاسس المالية لعلم الجمال السماويquot; أعقبه مقال اخر في اغسطس اب بعد أن لمح داحول الى أن انتقادات عبدلكي لسماوي لها دوافع سياسية. ويرى عبدلكي أن التسويق لا يستطيع تعريف الفن وأن الفنانين الشبان لا يمثلون فئة حقيقية بفضل صغر سنهم. ويتفاوت مستوى أعمالهم تفاوتا كبيرا. وقال عبدلكي quot;أهمية اي صالة عرض هي من أهمية فنانيها وعلو ابداعاتها والعكس ليس صحيحا.quot; وترك فادي يازجي الذي عرضت أعماله في مزادات عالمية صالة الفنون التشكيلية بعد فترة قصيرة من ترك عبدلكي لها. وكان ثالث فنان كبير يتركها منير الشعراني الذي كانت أعماله بفن الجرافيك واستخدامه لنصوص غير دينية مثل لوحة quot;التيه يبدأ منكquot; التي رسمها عام 1998 وراء احياء الخط العربي.
وتقول سوسن بابيه استاذة الفنون بجامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونيخ ان من المتفهم أن يشعر الفنانون المعروفون quot;بعدم ارتياح (لصالة) ايام بوصفها متعهدة فئة تتصل بنمط حياةquot; تحاكي صالات العرض الفني الغربية.وأضافت بابيه أن الساحة الفنية المعاصرة في سوريا وبقية أنحاء الشرق الاوسط تجازف بأن تفقد الاصالة التي يوفرها لها الفنانون.وأضافت quot;زملائي في الغرب ينظرون بسخرية للكثير من هذه الاعمال الفنية ويعتقدون أنها تكرار لبعضها البعض.quot;
(رويترز)