محمد الحمامصي من القاهرة: صدرت رواية الروائي الراحل خيري عبد الجواد laquo;سلك شائكraquo; عن الدار المصرية اللبنانية، بغلاف الفنانة هنادي سليط، وهي من أهم روايات الكاتب في مسيرته الإبداعية، فهي العمل الوحيد الذي أنجزه قبل وفاته مباشرة، ووضع فيه عصارة خبرته السردية quot;الحياتيةquot; وإن لم تخرج عن التيمات الفنية الأثيرة لديه، مثل: الموت، والجنس، والتصوّف.
كان خيري عبد الجواد رحمه الله (توفي في يناير 2008) مغرمًا بهذه الثنائيات الضدية، وقد تميز فيها بموهبته النادرة، فلم تأتِ هكذا كاستعارة خارجية، لموضوع تغلفه، وإن رفدها، وبرع في ذلك، باستفادته القصوى من التراث السردي العربي القديم، خصوصًا الآليات السردية في ألف ليلة وليلة، وطعّم ذلك السرد المستفيد من التراث بالخطابات الشعبية وقصص الجن والعفاريت وكتب السحر، فاعتصر كل التراث في إبداعه، وكأنه يصنع تراثًا حداثيّا، حتى لقب بأنه أحد أهم الذين كتبوا عن الحارة المصرية بعد نجيب محفوظ.
وربما كانت الفكرة المرتكز في روايته تلك، هي التي يقول فيها quot;وربما الاختلاف هو ما يجذبني إليك، إنه قانون الجاذبية يا حبيبتي، فأرستقراطيتك في مقابل شعبيتي، جاذبيتك الأنثوية في مقابل رجولتي، ذكاؤك وسرعة بديهتك في مقابل أحلامي الطفولية، واقعيتك في مقابل خيالي الخصب، كُفْرك بكل شيء، يقابله إيماني الراسخ بكل شيء، فالثنائيات غير المتقابلة هي ما يصنع الدراما في إبداع خيري عبد الجواد (مواليد يوليو 1960) .
الإطار العام لسلك شائك، يدور عبر آلية الحكاية داخل الحكاية، الأولى عصرية بين بطل يعاني الإحباط وبطلة غريبة النشأة والثقافة عنه، وتأتي الحكاية الثانية، وكأنها الخلفية الموسيقية التراثية عبر حكايات قبل النوم التي يرويها لحبيبته، وكلها مأخوذة من الأساطير الشعبية، فالخيال الشعبي كان هو الجسر الذي عبر منه إلى قلب حبيبته، وتتداخل الحكايتان ليكتمل الإحباط العام باغتيال السادات في حادث المنصة.
الإطار العام الشكلي للحكاية غاية في البساطة، لكنه يكتسب غناه من زخم التفاصيل التي أجاد خيري عبد الجواد توظيفها في عمله، ليصبح على قلة عدد صفحات الرواية 116 صفحة فقط، من أغنى وأكثر الروايات إمتاعًا في العشر سنوات الماضية.
في أجزاء كثيرة من هذه الرواية الحيوية، لجأ عبد الجواد إلى لحظات تسجيلية، فيما يتعلق من الحكاية بالسياسة، وعاد في ذلك إلى مجموعة من المراجع، مثل: أشعار نزار قباني، وخريف الغضب لهيكل، واغتيال رئيس لعادل حمودة، والواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين، فضلاً عن الصحف المصرية، لكن هذه التسجيلية لم تصب الرواية بأي قدر من الجفاف\؛ لأنه تم غزلها بآلية سردية ناضجة، فكأنها بنت الخيال واللحم والدم، فلا نشعر بأي نفور منها، أو بسببها.
لخيري عبد الجواد قبل هذه الرواية مجموعة من الأعمال منها: حكاية الديب رماح، حرب أطاليا، قرن غزال، التوهمات، والعاشق والمعشوق، وكيد النساء. وكل هذه الأعمال، وضعت عبد الجواد في زمرة الحكائيين العظام، الذين كان الخيال سفينتهم في بحر الإبداع كما في الحياة معًا، فهو الذي قال عن نفسه quot;إذا أردت ملخصًا وافيًا لشخصي في كلمتين أقول لك: أنا رجل باع نفسه للخيالquot;.