محمد الحمامصي من القاهرة: على الرغم من وضوح القضية التي يطرحها فيلم quot;هذا المكان الضيقquot; للمخرج اللبناني سوني قدّوح والذي عرض أخيرا ضمن مسابقة آفاق جديدة للأفلام الروائية الطويلة والوثائقية في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته الخامسة 2011، والمتمثلة في الصراع العربي الإسرائيلي الأميركي، باعتبار أميركا هي الداعم والمساند والمدافع الرئيسي والمحوري للدولة الإسرائيلية، إلا الرسالة التي حملها الفيلم لم تعالجها بعمق كاف، فليس من المعقول تلخيص قضية عمرها الآن يتجاوز 70 عاما وشهدت من الصراع ما لم تشهده قضية في التاريخ الحديث، في علاقة فلسطيني يقيم بغزة بأميركي مدمن مخدرات يلتقيان عبر الشات، ثم يلتقيان وجها لوجه على الأرض الأميركية، بعد أن يتاح للأول السفر للدراسة واللحاق بأخته وأسرة عمه المناضل السابق.
يسافر quot;حسنquot; إلى أمريكا بأوراق مزورة للاتفاق مع إحدى الشركات كي تمنحه مواد تدخل في تصنيع صواريخ قسام ـ الصواريخ التي تطلقها حماس على المستوطنات الإسرائيلية ـ حاملا لقضية أساسية هي الانتقام لأخيه الذي قتله الإسرائيليون في إحدى غاراتهم على غزة، بينما يلعب الكرة مع صغار آخرين من أصحابه، باعتبار أن أمريكا هي مصدر الأسلحة التي يقتل بها الإسرائيليون، هناك من يحرضه على ذلك باسم الدين والشهداء الذين يتساقطون يوميا والأمهات المكلومات والأرض المسلوبة.
في الطريق لأسرة عمه يلتقي quot;حسنquot; ـ الممثل المصري الشاب سامي الشيخ ـ وهو شخصية متشددة في تدينها، تواظب على أداء الصلاة ورفض تناول كل ما يحرمه الإسلام، مع كريس الأمريكي الضائع والمنحل الذي تتمتع شخصيته بحس فكاهي وشقاوة مرحة ويقيمان معا ليوم وليلة في مصنع خرب كان يصنع الزيتون، حيث يعيش كريس مع فوضاه وحياته الضائعة بتعاطي المخدرات وألعاب الفيديو والسهرات الليلية.
يدخل كريس عالم أسرة quot;حسنquot; عمه وزوجته وأخته، ويتحول quot;حسنquot; إلى مصلح اجتماعي بنصح كريس عن التوقف عن تعاطي المخدرات لكنه يقول إن رغبته عن التوقف غير ذات معنى مع وجود عصابة لبيع المخدرات والسلاح تقودها امرأة سوداء لن تسمح له بالتوقف عن التعاطي، يذهب معه حسن عندها ويحاولان معها لكنها تأبى.
يبدأ كريس بعد التوقف في صيام شهر رمضان مع الأسرة تلبية لدعوة quot;حسنquot;، وينجح في ذلك نتيجة إعجابه بنادية أخت quot;حسنquot;، يفطر معهم أول يوم، لكن تاجرة المخدرات السوداء تصر على أن يستمر كريس في التعاطي، ويقوم أفراد عصابتها بحمله لها حيث يتم ضربته وحقنه بالمخدر.
وهنا يذهب إليها quot;حسنquot; ونستشعر أنه أجهز عليها، وعندما يعود يرى أخته مع كريس وقد رفعت الحجاب ليرى شعرها وتحدث مشادة بينهما، يطرد فيها كريس ليعود لمصنعه غاضبا ويقوم بتدمير كل شيء، وفي هذه الأثناء يعثر على السلاح الذي كان خبأه حسن ليوم ما يتاح له الانتقام من أمريكا نصيرة إسرائيل، وهنا يتأكد لنا أن حسن لم يأت فقط للاتفاق على مواد لصناعة صواريخ قسام ولكن أتي بنية الانتقام أيضا من أمريكا التي تمد إسرائيل بالسلاح الذي قتل أخيه.
يحمل كريس السلاح ويذهب به للعم، الذي يشتعل غضبا ويلقن حسن درسا في محبة هذا البلد / أمريكا التي أتاحت له تكوين أسرة وبناء عمل مستقر وتتيح لأخته التعليم في كلياتها، وهو أيضا استقبلته ويمكن أن تمنحه الحرية والتعليم والعمل والاستقرار، وأن الكفاح في ظل مجموعة ممن يسخرون المقاومين لمصالحهم هو كفاح بلا طائل أو جدوى.
طبعا الفيلم يضم عددا كبيرا من الأفكار غير المقنعة أو بمعنى أدق غير المعالجة والمقنعة سينمائيا، فهذا التعاطف والدفاع عن أمريكا غير مبرر فنيا، حتى وإن كان الأمر يرتبط بالشعب الأمريكي وليس بسياسات حكامه، حيث يحاول الفيلم أن يقول أن الشعب الأمريكي واقع تحت سطوة إعلام مزيف وحكام يستغلونه، ومن ثم لا يعرف حقيقة ما يجري.
