سوزان خواتمي: لا يمكن الاستهانة بالآراء التي يعرضها الفيس بوك، وقد كتب أحدهم (ستاتوس) على صفحته [الجوائز العربية تثبط همة المبدعين بسبب غياب الاحتراف والشللية والعلاقات الشخصية (...) في المقابل يتعرض المرشحون والفائزون على السواء لحملات شعواء من الفضائح والشتائم (... ) هي كما يقال: طبيعة علاقة أغلب المثقفين العرب.!] جاء هذا التعليق عقب إعلان اللائحة الطويلة لجائزة بوكر للرواية العربية، والتي تضمنت تنوعاً مربكاً بين أسماء جديدة وأخرى ذات تاريخ في عالم الأدب؛ الأمر الذي، وكالعادة، فتح شهية التكهنات، والآراء التي لن تنتهي بإعلان اسم الفائز أو الفائزة أثناء معرض أبو ظبي الدولي للكتاب في آذار المقبل.
منذ انطلاقة جائزة البوكر عام 2007 من أبو ظبي بالتعاون مع جائزة البوكر البريطانية وبدعم من مؤسسة الإمارات، وهي تنال حظها الوفير من الجدل حول مصداقيتها ومشروعها وأهدافها، إذ لم تتورع الروائية ناديا خوست بالإعلان بأن بوكر العربية quot; تخترق الصف العربي والثقافة الوطنية وثقافة المقاومةquot; مطلقة اتهامات مازالت بلا دلائل حول جهات التمويل القائمة على الجائزة.!
حرب التصريحات لا تخلو من النقد الحاد، وتبادل الشتائم، والتشكيك بنزاهة التحكيم. فقد طالب الروائي جمال الغيطاني السنة الماضية بإلغاء الجائزة من أساسها. في حين تحدث الأديب إبراهيم عبد المجيد عن quot; إقصاء متعمد للروائيين المصريين quot; ودعا إلى مقاطعة الجائزة. نحن لم ننس بعد الجدل مترامي الأطراف الذي تناول أحقية فوز رواية ( ترمي بشرر) للروائي السعودي عبده الخال بالجائزة وأسبابه، وما رافق ذلك من ضجة أثارها انسحاب واحدة من أعضاء لجنة التحكيم، والأسباب الخفية والمعلنة وراء ذلك.
عواصف التشكيك تلك تنفع وجبة دسمة للصحف اليومية، وتعتبر مادة خام للأعمدة والزوايا، وهي لا تقتصر على جائزة البوكر فحسب، بل طال الانتقاد الأسماء التي فازت بجائزة عبد الله بشراحيل ونجيب محفوظ وصدام للآداب، كما انتقدت جائزة نبيل طعمة والمزرعة السوريتين اللتين لا ترقيان بإمكانياتهما المتواضعة إلى الجوائز العربية الأخرى، ومؤخراً كتب الكثير عن جائزة الشيخ زايد التي منحت لكتاب نقدي اكتشف فيما بعد بأنه مسروق ما أدى إلى سحب الجائزة ، واستقالة الناقد د. عبد الله الغذامي من لجنتها الاستشارية.. أمور مشابهة نالت جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في مصر، فهناك من طالب بسحب الجائزة التقديرية من سيد القيمي بسبب خلفيته الفكرية، فيما أعلن الروائي طارق الأمام أنه سيرفع قضية أمام المحكمة لاستعادة حقه في الجائزة التشجيعية للرواية، والتي سحبت منه بسبب فوزه بجائزة أخرى.. أيضاً انتقدت جائزة الأديبة ليلى العثمان المحلية حيث لا تشمل المبدعين المقيمين ما أدى إلى اقتصارها على حفنة من الأدباء الكويتيين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، ما يجعل المنافسة في حدها الأدنى. ولم ينج استطلاع (مجلة فوربس) من الاعتراضات إثر إعلانه تقدم جريدة (اليوم السابع)، على أكثر من 50 جريدة الكترونية، ما أثار حفيظة الصحف الأخرى، وانتقاداتهم التي وصلت حد افتعال جوائز وهمية كرد فعل ثأري.
إن الميل للتشكيك، لا يقتصر على الجوائز الأدبية والمحافل الثقافية فحسب، بل يطال المحاكم الدولية، وسيطال أية محاكمة أخرى فيما لو حصلت.! كما ينال من نزاهة حكام كرة القدم، فور فوز الفريق الخصم، و نتائج المسابقات الفنية، ولائحة ضيوف المهرجانات والأسباب من وراء دعوتهم، ويعترض حتى على انتخابات مجالس الجمعيات السكنية.!
الشك كثقافة لم يتأسس بالصدفة البحتة، بل جاء كرد فعل لتاريخ غني بحوادث الغدر، وتكالبّات السلطة، وسياسات ما أسرع ما تناقض نفسها، وتجارب هشة أدت إلى فقدان روتيني للعدالة، حتى صرنا قابلين للشك بالنوايا، والنظريات، والأنظمة، والحكومات، والقوى المعارضة، والجنس الآخر، والجيران، والعلاقات الإنسانية؛ وبالذات أيضاً.!
وعلى رغم الفوضى التي تحدثها الشكوك، حيث لا ترقى في معظمها إلى هدف الحقيقة الأسمى، لكنها تبقى ظاهرة صحية، بعد أن شبعنا حد التخمة من رفع الأصابع بالإجماع، وانتخابات النسب المئوية التامة، والنقد الذي لا يخرج عن التهليل والتصفيق وتبعاته من حفاوة النفاق، وكلها على وداعتها ذهبت بنا إلى الما وراء، لهذا دافع أغلب الفلاسفة أمثال الغزالي، وديكارت ، وأفلاطون عن مذهب الشك باعتباره طريق اليقين، فطريق التطور يسلكه المخالفين لا المنصاعين، وهو طريق محرض يتعارض مع سلوك القطيع الخانع للمسارات المرسومة سلفاً، وتأييدها أيا تكن.
لا ينكر أحداً بأن جائزة البوكر التي يسعى لها حتى أولئك الذين ينتقدونها تثير جواً من الحماسة، بل أن عدداً من الأصدقاء والصديقات بدؤوا فعلياً باقتناء روايات القائمة الطويلة ، لتشتعل التكهنات ووجهات النظر المختلفة وتوقعات الاسم الجدير بالفوز. إذن لتحتمل جائزة البوكر ما تحتمله من شغب، وكذلك باقي القضايا الإشكالية، ولنتابع بصدر رحب السجالات والمقالات سواء كتبت بغية الانتفاع من الضجة الإعلامية، أو بسبب عدم القبول بالخسارة، إلا أنها تبقى حالة صحية محفزة تدل على اختلافات فكرية علنية تتميز أخلاقياً على نميمة ما وراء الكواليس.. ومع الوقت ونضج التجربة ربما ينمو الحس النقدي، وباقي الحواس.!