من أمام طاولتي
مر بائع عقود الاكاسيا
من أمام طاولتي عبر وتخطاني
كأنه لم يلحظ وجودي لم يرني
اقترب مادا يديه بطبق الاكاسيا
إلى الطاولة المحاذية لطاولتي
ضايقني تجاهله لي لكن عذرته حين نظرت لوجه المرأة
تبتسم وبإشراق للرجل الذي يجالسها
فما نفع الاكاسيا لامرأة مثلي تجلس وحيدة
حزينة الملامح
تنظر الى وجوه المارة وكأنها نفتقد وجوه احبة
لكن ملامح الحزن تزداد في وجهها المفتقد لوجود
حبيب واحد ليس اكثر
أخذني هذا المقطع من تلك القصيدة إلى ماحدث معي ذات يوم لكني لم استطع صياغته بشكل أدبي لأني لم أكن في يوم ما امتلك المقدرة لاعلى الكتابة ولا على التعبير لكني حين قرأته أخذني وبقوة إلى ماحدث معي وكأن كاتبة تلك الكلمات كانت معي أو ربما تعاني ما أعانيه
كنت اقرأ الكلمات وأنا ماسورة بكل حرف وكأني مغيبة داخل اللغة
حالة من الشرود أو ربما حالة من التماهي لمطابقة الحالة التي مرت معي بهذه الحالة التي اقرأها الآن وإعجاب قوي بالكلمات التي امتلكت كاتبتها مقدرة التعبير
مع اختلاف بسيط للأحداث فما مر معي لم تتطرق له الكاتبة ربما لأنها كانت تعاني فقط من حالة الوحدة والافتقاد
أما أنا فمنفية عني حالة الوحدة كأمر مُعاش لأني امرأة متزوجة إذا لدي أنيس أو شريك للحياة هذا مايؤخذ كنظرة أولى عني أو لنسميها نظرة سطحية أولية
وأيضا حالة الافتقادلا وجود لها فماذا تفتقد امرأة متزوجة
لكني في واقع الحياة امرأة وحيدة تفتقد الرجل
والافتقاد هنا لايبوب في خانة وجود شريك معي في البيت إنما افتقاد لكل حالة حب أو عشق أو ود أو لهفة
لن أطيل بسرد ماحدث معي واقترابه أو ابتعاده عن حالتي وحالة الكاتبة وعقد الاكاسيا
كنت برفقة صديقتي حين صعد إلى عربة المترو بائع الاكاسيا فأصرت صديقتي أن تشتري عقدين تهدي واحد لعنقها والآخر لي حاولت أقناعها بان تزين عنقها فقط أما عنقي فجماليته بتجرده إلا من غطاءه اللحمي لكنها دفعت بالنقود إلى الرجل الذي مد إليها عقدين وأنصرف ليتابع طريقه عارضا عقود الاكاسيا على ركاب العربة
سارعت صديقتي بوضع عقد الاكاسيا حول عنقي وهي تربط خيوطه الطويلة ومدت إلي بعقد الاكاسيا كي أزين بها عنقها وهي تبتسم إلى رجل يقابلنا في المقعد تحدثه بلغته عن جمالية الاكاسيا لونها عطرها فرد عليها مجاملا أن أعناقنا جميلة نحن العربيات وستزداد جمالا حين يفوح منها عطر الاكاسيا
أنهيت مهمتي بربط خيط العقد وأنا أتذمر من منظر الخيط حول عنقي لكنها كانت فرحة تكاد ترقص وهي تتحدث عن لحظة دخولها المنزل واستقبال زوجها وهو يضمها شاكرا لها تلك الحركات المنعشة لحبهما فعقد الاكاسيا سيمنح هواهما دفقه منعشة جميلة من الود
وستكون دفقه هواء لطيف بعد قيظ يوم طويل قد غابه عنها وعن الأولاد والمنزل فهنا ساعات العمل طويلة متعبة تحتاج هكذا زوجة تمتلك مثل تلك الحركات اللطيفة