بالطبع نحن نقدر تعايش الشعوب والثقافات والحضارات وندعو إلى توثيق هذا ودعم أواصره، لكن لابد من معالجة ذلك بشكل أعمق يستطيع أن يقنع المشاهد، لكن أن يركز الفيلم على تعاطف quot;حسنquot; بما يحمله من ثقافة إسلامية مع كريس ومحاولة إرشاده إلى الطريق الصحيح وحمايته والدفاع عنه، لنراه في النهاية شخصا آخر مختلفا جذريا، دون أن نرى ذلك من جانب quot;كريسquot; تجاه quot;حسنquot; فأعتقد أن الأمر يبدو غير منطقي.
هل أراد الفيلم اللبناني الأمريكي المصري المشترك والحائز على جائزة أفضل منتج ـ سوني قدّوح ـ من العالم العربي من المهرجان لروحه المستقلة وتصميمه، الكشف عن أصالة الحضارة الإسلامية وأنها قادرة على الاحتواء والإصلاح ومد جسور تواصل تقوّم به الخلل والانهيار والفساد الأمريكي؟ هل أراد أن يقول أن الشعب الأمريكي quot;غلبان وضائع وتائه مثله مثل الشعب العربي والإسلامي ومغلوب على أمره وهو أيضا مثلنا يحتاج إلى من يقوّمهquot; ويدافع عنه ويوجهه ويأخذ بيده إلى الطريق الصحيح / الطريق الإسلامي المنفتح والحر والمستنير والمتسامح؟.
هل أراد الفيلم الروائي الطويل الأول للّبناني البولنديّ الأصل سوني قدوح أن يقول أن المهاجرين الفلسطينيين وجدوا في الغرب الأمريكي وطنا جديدا يتمتع بالحرية ويكفل لهم حياة آمنة ومستقرة وأن لا سبيل لإثنائهم عن الاستمرار في هذا الوطن والذوبان فيه والدفاع عنه والحفاظ عليه وعلى مكتسباتهم التي أتاحها لهم؟.
لقد استشعرت أن الفيلم إعلانا دعائيا سينمائيا للتقارب بين الشعب الإسلامي العربي والفلسطيني خاصة باعتبار أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية عربية، وبين الشعب الأمريكي، في محاولة لتحسين الصورتين الفلسطينية التي شوهتها مقاومتها الدموية والعنيفة عبر العمليات الانتحارية ضد المدنيين، والأمريكية التي شوهتها العلاقة الإسرائيلية والاحتلال العراقي والأفغاني والتدخل المباشر لأمريكا في شئون الدول العربية والإسلامية.
لسنا ضد تحسين الصورة ودعم التقارب بين الشعوب والثقافات، ولكن أن يتم ذلك بمعالجة مقنعة فنية وجمالية، فليس هناك مبرر فني لتحول quot;حسنquot; لمدافع ومحافظ وهاديا لـ quot;كريسquot;، وليس هناك مبرر فني للغرام الذي جمع ما بين نادية وكريس، ثم ما هذا الخطاب الانفعالي المباشر للعم الذي يدين المقاومة ولا يدين إسرائيل ويدافع عن أمريكا كأنها العالم المثالي أو الجنة الموعودة، قد يكون أداء الممثلين جيدا إلى حد بعيد خاصة أداء البطلين الرئيسين حسن وكريس، لكن تظل الرؤية الإخراجية ضعيفة ربما نتيجة ضعف السيناريو وعدم قدرته على استيعاب القضية.
المهم أن كل ذلك يأتي دون إشارات إدانة واضحة للدولة الإسرائيلية سوى أنها قتلت الأخ الصغير لـquot;حسنquot;، بل كأن الفيلم يبرّأ إسرائيل ويلقي بالمسئولية على أمريكا، لذا جاء حسن لأمريكا للحصول على سلاح لحماس وربما لتنفيذ عملية انتحارية للانتقام منها باعتبارها الدولة الراعية والمساندة والحافظة لإسرائيل.
على أية حال استمتعت بأداء البطلين حسن وكريس ويقينا كانا يستطيعان أن يقدما فيلما رائعا لولا ضعف السيناريو، وربما حذره ـ السيناريو ـ من التوغل في مناقشة عميقة للقضية / قضية التعايش والمصالحة، لكني أيضا على يقين من أن المخرج كان يمكن أن يفعل الكثير بكاميرته على الجانبين الفلسطيني والأمريكي بدلا من ذلك الرجل المحرض لـ quot;حسنquot; وذلك المشهد البائس للأخ الصغير بعد ضرب القوات الإسرائيلية له والمشهد المفتعل لقبول نادية رفع الحجاب لكريس كي يرى شعرها، أو مشهد أم كريس اليائسة من حياة ابنها الذي هجرها دون سؤال حتى ولو عابر.