إيلاف من لندن: أثارت رواية quot;تحت سماء كوبنهاغنrdquo; للكاتبة العراقية الأصل حوراء النداوي ردود فعل عديدة باعتبارها تمهد لما يمكن تسميته بأدب المهجر العراقي. فالكاتبة تربت وتعملت وتثقفت في القارة الأوربية حيث ماتزال تقيم. وجاءت روايتها كتصوير واقعي للجيل الثاني من العراقيين المغتربين دون أن تفقد الصلة في بنية وراتيها ببلدها العراق.
ولم يجر الاحتفاء بها وبعملها الأول على نطاق لائق. وربما ساهمت هي في ذلك حيث ترى أن مفاجأة العمل الأول والاحتفاء به إعلاميا ستنتهي بعد فترة من صدوره أو مع صدور اعمال أخرى. مفضلة استثمار الوقت للاشتغال على عمل روائي آخر، كما اخبرك إيلاف خلال حوارها معها.
أنت من جيل بنيت ركائز وعيه الوجودي خارج المنطقة العربية التي يكتب او يتحدث اهله بلغتها.. هل تشعرين بقطيعة أو هوة بينك وبين أقرانك من الكتاب العرب؟
- الأدب و الموسيقى و الفن كل هذه الأجناس الإبداعية تخلق روابط تلقائية لأنها جزء من روح هذا الكون.. لا أشعر بقطيعة سواء كقارئة أو ككاتبة مع أي كاتب أو عمل أياً كانت خلفيته.. و لا أظن بأن عوامل مثل الإغتراب أو الإختلاف يمكنها أن تضع حاجزاً امام منضومة الأدب الواسعة, بل أجدها تتهاوى أمامها..
ثم إنني من جيل الانترنت و الفضائيات التي قربت التواصل مع الداخل.. و في مكتبات كوبنهاغن العامة كنت التقط حتى الكتب العربية الممنوعة في بعض الدول العربية, ما يعني أن المادة الأدبية و المعرفية كانت متوفرة لي الى حد كبير..
مرجعيتك الثقافية او الروائية بالاحرى تبدو غير عربية.. ومن خلال صدور اول رواية لك بالعربية هل تشعرين بغربة ما في الواقع الثقافي العربي حين يجري الحديث عن أسماء ومؤلفات بعينها؟
- مرجعيتي الثقافية ليست غربية صرفة, كما إنها ليست عربية صرفة.. في الثانية عشرة كنت أقرأ لهانس كريستيان أندرسن و أستريد لندغرين, لكنني أيضاً كنت اقرأ للمنفلوطي و المتنبي.. ثم إن دور البيت و الأسرة كانا أساسيين لتشكيل وعيي الثقافي, الى درجة أني في سن المراهقة أصبحتُ أكثر تفوقاً في التواصل باللغة الفصحى مني بالعامية العراقية, بما أن اللغة الدنماركية كانت عاملاً محركاً في حياتي أصلاً..
لعل أهم ما في مرجعيتي التي ذكرتَها هو تعلمي منذ البداية ألا أتعامل بعنصرية مع أي صنف ثقافي.. لدي الاستعداد للتعرف الى كل ما هو جديد و التعلم منه.. و أجيز لنفسي الإدعاء بأني مطلعة الى حد ما على أحوال و نتاجات الواقع الثقافي العربي, و لا أجد نفسي أشعر بغربة تامة لأن الاختلاف و التنوع أمر ضروري عدى عن كونه عادي.. لكن إن حدث و شعرتْ روايتي بغربة, فإنني لن أكون الى جانبها للطبطبة عليها و التخفيف عنها..