تتلمس صديقتي الوردات المنمنمة الرقيقة التي شكلت حبات العقد وهي تحكي عن كيفية استقبال زوجها لها وكيف ستكسب وقت أطول وهو يضمها معانقا ليستنشق عبق عطر الاكاسيا الفواح من عنقها
حالة عشق ووله توحدت فيها صديقتي وهي تتلمس العقد وتتحدث عن زوجها
هي تتكلم وبفرح عن تلك الحالة وتصف روحها كيف ستصعد الدرجات العالية لسكنها في الطابق السادس وكيف ستطرق الباب لأنها ستتقصد عدم فتحه بمفتاحها الخاص لأنها تريد معرفة دقة الملاحظة عند زوجها وكيف وكم و و و
هي تتحدث وتسرد تريد أن لايتوقف المترو في بقية المحطات كي تسارع بخطاها في تسلق الدرج وأنا أفكر بكيفية إزالة العقد عن عنقي قبل أن أدخل البيت لكن لماذا أفك خيط العقد
ولماذا لااتركه على عنقي فانا بكل الحالات اعرف مسبقا أن زوجي لن يرى العقد لأنه لإيراني أنا ككل ولا كتفاصيل
وهذه الحالة اكتشفتها بالصدفة لأني كنت أعتقد أن زوجي يراني لكني وبمحض الصدفة تيقنت من أنه لايراني وهذا اليقين أحدث بروحي اهتزاز لم أفق منه لمدة طويلة
كان شعري طويل يصل إلى منتصف ظهري ولونه باهتا فأحببت أن أغير لونه وكذلك تسريحته فقصصته إلى مافوق كتفي وسرحته بطريقة جميلة وتزينت لزوجي قبل عودته من العمل لكن زوجي عاد واستقبلته بكل الترحيب وشربت وإياه القهوة وجهزت العشاء وجلست بقربه لنسهر وأنا انتظر أن يبادر إلى كلمة تلميح عن شعري تغير لونه بررت في روحي ربما لأنه يراني دوما لم يلحظ لكن شعري قصره هل يعقل إنه لم يلاحظ
تعمدت أن أتذمر من الشعر القصير وكيف يصعب إبعاد عن العين فالتفت إلي عابسا ومتسائلا
هل قصصت شعرك متى وكيف
تيقنت وقتها من أن زوجي يملك تجويف العين ويملك الأهداب والرموش والبؤبؤ لكنه يفتقد إلى البصر
حاله حال الطفل المولود حديثا الذي يمتلك كل مؤهلات النظر والرؤية لكنه لايرى
وفعلا ودعت صديقتي في المحطة القريبة من منزلها وتابعت طريقي لمنزلي وعقد الاكاسيا يحيط بعنقي ودخلت منزلي ألقيت التحية وتقصدت أن لااغير ملابسي الأنيقة الخاصة بالخروج
وجهزت فنجاني القهوة لي ولزوجي وجلست أتكلم له عن خروجنا تسوقنا وهو يقرا الأخبار
مددت يدي إليه بلفافة تبغ تفصدت أن أشعلها له افتعلت قصة تحتاج إلى قوة تمثيل بالأصابع والرأس كي يلتفت إلي يراني ويرى عقد الاكاسيا من خلال الإشارات التي تعمدت زجها بقصتي عساه يرى العقد
لكن العقد بقي لمدة يومين مدلى على عنقي وبعدها نزعته وعلقته جانب سريري على الضوء
ربما حالة العقد أخذتني بجمالية نظرية أن مابيننا يشابه كثيرا العقد كيف كان متألقا ثم تحول إلى الجفاف والذبول والإهمال فما عاد يُرى إلا بحالته الأخيرة وهي الذبول والتعليق الى احد جوانب اثاث المنزل
كاتبة سورية مقيمة في باريس
التعليقات