عبد الجبار العتابي من بغداد: نعى الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق الشاعر العراقي خالد الشواف، الذي توفي صباح يوم الاربعاء في مستشفى المستنصرية الاهلي ببغداد عن عمر 87 عاما، ويعد الراحل رائد المسرحية الشعرية في العراق، حيث بدأ شغفه بالمسرح مذ كان صغيرا حين شارك في العديد من المسرحيات المسرحية، حتى اذا ما نجح في الامتحان المركزي (البكالوريا) هداه والده المجموعة الكاملة لمسرحيات أحمد شوقي الشعرية، وهو ما جعله يعكف خلال العطلة المدرسية الصيفية على قراءة المجموعة بالكامل بنهم، وهذا ما حبب في داخله هذا اللون من الادب، وحين جلس على مقاعد الدراسة المتوسطة كانت موهبة كتابة الشعر تتبرعم في نفسه فعززها بالقراءات العديدة للمسرحيات الشعرية العالمية المترجمة إلى العربية، كما انه شاهد الفنانة المسرحية المصرية فاطمة رشدي في زيارتها للعراق حيث قدمت على مسارحها (مجنون ليلى) و(مصرع كليوبترا) فتعلق بهذا النوع من المسرح الذي انتشر انذاك، وما ان اكتملت موهبته وقبل ان ان يتجاوز عمره العشرين عاما استطاع الانتهاء من كتابة أول مسرحية شعرية له وكانت بعنوان (شمسو)، وذلك في صيف عام 1944 التي يعتبرها النقاد أول مسرحية شعرية عراقية، وكما يقول عن شغفه ذاك: (كتبت الشعر سنة 1938، ونشرت أولى قصائدي سنة 1940، حتى إذا بلغت العشرين من عمري، وجدت نفسي أفكّر في كتابة مسرحية شعرية، وخطرت عليّ الخواطر، ورأيت أن تكون هذه المسرحية في إطار تأريخي يمثّل فترة من فترات تأريخ العراق القديم.. ذاك أني كنت مولعاً بمطالعة الكتب التأريخية، واستقرّ في فكري أن اكتب مسرحية شعرية، موضوعة الأحداث والشخوص، أي ليست واقعية تأريخية، وفي جو درامي مقتبس من إحدى فترات التأريخ البابلي، وهكذا وجدتني أشرع في كتابة تلك المسرحية الشعرية، التي سمّيتها ( شمسو )، ثمّ أكملتها في غضون عامين، وكنت، يومئذٍ، طالباً في كلية الحقوق.

وكتب بعدها مسرحية بعنوان (الأسوار)، ثم مسرحية (الزيتونه) في عام 1956، كما كتب مسرحية كوميدية شعبية بعنوان (قرة العين) عام 1967، وغيرها ذلك من المسرحيات الشعرية التي نالت مكانة مميزة في الادب العربي بشكل عام والمسرح الشعري بشكل خاص، وكتبت عنه دراسات عديدة في الصحف والمجلات العربية والعراقية, كما ألفت عن شعره دراسة نال واضعها عنها درجة الماجستير, ووضعت عنه فصول في كتب أكاديمية لعدد من أساتذة الجامعات في العراق تناولت شعره المسرحي.

وكتب الراحل قصة وحوار فيلم (نبوخذ نصر) الذي انتج 1962، وهو يتناول سيرة الملك الأشورى الشهير نبوخذ نصر بانى الحدائق المعلقة ومواقفه وشجاعته ومواجهته للأعداء المحيطين به، وق تميز الفيلم بحشد إنتاجى للكومبارس والأكسسوارت أكثر من أى فيلم عرقى سابق له، وقام باخراجه كامل العزاوى.

والراحل من مواليد بغداد / الكرخ عام 1924 وفيها أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتخرج من كلية الحقوق العراقية 1949، وعمل في المحاماة مدة قصيرة, ثم التحق بالوظائف الرسمية, فكان مشاوراً حقوقياً في مديرية الإعاشة العامة بوزارة المالية, ثم مديراً عاماً للثقافة في وزارة الثقافة والإعلام, ثم مشرفاً تربوياً اختصاصياً في وزارة التربية والتعليم. وأحيل إلى التقاعد 1979.

ومما يجب ذكره ان الشاعر الشواف ارتبط بعلاقة وثيقة مع الشاعر بدر شاكر السياب، واكدت ذلك رسائل السياب للشواف التي كانت تضم العديد من قصائده، وقد اشار الى ذلك شربل داغر في موضوع نشرته مجلة (نزوى) قال فيه (وما يشد انتباهنا فيها هو العلاقة التي نشأت بين السياب والشواف خصوصا، والتي تتضح فيها نصائح الصديق النافعة للسياب، والتي تكشف خصوصا عن احتياجات السياب للنصح والكتب في آن، هو القابع في البصرة البعيدة عن بغداد العامرة والمتحركة، حيث يقيم الشواف. ففي غير رسالة يكشف السياب عن افتقاره الى مجموعات quot;الخلاقين من الشعراءquot;، ممن نصحه الشواف بالاطلاع عليهم و quot;تتبع غبارهمquot;، وهو ما يلخصه في هذه العبارة. quot;إذن فقد فتشت، ثم اشتريت، ثم قرأت فتأثرت، ثم نظمتquot;. والرسائل بينهما تضم عينات مفيدة عن عثرات السياب في النظم أو النحو أو البيان، وهو في السادسة عشرة من عمره، وعن تصحيحات وتنقيحات يقدم عليها أو يقترحها على الشواف).
والراحل الشواف ينتسب إلى عائلة الشواف التي تنحدر من منطقة (كبيسة) في محافظة الأنبار وهي عائلة عربية عريقة ترجع إلى بطن من بطون القبيلة العربية الشهيرة قيس.

من قصائد الشاعر خالد الشواف:

( بالأمس كانت فلسطين قضيتنا/ والقدسُ في يومنا والباقيات غدا
وكان أدنى أمانينا عُروبتها/ فصار تدويلُها الحلم الذي افتقدا
وأنتم يا رجالَ العُرب ما فعلت/آياتكم تلك بالجمع الذي احتشدا؟
متى ستوحي لكم أحداث عالمكم/يا حاكمين بأن quot;العدلquot; قد فُقدا؟
وأن أسطورةً يدعونها quot;شرفاًquot;/باخت وكل ضمير بعدها جمدا
وأن شيئاً يُسمَّى quot;الحقquot; بينهمُ/ أودى وآخر يُدعى quot;واقعاًquot; وُلِدا
ملأتم مسمع الدنيا بجعجعةٍ/ جوفاء ليس لها بالعالمين صدى
ماذا تقولون للتاريخ ويحكم/ إذا بعار الليالي حدّث الأبدا؟
يا ساسة العُرب سقيتم شعوبكم/ من كرمة الخور القتّال ما قصدا
لا تحسبوا أنها أغفت وإن ثمِلت/ ويل الحكومات من ثأر الشعوب غدا)

الذكر الطيب للراحل الكبير، ورحمة الله على روحه الطيبة.