من هم الكتاب الذين تنحازين لقراءتهم وتسعين للارتقاء لمستواهم الادبي؟
- لست تنافسية.. لا يهمني أن أرتقي الى مستوى أحد ما.. كل الذي يهمني هو أن أطور من نفسي.. و لا أفضل كلمة quot;انحيازquot; لذا ساخبرك ببعض الذين أحب ان أقرأ لهم فهم كثر.. أحب قراءة أعمال ماركيز و دوريس لسينغ و إيزابيل أليندي و أورهان باموك و أحلام مستغانمي و حنا مينة و إليف شفق و بتول الخضيري و نجيب محفوظ.. من جيل الشباب أحب القراءة لبثينة العيسى و محمد حسن علوان..
روايتك تحت سماء كوبنهاغن أثارت ردود أفعال عديدة.. هل كنت تتوقعينها؟
- انشغالي بالرواية لم يترك لي مجالاً للتفكير في تبعاتها.. بالنسبة للرواية ذاتها فأنا لم أتوقع الكثير من ردود الافعال, و إن كنت الى حد الان أجدها مجرد أصداء.. أما بالنسبة لتجاوز الرواية كعمل و التركيز على نشأتي غير العربية فهذا توقعته و إن لم أكن اتمناه.
قد تسبب صفة الادب النسوي استفزازا لك او لسواك باعتبارها عنصرية من نوع ما، لكن حين يتم الحديث عن كاتبة ما يجري عادة الاستشهاد بكاتبات نساء اخريات بسبب شيوع سيطرة الذكر في المجتمع الشرقي الذي تكتبين بلغته. والكثير من مفرداته هي ذكورية حتى المقدس منها. هل تسعين من خلال كتابتك الادبية لجسر الهوة بين المذكر والمؤنث ادبيا واجتماعيا؟
- لا أفضل ان يصنف الأدب على أسس جنسية على الرغم من أن المسميات بحد ذاتها لا تستفزني, سيما و هي لا تبدو حقيقية أو واقعية.. من وجهة نظري فإن الأدب إبداع إنساني عام غير قابل للخضوع لأي نوع من التصنيفات العنصرية..
حين تكون لك الجرأة على طرح رواية لتدخل عبرها المعترك الأدبي, فإنه من المفترض أن تكون قد تحليت بشجاعة كافية ليوضع كتابك على رفوف المكتبات مع غيرك من الكتاب و الكاتبات على حد سواء..
أما جسر الهوة بين المذكر و المؤنث فأصدقك القول بأنه ليس أحد أكبر همومي.. أظن بأننا نعيش في عصر ازدادت فيه الصراعات الأديولوجية و العرقية و المذهبية, ما يدعونا لمد جسور مع ما هو أهم من مجرد العلاقات الأزلية بين النساء و الرجال.. شخصياً لا أعاني من عقد ضد الذكورة و لن أملأ صفحات ببكائيات تسترجع رجالاً أمقتهم, و لن أدعو بقية النساء ليشاركنني عقدي ثم أحصر كل الرجال في زاوية الإتهام.. لن يوجد ذلك عندي..
وُصفت رواية تحت سماء كوبنهاغن بانها تمهيد لبروز جيل من ادباء المهجر العراقيين من الذين ولدوا وتربوا خارج بلدان ذويهم. هل سينجح هذا الجيل في التلاقي مع ادباء الداخل؟
-لابد من ذلك, فنحن شعب تعيش نسبة كبيرة منه في المهجر, منذ تسفيرات السبعينيات و حتى التهجير الطائفي مؤخراً.. لو لم يكن هذا التلاقي ليتوفر فأنه من الواجب أن نخلقه نحن.. ثم ان الأدب جزء من تكوين الانسان, فإذا كان بإمكاننا التلاقي مع ادباء من غير جنسيتنا فأنه من الأولى أن نلتقي مع من هم أقرب إلينا حتى و إن تنوعت الخلفيات..
