كامل الشيرازي من الجزائر: يتطلع المشتغلون في حقل التجريب المسرحي بالجزائر، إلى التمرد على السائد والمتوارث وتجاوز كل ما هو معلّب ومألوف، في سبيل منح ديناميكية جديدة لأب الفنون هناك، خصوصا وأنّ المسرح في حد ذاته quot;محض تجريبquot;.
شكلّت الأيام الثانية للمسرح التجريبي التي احتضنتها محافظة ميلة الجزائرية (420 كلم شرق) خلال الأسبوع الأخير، مناسبة متجددة لتعميق النقاش حول راهن التجريب في البلاد، ويجتهد عرّابو الركح من أجل تجاوز الخطوط الحمراء البنيوية والشكلية من خلال ما تتيحه وسائط الجسد والفضاء والسينوغرافيا وسائر المتعلقات والأدوات الفنية.
ويدرج الباحث المسرحي الجزائري quot;الشريف الأدرعquot; وازع التجريب ضمن الرغبة المتأصلة لترسيخ الجماليات وتعميق قيمة الابتكار في مسرح جزائري ظلّ على الدوام منفتحا على التجارب المسرحية العالمية، ويدفع الناقد quot;أبو بكر سكينيquot; بالقول أنّ صفة التجريب في المسرح الجزائري كانت نقطة تحوّل أساسية في إرساء معالم المنظومة المسرحية المحلية، ويلفت أ/سكيني إلى أنّ هذه السمة لم تستغل بعد، لذا ينبغي مراجعة المسار بما يكفل قطع المسرح المحلي لأشواط عملاقة تقلّص الهوة العميقة بينه وبين المسرح العالمي.
بدوره، يؤكد الممثل الجزائري البارز quot;كمال جايبquot; يتوقع توليد تجربة المسرح التجريبي في بلاده لطاقات وإبداعات بما يمكّن من مواكبة التغيرات التي عرفها العالم، في حين يحيل مواطنه الناقد quot;عبد الحليم بوشراكيquot; على أهمية الاحتكاك والتبادل المستمر في تشكيل صورة مشرقة للمسرح التجريبي مستقبلا في الجزائر.
ويبرز السينوغرافي الشاب quot;عبد الغني شنتوفquot; تجارب تجريبية رائدة في الجزار، على منوال ما أنجزه المخرج quot;حسن سيد أحمد قارةquot; في مسرحيته quot;نزول عشتار إلى الجحيمquot; وهي تراجيديا تجريبية جسدت تصورا عاد إلى زمن الألهة.
من جانبه، يرى الأستاذ quot;عمار عزيزquot; أنّ بلورة المسرح التجريبي في الجزائر تندرج ضمن تجسيد إستراتيجية ثقافية تواكب مختلف التحولات الطموحة التي تعيشها البلاد، كما تسعى لخلق ديناميكية إبداعية متوازنة، وهي نظرة تؤيدها الأستاذة quot;نوال غنايquot; متصورة أنّ التجريب المسرحي يسهم في تفادي القطيعة مع الجماهير المتعطشة دوما لمثل هذه العروض، وتعويدها على عموم طقوس هذا الفن الحي وإعلاء قيمة التجريب التي تعدّ كينونة الفن الرابع.
ويضيف الأستاذ quot;أحمد خوسةquot; بأنّ أعمالا مسرحية كثيرة في الجزائر حاليا، تفتقد إلى روح التجريب وهو ما يفسر حجب عديد الجوائز في مهرجان ميلة الأخير، ومع ذلك يحث أ/خوسة على الإمعان في تطبيقات المسرح التجريبي، لكون الأخير يسمح بتوظيف عديد الأشكال الفنية التي تتيح التعبير من مضامين فكرية وفنية.
وشهدت الأيام الثانية للمسرح التجريبي، عرض بواكير واعدة مثل quot;الرحلةquot; لرضا بوالبصير، التي تحكي ما يحصل لمجموعة من الشباب أرادوا الهروب من واقعهم بغية تحقيق أحلام بريئة لكن ذلك يقودهم إلى اكتشاف واقع آخر في عصر آخر متصادم مع ما يعيشونه في واقعهم الراهن.
كما خلق أعضاء فرقة quot;مسرح مرايا quot; الفرجة من خلال quot;رسالة إنسانquot;، وهو عمل عكس مشاعر وأحاسيس شتى متناقضة تنتاب الإنسان في علاقته مع نفسه ومع المحيطين به، كما حفل بالكثير من الإيحاءات وعدم المنطوق في تعاملها مع وقائع متنافرة يعيشها الفرد في كل لحظة وزمن مع quot;الموت والحياةquot; وquot;الحب والكرهquot; وquot;الصدق والكذبquot; بحثا عن quot;حقيقةquot; قد تخرج من بين ثنايا quot;الظلامquot;.
وانتزعت فرقة quot;النوارسquot; الجائزة الذهبية quot;ملوquot; (نسبة إلى ملكة نوميديا قديما)، عن عملها quot;الليلة الأخيرةquot;، فيما عادت جائزة أحسن دور نسائي للممثلة quot;آمال بن عمرةquot; من خلال مسرحية quot;الانقلابquot;، بينما حصل الممثل الشاب quot;محمد حواسquot; على جائزة أفضل دور رجالي في مسرحية quot;الرحلةquot;.