عدم بروز حوراء النداوي اعلامياً هل سببه مانع اجتماعي أم عدم اهتمام بهذا الجانب أم انتظار الخطوة المقبلة أدبيا بعمل جديد؟
- لا أجد في جعبتي الكثير لكي يحتل المساحة الوقتية التي يعرضونها عليّ.. أعلم بأنني أعيش في عصر الصورة و أن انزواء الكاتب تماماً قد يسبب مللاً لقاريء يمكنه بضغطة زر أن يحصل على مقابلة تلفزيونية لكاتبه المفضل.. لكن الأشياء دائماً جميلة في بداياتها.. و الوقت ما يزال مبكراً.. لا أستعجل الظهور الإعلامي السريع ما دام ما يزال بوسعي أن لا أفعل.. كما أني لا أريد لعوامل خارجية التأثير على ما يحدثه العمل الأول من مفاجأة.. سيما و ان حالة المفاجأة هذه ستنتهي بعد فترة من صدور العمل أو مع صدور اعمال قادمة, لذا أحببت أن استمتع بهذه المرحلة فحسب..
اقتربت رواية تحت سماء كوبنهاغن من ادب السيرة وهناك من وجد فيها لغة ذكورية بحتة في بعض منها قد يوحي من ذلك الغمز بالاستعانة بمساعدة في كتابتها. هل وصلتك ملاحظات بهذا الجانب؟
- لعل تشابه ظروفي كعراقية الأصل دنماركية النشأة مع البطلة, هو الامر الذي حدى بالبعض لاسقاط شخصيتها عليّ, مفترضين ان الرواية هي من أدب السيرة.. غير أن الرواية, ليست كذلك البتة.. حين بدأت اعمل على الرواية لم أكن قد تجاوزت العشرين من عمري و كان عالمي ما يزال ضيقاً و محدوداً جداً.. من الطبيعي أن أبحث حينها عن أقرب ما يلهمني للكتابة.. فشرعت بالكتابة عن المجتمع الذي اعرف..
وصلتني الكثير من الملاحظات فيما يخص شخصية البطل في الرواية.. سيما من الرجال انفسهم.. ما يثير دهشتي هو أن يتساءل البعض عن كيفية فهم شخصية الرجل من خلال شخصية quot;رافدquot;.. أنا لا يعنيني أن أفهم كل الرجال, الذي يعنيني أن أفهم quot;رافدquot; كشخصية محركة في روايتي.. و من المعروف أن quot;فرويدquot; قضى عمره كله يتسائل عن سر المرأة دون أن يحدث العكس, إذ لم تتسائل النساء عن سر الرجال لأنه ببساطة معروف بالنسبة لهن.. لا أجده أمراً خارقاً جعل القلم يتقمص صيغة ذكورية, و لست أول من فعل ذلك..
الكاتب مثله مثل الممثل, كلاهما ينطلقان من فكرة التقمص.. لعلها المسألة تختلف مع الكاتب من ناحية انها لا تتخذ جهداً جسدياً, فحالة التقمص تسري في ذهنه فحسب.. استمتعت خلال كتابة فصول quot;رافدquot; كثيراً, فحداثة فكرة الكتابة بضمير رجل شكلت لدي متعة من نوع خاص, سميا و أن اللغة العربية توفر ذلك بامتياز..
أما في ما يخص سؤالك عن الغمز بالاستعانة بأحد لكتابة فصول تنطق بلسان رجل, فدعني أجيب أنني بطبعي لا يمكنني ان أعمل أبداً على شيء فيما يد أخرى تعبث معي, حتى و أنا أمارس أبسط الأعمال, فما بالك حين أكتب.. بل لعل عشقي للكتابة ناتج عن كونه عمل فردي بحت..
هل لديك رواية أخرى مقبلة، وماهو موضوعها؟
- كتبت quot;تحت سماء كوبنهاغنquot; ثم أعدتُ كتابتها مرتين.. في المرة الثانية أيقنت أن رواية واحدة لا تكفي لتشمل كل ما في ذهني.. لدي الكثير لأقوله بعضه اتخذ شكل القصة القصيرة و البعض الآخر يلوح لي كمشروع رواية.. أرى بأن ما يزال الوقت مبكراً للحديث عن المواضيع..
التعليقات